حديثنا هنا عن مذكرات صائب سلام التي صدرت حديثاً في ثلاثة أجزاء بعنوان: «صائب سلام: أحداث وذكريات». وقلتُ من قبل إنّ الأجزاء الثلاثة هي يوميّات دوّنها صائب ونشرتها العائلة كما هي من دون تصحيح أو تنقيح أو تحرير، مع أنها تنقل صورة معبّرة عن مكنونات صائب سلام وتفكيره في محطات تاريخيّة هامّة شاركَ هو في صنعِ بعضها. يُفاجأ القارئ الذي تابع سلام في حياته السياسيّة الناشطة أن صائب في اليوميّات هو غيره في الحياة العامّة في الصحافة في زمانه. هناك معالم ازدواجيّة لا تخفى. قلتُ أختبرُ الأمر وأتحقّق بنفسي، وأعود إلى صحف مرحلة صائب في رئاسة الحكومة بين 1970 و1973، أي في عهد فرنجيّة. المسافة بين المواقف كبيرة جداً وتوحي بانفصام. صحيح أن الكثير من الناس تقول في العلن ما لا تقوله في السرّ مع أن الأصمعي يعرّف المروءة عند العرب بأنها: ألّا تفعل في السرّ أمراً وأنتَ تستحي أن تفعله جهراً. ويصلح ذلك في الكلام وفي المواقف أيضاً. بتنا نعرف اليوم، مثلاً، أن أحاديث رفيق الحريري في السرّ كانت مناقضة تماماً لتصريحاته العلنيّة: أطنب في مديح النظام السوري والمقاومة في العلن وتآمر ضدّهما في السرّ مع ألدّ أعدائهم. وصائب كان يكتب في اليوميّات ما لم يكن يقوله علانية. وفي نوفمبر من عام 1972، وقع صائب في ورطة.

جلس في مقابلة مع طلال سلمان (وكان مراسلاً لمجلّة «الصيّاد») ويبدو أن صائب فهم بأن الحديث ليس للنشر، لكن سلمان نشره كما هو. وقامت القيامة يومها وهدّدَ صائب بإقامة دعوى ضد سلمان (لكنه لم يمضِ فيها ما يؤكّد صحّة ما نشره سلمان من كلام صائب). والذي نُشر في الصحف آنذاك عن المقابلة وردود الفعل على المقابلة يؤكد صحّة ما نشره طلال سلمان عنه. وتناول الكلام عدداً من خصوم سلام، مثل كرامي واليافي طبعاً، بالإضافة إلى النظام السعودي. وسارعَ صائب إلى نفي كلامه من اليونان حيث كان يقضي إجازة. لكن الذي ورد في الصحف عن مقابلة صائب في «الصيّاد» (مثل زعم صائب أن عبد الحكيم عامر فرض ترشيح رشيد الصلح على قائمة صائب وعبدالله اليافي) يتطابق تماماً مع كلام صائب في اليوميّات (لكن في اليوميّات كانت الإشارة إلى دور عبد الحكيم عامر متعلّقة بانتخابات 1960 ــ كما ورد في الحلقة السادسة من هذه السلسلة ــ لكن في «الصيّاد» قال صائب إنها كانت عام 1964، ونفى اليافي ذلك في الصحف يومها (راجع «النهار»، 10 نوفمبر، 1972). واكتفت الحكومة السعوديّة بتسجيل نفي صائب لكلامه عن أحمد زكي اليماني. لكن نفي صائب لكلامه كان ملتبساً في حينه، إذ أكّد أن المواضيع التي وردت في الحديث «تناولها فعلاً لكن ليس على هذه الصورة إطلاقاً. أخذ من كل موضوع ما يريد وحرّفه كما يريد وكما أوحت إليه نيّته السيّئة» («النهار»، 9 نوفمبر، 1972). لكن أكثر ما يلفت نظر المُراجِع للأرشيف، الكمّ الهائل من المديح الذي كاله صائب على شخص سليمان فرنجيّة، الذي عاد وحمّله بعد أشهر فقط من نهاية ولاية سلام في الحكومة المسؤوليّة عن الانهيار في البلد، وبات يصرّح برأيه عن جهله وتخلّفه وعن فساد ابنه طوني. أي أن صائب غطّى على فرنجيّة عندما كان في الحكم رئيساً للوزراء في عهد فرنجيّة وذمّه فقط عندما وقعت الواقعة بينهما إثر اغتيالات فردان في نيسان 1973.
