عندما تُطبّق الولايات المتحدة سياسة العقوبات والحصار ضدّ الدول التي ترفض هيمنتها، وتمارس حقّها المشروع في الحفاظ على استقلالها وسيادتها ومصالح شعوبها، تقوم الأولى بمخالفة القانون الدولي وميثاق هيئة الأمم المتحدة، وبتأزيم الوضع الدولي، وتسميم العلاقات الدولية، وتحويلها إلى قانون الغاب، فضلاً عن مخالفتها لكلّ القِيَم المتعلّقة بحياة الشعوب، وبكرامة الإنسان.إن فرْض العقوبات والحصار على أيّ بلد من بلدان العالم، ومعه معاقبة الشركات التي تتعامل معه، تصيب شظاياهما عدداً من الدول الأخرى التي يُفرض عليها - تحت التهديد والابتزاز - أن تشارك، عمليّاً، في هذه السياسة. وتقع أضرار كبرى على الدول المجاورة، كما حدث في حالة «قانون قيصر» الإجرامي الذي لا يزال يُطبّق على سوريا، من تأثير يدفع لبنان أيضاً ثمنه. ويؤدي فرْض العقوبات والحصار الاقتصادي والعسكري والسياسي والاجتماعي إلى تعطيل النمو الاقتصادي، وخلْق حالة من التقشّف الداخلي يربك الوضع كله، ذلك أن ما مِن بلد يحترم نفسه وسيادته ومصالحه يَقبل بالاستسلام تحت ضغط العقوبات والحصار اللذين يفرضان عليه تحمُّل أضرار فادحة تظلّ، مهما بلغت، أقلّ ضرراً من الاستسلام والقبول بسياسات واشنطن وإملاءاتها، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بدولة عربية أو إسلامية؛ ذلك أن شروط رفْع العقوبات، تتطلّب أميركيّاً، الخضوع للسياسات الصهيونية، والتخلّي عن القضيّة الفلسطينية.
أمّا على الجهة الأخرى، فعلى الضدّ - حتى ممّا تعلنه أميركا من هدف تغيير سياسات الدولة المعنيّة -، ثمّة سياسة تَستهدف الشعوب وإفقارها وحرمانها حتى من الكهرباء والدواء، وحماية أطفالها من العواقب الصحية على بنيتهم وتعليمهم ومستقبلهم. لهذا، فإن أميركا تَعلَم، من خلال تجربتها الطويلة التي مورست ضدّ دول عالم ثالثيّة كثيرة، أن الأنظمة تصمد ولا تخضع للعقوبات والحصار. ومن ثم لا يتحقَّق من العقوبات غير التضييق على الشعوب والإضرار بحياتها، وهو ما يجعل الهدف الحقيقي لأميركا ليس سياسات النظام، وإنّما تجويع الشعوب وتخريب الدول، باعتبارها هدفاً مطلوباً بذاته. ويدلّ على ما تَقدَّم، العقوبات على سوريا، قطاع غزة، إيران، لبنان، اليمن، كوريا الشمالية وفنزويلا، والتي تَبيّن أن الشعوب هي المستهدَفة عمليّاً وبالدرجة الأولى، وبأن الهدف السياسي غير قابل للتحقُّق.
لذلك، فإن على دول العالم وأحراره، كما على هيئة الأمم المتحدة ومنظّمات الدفاع عن القانون الدولي وحقوق الإنسان، بما في ذلك منظّمات حماية الطفولة والحرص على الصحة العامة، أن يرفعوا الصوت عالياً ضدّ ممارسات أميركا في مجال سياسة العقوبات، وإدانتها لما تسبّبه من كوارث إنسانية للشعوب التي تُنفّذ في حقّها هذه السياسات. فالكوارث الإنسانية التي حلّت بالشعوب المُعاقَبة والمُحاصَرة يجب أن تتحوّل إلى قضايا إنسانية وسياسية وأخلاقية. وإنه لعارٌ على هيئة الأمم المتحدة والمنظمات والهيئات الدولية أن تستمرّ العقوبات في حقّ سوريا وقطاع غزة وإيران ولبنان واليمن وكوريا الشمالية وفنزويلا. واليوم، أخذت سياسات العقوبات تمتدّ لتشمل روسيا والصين، ما يعني أن الولايات المتحدة راحت تهدّد العالم كلّه بنشوب حرب عالمية تتهدّد الوجود الإنساني، كما تتهدّد الحياة على كرتنا الأرضية.

* كاتب وسياسي فلسطيني