غزة تنزف. أطفال، نساء ورجال يقتلون، أما آلة القتل والدمار الإسرائيلية فلا تفرق بين أحد. وفيما يوسع الاحتلال اعتداءاته على أهالي القطاع تقوم المقاومة بالدفاع عن أهلها.منذ بدء عدوان «الجرف الصلب»، الذي بدأه الجيش الإسرائيلي في 8 تموز 2014، واصلت قواته عمليات قتلها للمدنيين وتدمير ممتلكاتهم، حيث شنت أكثر من 1500 غارة جوية، ما تسبب في سقوط عشرات الشهداء والجرحى معظمهم من النساء والأطفال.
وكعادتها لم تتورع «إسرائيل» يوماً عن انتهاك القوانين والأعراف الدولية المتعقلة بالحروب، بل وصل حقدها إلى قصف كل منزل لقتل شريحة واسعة من المدنيين، في شكل من أشكال إرهاب الدولة، مستخدمةً أسلحة محرمة دولياً.

اولاً: انتهاك القانون الدولي الإنساني

يتضح منذ بدء العدوان، أن «إسرائيل» تخرق القانون الدولي الإنساني. انطلق من اتفاقية جنيف الأولى عام 1864 الذي يستخدم خلال النزاعات المسلحة، ويُعرّف بأنه مجموعة القواعد التي تحمي في زمن الحرب الأشخاص الذين لا يشاركون في الأعمال الحربية والحد من استخدام العنف والذي قننته اتفاقيات جنيف الأربع الصادرة عام 1949.
وتكون حماية المدنيين من آلات الحرب العسكرية، عبر هذا الفرع من القانون الدولي العام، من خلال اتفاقيات ومعاهدات وبروتوكولات عدة تحدد قيود استخدام القوة العسكرية، وتشدد على ضرورة تحييد المدنيين وحمايتهم.
ومن أهم النصوص الدولية بالإضافة إلى اتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكولات الملحقة، ميثاق الأمم المتحدة، إعلان سان بطرسبرغ لعام 1868 لحظر القذائف المتفجرة، قانون الاحتلال الحربي (الذي يوجب على سلطات الاحتلال تحييد المدنيين وعدم التغيير في معالم الإقليم)، اتفاقية «لاهاي» لعام 1907 (التي تهدف الى وضع قيود على استخدام الأسلحة في النزاعات المسلحة)، بروتوكول جنيف بشأن حظر استعمال الغازات السامة لعام 1925، اتفاقية منع استخدام الاسلحة الكيماوية، اتفاقية أوسلو لمنع استخدام بعض الأسلحة، وغيرها من الاتفاقيات الدولية. (يمكن الرجوع ايضاً إلى بحث الدكتور خليل حسين حول محرقة غزة وانتهاكات اسرائيل للقانون الدولي الانساني02‏/ 01‏/ 2009).
ومن خلال المتابعة اليومية للجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي بحق أهالي قطاع غزة، وبالاستناد إلى ما تقدم من معاهدات واتفاقيات، يمكن القول إن ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي يشكّل انتهاكاً فاضحاً للقانون الدولي الإنساني وللعديد من القواعد والمبادئ الأساسية التي تحكم النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، كمبدأ الضرورة في اللجوء إلى استعمال القوة والحل العسكري، ومبدأ التقيّد بحدود دولية معينة لاستعمال وسائل القتال وموجب تحييد المدنيين.
ويخرق الاحتلال الإسرائيلي المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة التي تؤكد فض جميع المنازعات بالوسائل السلمية، وتحظر التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي.
كذلك يخرق الجيش الإسرائيلي المادة 12 من اتفاقية جنيف الأولى لتحسين حال الجرحى والمرضى في القوات المسلحة في الميدان المؤرخة في 12 آب/ أغسطس 1949، والتي جاء فيها أنه «يجب في جميع الأحوال احترام وحماية الجرحى والمرضى من أفراد القوات المسلحة وغيرهم من الأشخاص المشار إليهم في المادة 13». ويخرق المادة 3 من الاتفاقيات الأربع التي تقول إن «الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر، يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية...». وكذلك ما تنص عليه المادة 16 من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين في وقت الحرب.
وتؤكد بروتوكولات جنيف أنه لا يمكن في أي حال من الأحوال تعريض الأشخاص المدنيين وكل الذين كفوا عن المشاركة في القتال لخطر الهجمات بل يجب صيانتهم من أي خطر. ولكن للأسف فإن هذه المبادئ لا يعتدّ بها على أرض الواقع لأن الفلسطينيين ما فتئوا يعانون من النصيب الأكبر خلال كل عدوان صهيوني على غزة.

