أكثر ما شدّني في مقال الأستاذ محمد صالح الفتيح («الأخبار»، العدد ٢٢٤٦) هو ما أورده، في فقرة مقاله الخاتمة، من مطالبتي بتقديم تصور لنظرية أمن عربية... لكن التطلع الى الأمام يستوجب أولاً الانتهاء من إعمال النظر في ما فات، طلباً لاستحضار كل درس مستفاد منه معطوفاً على تشخيص أمين لما دار وكيف.
والحاصل أن جملة إشارات سريعة أراها تفي بغرض الانتقال من تحليل فصلٍ من الصراع مضى الى فصول، منها ما يدور ومنها ما يُستولد:
أن النهج الناظم لمقاربة عبدالناصر للصراع العربي ــ الصهيوني كان تجنب المواجهة المسلحة ما وسعه الجهد والطاقة، وحتى تبني مصر قوتها الذاتية بتنفيذ خطتين خمسيتين للتنمية وبتوفير أسلحة الدمار الشامل بما فيها القدرة النووية... عنى ذلك موعداً تقريبياً لن يتقدم عن مدى 69-70
ــ أن عبدالناصر لم يزعم يوماً ان لديه خطة لتحرير فلسطين، بل هو كرر مرتين: الأولى امام المجلس التشريعي لقطاع غزة في حزيران 62، والثانية أمام المجلس الوطني الفلسطيني في مايو/ أيار 65 انه ليس في وارد التخطيط لحرب على اسرائيل في قريب الأوقات.
ــ أن المهمة الرئيسة للقوات المسلحة، عبر فترة الاستعداد للحرب، هي الدفاع عن سيناء: تلك كانت نظرية الأمن المصرية وقتها... وحتى لو تصاعدت المواجهة مع اسرائيل بشكل طارئ الى طور ساخن خلالها فلن تكون مصر هي البادئة بالهجوم، بل المستوعبة لاثاره والذاهبة بعده الى ضربة مضادة تشمل دفاعاً ناجحاً عن سيناء.
ــ أن مثال شباط 60 في حشد القوات في سيناء بصمت فاجأ اسرائيل دليلٌ على أن الغرض هو تجنب الحرب عن طريق ردع إسرائيل عن شنها.
ــ أن تصعيد 67 هو خروجٌ كامل عن النص سبق أي وقت محتمل له بعامين أو ثلاثة... ولقد سبق لي تبيان ملابسات التصعيد وخلفياته بما يغنيني عن التكرار، لكن النقطة المركزية هي أن الدفاع التراجعي عن ممرات سيناء كان ممكناً رغم كل ما جرى يوم 5 حزيران.
الآن، هل معنى ذلك أن أوضاع العسكرية المصرية كانت فعلاً ضمن الحدود المقبولة لقوة يتوجب أن تكون جاهزيتها الدائمة للاشتباك ناجزة؟ يكفي هنا الاستشهاد بمؤلف ثمين بعنوان «الفرص الضائعة» لأمين هويدي - وزير الحربية المصري: تموز 67 - كانون الثاني 68 - والذي شرّح فيه أداء العسكرية المصرية في كل حروبها (بما فيها حرب اكتوبر) بسكّين لا ترحم، وكذلك بمقال لي في «الأخبار» في اذار 2008 بعنوان «تشريح جيش»... لذا فكثير من النقاط المثارة في مقال الأستاذ الفتيح عن القصورات المصرية صحيحة.
( بالمناسبة، فخطاب إغلاق خليج العقبة يوم 22 ايار كان في قاعدة أبوصوير الجوية )
* كاتب عربي