والأمر الثاني الذي يطالعك في الأرشيف أن وصف صائب لمرحلة رئاسته للحكومة في تلك الحقبة كان أنها فترة ذهبيّة، وهي لم تكن كذلك أبداً. هي فترة عطّلت فيها الحكومة تسليح لبنان بوجه الاعتداءات الإسرائيليّة المتكرّرة. وفي نوفمبر من عام 1972، يتهم كمال جنبلاط صائب سلام مباشرة بـ«رفض صفقة التسليح السوفياتي في اللحظة الأخيرة» («النهار»، 15 نوفمبر، 1972). والحريّات العامّة لم تكن مُصانة كما وصفها صائب. في عهده زُجَّ بجورج حاوي في السجن، بعد خطاب ألقاه في النبطيّة وانتقد فيه تمنّع الجيش عن مواجهة إسرائيل. ويجب أن نسجِّل للتاريخ أن العظيم غسان كنفاني دخل السجن في نوفمبر 1971 في عهد فرنجيّة-سلام وذلك بسبب انتقاده في مجلّة «الهدف» الملك فيصل. وكانت معظم أحكام المطبوعات في عهده تصدر لحماية طغاة الخليج من النقد في صحافة لبنان، لكن الصحافة كانت تسمح بنقد الحكام غير المتحالفين مع أميركا (ما أشبه اليوم بالأمس في هذا الصدد). كما أن حكومة سلام منعت تجديد إقامة الوطني السعودي، عبدالله الطريقي، وبإيعاز مباشر من الحكومة السعودية. وفي عهد سلام تمّ إطلاق النّار على عمّال «غندور» المضربين وتعاونت أجهزة الحكم في قمع الحركة الطلابيّة في جامعات لبنان.
وصف صائب لمرحلة رئاسته للحكومة في تلك الحقبة كان أنها فترة ذهبيّة، وهي لم تكن كذلك أبداً. هي فترة عطّلت فيها الحكومة تسليح لبنان


ويزور صائب السعوديّة في صيف 1976 لكن المراسم الملكيّة لم تكن كما كان يتوقّعها بسبب «تضارب المواعيد» بين زيارته وزيارة رشيد كرامي (ص. 754، ج2). لكن برودة الاستقبال أثارت حنق صائب فأرسل إلى الحكومة رسالة محدّداً أنه مرتبط بمواعيد إذا لم يتم استقباله قبل يوم الإثنين. عندها، لحقت به دائرة «المراسم» وأقنعته بالتوجّه إلى الطائف حيث الملك خالد والأمير فهد والأمير سلطان. ويقول عن أحاديث الملك خالد: «أحاديث الملك كانت كالعادة، عموميّة لا تسفر عن نتيجة واضحة، لكن الأمير فهد كان إلى جانبي يتدخّل باستمرار لتغطية الثغرات». واختلى صائب بالأمير فهد (وكان معه ابنه فيصل) ووضع «كل النقاط على الحروف أمامه». ويبدو أنه كان هناك خلاف مالي بين الطرفيْن لم نعرف به من قبل إذ يقول: «والتحدّث عن كلّ ما جرى منذ مقابلتنا الأخيرة، ومغادرتي المملكة وأنا مستاء من المعاملة ومن رسالتهم مع د. رشاد فرعون بعد عشرة أيّام، وعرضهم عليّ مبلغ المليون ليرة الذي رفضته، والكتاب الذي وجّهته له على الأثر مُسجِّلاً له رفضي، ثم المراسيل التي كانت بينه وبيني بعد معركة انتخابات رئاسة الجمهوريّة (لعام 1976)، وكيف أنهم خذلونا خذلاناً تاماً بعد التأكيدات الجازمة التي كان يبعثها إليّ مع فيصل بوقوفهم معنا بكلّ إمكاناتهم المعنويّة والماديّة» (ص. 755، ج2). هذه من الإشارات النادرة في اليوميّات إلى علاقة ماليّة مع السعوديّة غير متعلّقة بدعم «المقاصد». وصائب يبدو متبرّماً غالباً من المبالغ التي تُعرض عليه (مثلما رفض مبلغ عشرين ألفاً من أثرياء بيروت لدعم ميليشيا «روّاد الإصلاح»). لكن ماذا كان دور المال في الانتخابات الرئاسيّة؟ صائب كان يعتمد على دعم السعوديّة لترشيح إدّة فيما كانت السعوديّة قد تفاهمت مع حافظ الأسد على إلياس سركيس. لكن هذه للمرّة أخرى تشكل إشارة إلى دور المال في إيصال مرشّح إلى رئاسة الجمهوريّة (في الحديث عن تنصيب بشير الجميّل رئيساً في 1982 ننسى أحياناً أن الدور لم يكن فقط لجيش الاحتلال في غزوه، وإنما أيضاً للتمويل الذي تشارك فيه «الموساد» مع أثرياء من بيروت الشرقيّة، خصوصاً ميشال المرّ الذي دفعَ نقداً ونوعاً للنوّاب الذين اقترعوا للجميّل).
وعندما أجادَ الأمير فهد في الكلام العاطفي قاطعه صائب قائلاً: «هذه كلّها عواطف. أما نحن فلم يعد لنا من سند سوى الله عزَّ وجلَّ». وهنا شرحَ صائب الوضع بالتفصيل: «وقلتُ له لولا الدّين الذي غرقنا فيه وأصبح يتجاوز الأربعة ملايين لما بقي لمسلم أي صوت في لبنان. وذكرتُ له كلّ ما عندي من تفاصيل عن «روّاد الإصلاح» وما نتكبّده في سبيلهم، وكيف صدّوا عن المسلمين اعتداءات الغوغاء... فقلتُ له بوضوح إن أيّ مساعدة تقلّ عن عشرة ملايين دولار لن تكون مفيدة، إذ إن ملايين الدولارات تتدفّق على جميع المخرّبين، وخصوصاً من ليبيا والعراق» (ص. 755، ج2). لكن ماذا يفعل صائب بعشرة ملايين دولار لدعم «روّاد الإصلاح»؟ الذين يذكرون أعضاء الميليشيا وهم يتجوّلون في سيّارتين يستغرب حاجة الحركة إلى هذا الكمّ من المال. ومن المستهجن أن صائب استعمل عبارة «المخرّبين» التي كان العدوّ يستعملها في إشارة إلى الفدائيّين قبل أن يستقرّ على عبارة إرهابيّين في الثمانينيّات. ثم عرّجَ صائب في طريق العودة على دمشق حيث التقى حافظ الأسد وشجّعه على عدم الاتفاق مع كمال جنبلاط.
ويستمرّ صائب بالشكوى من الأوضاع في بيروت الغربيّة، خصوصاً مشروع الحركة الوطنيّة لإقامة «إدارة مدنيّة» و«أمن شعبي». وبالفعل، كان الوقت غير سانح لهذه المشاريع المتأخرة، لأن الناس كانت قد فقدت الثقة بقدرة الحركة الوطنيّة والمقاومة الفلسطينيّة على تنظيم الأوضاع في بيروت الغربيّة. ويضيف صائب في إشارة تحمل نعرة طائفيّة: «فالأمن عند من يُطلق عليهم اسم «الإدارة المدنيّة» يتسلّمه صوريّاً سنان برّاج، ولكن وراءه في الحقيقة ثلاثة شيوعيّين حتماً وهم: إسبر بيطار وطانيوس وكميل، وإدارة التربية كذلك، والدعاية أيضاً، ومن وراء هذا كلّه أقدرُ الشيوعيّين، الأمين العام محسن إبراهيم الذي أطلقُ عليه اسم ميني بريجنيف» (ص. 765، ج2). لكن نفس هؤلاء الشيوعيّين سارعوا بالرغم من كراهية صائب لهم إلى التودّد له بحلول الاجتياح الإسرائيلي في صيف 1982، بعد أن كانت الناس قد نبذت الحركة الوطنيّة والمقاومة الفلسطينيّة.
ثم ينقل عن علي الشاعر حديث أبو عمّار مع السفراء العرب. كالعادة، لم يكن لعرفات أي خطّة في مواجة التدخّل العسكري السوري. اكتفى، كعادته في الأزمات والملمّات، بإطلاق التهديدات التي لا يعنيها ولا ينفّذها. وصل به التهديد بأنه «إذا قُضيَ على الفلسطينيّين هنا، فإنهم سيفجّرون العالم العربي بأسره» (ص. 766، ج2). ردّ الشاعر على تهديد عرفات بتسليمه مبلغاً يقدّر بــ«حوالى 5 ملايين دولار». كان يمكن للمقاومة الفلسطينيّة في عزّها أن تفجّر العالم العربي بأسره، وكان هذا مشروع جورج حبش ورفاقه لكن الذي منع ذلك هو عرفات نفسه واكتفى بإطلاق التهديد كي يتلقّى المزيد من المال لدعم بيروقراطيّته (غير) الثوريّة. مرّة أخرى أكّد له علي الشاعر أن السعودية «ستساعده» ماديّاً «عمّا قريب» (ص. 767، ج2). صائب دائماً يخبرنا عن وعود بمساعدات ماليّة، لكن لا يخبرنا عندما يصله المال إلا نادراً، مثل المرة التي زاره فيها علي الشاعر وسلّمه «شيكاً بالليرة الإسترلينيّة يعادل خمسة ملايين ليرة لبنانيّة، وهو المبلغ الذي كان قد وعدني به نيابة عن الأمير فهد تسديداً لعجز المقاصد المالي» (ص. 778، ج2).
طار سلام إلى السعوديّة لشكر المملكة على العوْن الأخير، ثم طالبَ الأمير فهد «بمساعدتنا على القيام بمشروع الإعمار الذي كنتُ قد تقدمتُ به وأساسه التعمير والإنماء لنستعيض عن الاستمرار بالطلب من هذا الطرف أو ذاك، فرحّبَ فهد بذلك ترحيباً شديداً، وتواعدنا على أن أعدِّل المشروع الذي كنتُ قد تقدمّتُ به قبل سنة ونصف السنة للأمير مساعد» (ص. 781، ج2). هنا تكاد تشعر بالدوار من كثرة المشاريع والطلبات والأمراء. وعندما يعود إلى لبنان يُفاجأ صائب بتصريح لبشير الجميّل يدعو فيه إلى «نوع من اللامركزيّة السياسيّة التي لا تعني في نهاية الأمر سوى البدء بتقسيم لبنان» (ص. 781، ج2). يتصل سلام ببيار الجميّل فيقول له الأخير أن تصريح بشير «ليس هو رأينا النهائي كما تعلم».

يجب أن نسجِّل للتاريخ أن العظيم غسان كنفاني دخل السجن في نوفمبر 1971 في عهد فرنجيّة ــ سلام وذلك بسبب انتقاده في مجلّة «الهدف» للملك فيصل


وعند اغتيال كمال جنبلاط يكتب صائب مرثيّة عنه لم يسبقه إليها أحد في أدب المراثي الهجائيّة إذ يقول: «كان ظاهرة إنسانيّة، إنه أكبر زعيم قبيلة وأهم إقطاعي في لبنان، ومع هذا فإنه ينادي بالديموقراطيّة ويرأس حزباً اشتراكيّاً، وهو ينتمي روحياً إلى الدروز ــ كما يحبّ أن يقول ــ لكنّه في نفس الوقت يعلن إسلامه. وهو زعيم إقليمي شوفي ودرزي، ومع هذا نراه ينادي بوحدة لبنان، وبوحدة العرب... إنه مزيج من التناقضات التي لم يكن ليرفّ له جفن وهو يمارسها جميعاً، متقلّب في مواقفه وسياسته بين يوم وآخر، أفليس هو حامل جائزة لينين السوفياتيّة، في نفس الوقت الذي يُقال عنه: إنه يتبع توجيهات الأميركيّين الذين يشتمهم علناً» (ص. 786، ج2). صحيح أن شخصيّة كمال جنبلاط هنا تشبه كثيراً شخصيّة ابنه السياسيّة، وليس في ذلك إجحاف أبداً من قبل صائب، إذ إن التقلّبات وسمت سيرة الأب والابن معاً. لكن لم يقدِّم صائب دليلاً أن كمال يتبع توجيهات الأميركيّين، مع أنه كان ثابتاً في دعم حكم أنور السادات، ودافع عنه حتى عندما باشر بمحاربة الناصريّة في مصر. لكن صائب يذهب بعيداً في الحقد والتشفّي عندما يقول عن جنبلاط «لم يخلُ الأمر من كثيرين شعروا بالراحة إزاء التخلّص من جنبلاط وهؤلاء لم يكونوا في صفوف المسيحيّين وحدهم، بل كان بينهم مسلمون ودروز» (ص. 787، ج2). ما أذكره بوضوح عن تلك المرحلة أن حالة من الحزن الشديد سادت في أوساط المسلمين كافّة في بيروت الغربيّة وفي الجنوب بعد اغتيال جنبلاط. لم يكن هناك مَن ينافسه في زعامة المسلمين في حينه ما زاد من نفور سلام منه.
ويبلغ الحقد والتشفّي حدّه الأقصى في حديثه عن عبدالله اليافي في سنوات شيخوخته إذ يقول عنه: «مسكين عبدالله اليافي. لقد أصبح فعلاً في حالة خرفٍ شديد، وصار كثيراً ما يضيِّع خلال الحديث، إضافة إلى أن أوضاعه باتت من السوء بحيث أنه نُسيَ شعبيّاً ولم يعد له أي وجود سياسي» (ص. 795، ج2). هذا الكلام عن رجلٍ كان في السادسة والسبعين من عمره. لا الموت ولا المرض يخفّفان من ضغائن صائب. وخلافاً للصورة الشائعة عن وحدة صف الجبهة اللبنانيّة، نقلَ له إبراهيم النجّار (عضو المكتب السياسي لحزب الكتائب) عن حالة الصراع: «الخلافات كثيرة ومتشعّبة وحادّة بين بشير الجميّل وكميل شمعون وسليمان فرنجيّة من جهة، وبقيّة أعضاء الجبهة اللبنانيّة من جهة أخرى، وكذلك فإن الخلافات داخل قيادات حزب الكتائب على أشدّها، ولولا بيار الجميّل لما تمكّن احد من ضبطها» (ص. 795، ج2). وصارحه أمين الجميّل في تضايقه من «جبهة الكفور» (وكان اسم جبهة الكفور هو تشنيعي من قبل معارضيها في المنطقة الغربيّة من بيروت واستعمل أمين المصطلح في لقائه مع سلام، ص. 803، ج2). وعن بشير الجميّل يقول أمين لصائب: «أخي بشير لا يفهم شيئاً ولا يطلع منه شيء». وأرفق الجميّل في زيارته المحامي عبد الحميد الأحدب، وكان من قلّة من المسلمين السائرين في خط «الكتائب» (وكان عبد الحميد الأحدب من ضمن العشرين أو الثلاثين مسلماً الذين وعدهم بشير الجميّل برئاسة الحكومة في عهده الذي لم يبدأ، ومنهم عثمان الدنا وسليمان العلي وعليا الصلح وأحمد الحاج وصائب سلام نفسه).
وساءت العلاقة بين صائب وبين قادة المقاومة. وكانت قيادة عرفات تنمّي علاقتها مع قادة اليمين المسيحي بعد أن شعرت بخطورة استمرار الحرب، فيما كانت تلجم جموح بعض قادة الحركة الوطنيّة الذين كانوا من أنصار المواجهة مع الميليشيات الانعزاليّة (كان اليسار الثوري والتنظيم الشعبي الناصري والذي أصبح أخيراً تحت قيادة أسامة سعد من ضمن «ثوّار التغيير» المتحالفين مع السعوديّة والإمارات) من ضمن الداعين للحسم العسكري ضد الانعزاليّين. ولم يكن عرفات ناجحاً في تحالفاته وعلاقاته لأنه لم يكن ذا مصداقيّة. كان محاوروه يترقّبون حضور أبو الوليد (سعد صايل، الذي اغتالته عناصر من حركة أمل في البقاع، حسب مقالة مفصّلة لصقر أبو فخر) لأن الأخير كان ذا مصداقيّة عالية مع أن عرفات لم يكن يسمح لمن حوله بأي سلطة قرار لا تمرّ عبره. وكان عرفات قادراً باستسهاله للخداع والأكاذيب أن يُقنع محاوريه ــ أنه بناء على مَن يجلس معه ــ يفضّل «التجمع الإسلامي» أو «جبهة المحافظة على الجنوب» أو الحركة الوطنيّة أو اليمين اللبناني على غيرهم في الساحة اللبنانيّة. ومريدو عرفات بين الكتّاب والصحافيّين اللبنانيّين بالغوا كثيراً في الحديث عن دهاء عرفات لأنهم تناسوا دور المال السياسي الذي كان غالباً في إدارة عرفات للساحة اللبنانيّة (كان هناك نوّاب وكتّاب وشخصيّات تقدميّة يتلقّون مرتّبات من عرفات).
(يتبع)
* كاتب عربي - حسابه على تويتر
asadabukhalil@