ثانياً: الاحتلال يرتكب جرائم حرب

لقد وصلت الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين، وإلحاق أكبر الخسائر بهم وبممتلكاتهم وتعمّد قصف المنازل السكنية والممتلكات العامة باستخدام مختلف الأسلحة الفتاكة خلال هذا العدوان إلى حد جرائم الحرب، وبالتالي لا بد من التحرك لدى المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة المسؤولين الإسرائيليين.
فجرائم الحرب هي خروقات خطيرة لاتفاقيات جنيف الموقعة عام 1949 وانتهاكات خطيرة أخرى لقوانين الحرب، متى ارتكبت على نطاق واسع في إطار نزاع مسلح دولي أو داخلي. وعرّف ميثاق محكمة نورمبرغ العسكرية الدولية لعام 1945 جرائم الحرب بأنها «انتهاكات قوانين الحرب وأعرافها، بما في ذلك قتل مدنيين في أرض محتلة أو إساءة معاملتهم أو إبعادهم، قتل أسرى حرب أو إساءة معاملتهم، قتل رهائن، سلب ملكية خاصة، والتدمير غير الضروري عسكرياً».

دفاع المقاومة الفلسطينية عن أهالي غزة يعتبر حقاً منسجماً مع مبدأ حق تقرير المصير

وقد عرّف بروتوكول روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، جرائم الحرب من خلال المادة الثامنة، بأنها الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف المؤرخة 12 آب/ أغسطس 1949 أي أنه فعل من الأفعال التالية ضد الأشخاص أو الممتلكات الذين تحميهم أحكام اتفاقية جنيف ذات الصلة مثل: القتل العمد والإبادة وإبعاد السكان أو النقل القسري للسكان والسجن والتعذيب والأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمداً في معاناة شديدة أو أي أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية، واضطهاد أية جماعة محددة أو مجموع محدد من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية أو متعلقة بنوع الجنس، وتدمير واغتصاب الممتلكات على نحو لا تبرره ضرورات حربية وعلى نطاق كبير بطريقة غير مشروعة وتعسفية، بالإضافة إلى غيرها من الانتهاكات التي تنص عليها هذه المادة. (للاطلاع أكثر يمكن الرجوع إلى نظام روما 1998).
وقد اشارت المادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة إلى أن المخالفات الجسيمة هي تلك التي تتضمن أحد الأفعال التي ذكرناها سالفاً إذا اقترفت ضد أشخاص محميين أو ممتلكات محمية.
وعلى ما تقدم، يجب على المجتمع الدولي وعلى الدول العربية بشكل خاص، التحرك العاجل لحماية أهالي غزة من العدوان الإسرائيلي، وتفعيل الملاحقة والمسائلة لمن أمر أو نفذ جرائم الحرب، حيث يمكن اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي لعرض هذه الجرائم وإحالة ملف الكيان الإسرائيلي إلى المحكمة الجنائية الدولية، أو اللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، عبر استخدام قرار الاتحاد من أجل السلام بحيث تصبح الجمعية العامة مؤهلة إلى البت بذلك، في حال استخدمت الولايات المتحدة حق النقض الفيتو، فخطف ثلاثة أشخاص من قبل مجوعة غير معروفة لا يجيز تحميل أهالي غزة والمقاومة تبعات ذلك.

ثالثاً: حق المقاومة الفلسطينية في الدفاع عن أهلها

إزاء الانتهاكات التي يرتكبها جيش الاحتلال ضد أهالي غزة وبعد توسيع عدوانه على القطاع، قامت المقاومة بالدفاع عن أهل القطاع عبر قصف الكيان الإسرائيلي، وذلك حق مؤكد للمقاومة يكفله القانون الدولي. فقد نوه بهذا الحق العديد من القرارات والاتفاقيات الدولية، حيث جاء في المادة الأولى من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، أن «لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها». وأصدرت الجمعية العامة القرار 1514 في 14/ 12/1960 الذي يعلن منح الاستقلال للبلاد والشعوب المستعمرة.
كذلك أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3101 الصادر في 2/12/1972 في الدورة الثامنة والعشرين، لتأكيد حق الشعوب الخاضعة له بالتحرر منه بالوسائل كافة، والقرار 3103 عام 1973، لتثبيت المبادئ الأساسية للوضع القانوني لمواجهة الاستعمار.
وأكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في العديد من قراراتها شرعية نضال الشعوب الرازحة تحت الاحتلال من أجل تقرير مصيرها، ودانت الحكومات التي لا تعترف بحق تقرير المصير.
وشددت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 61/295، المؤرخ في 13 أيلول/ سبتمبر 2007 (إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية) على أن للشعوب الأصلية الحق في تقرير المصير، وهناك كثير من القرارات والاعلانات التي تؤكد حق مقاومة المحتل والدفاع عن النفس.
وعليه، فإن دفاع المقاومة الفلسطينية عن أهالي غزة ضد العدوان الصهيوني يعتبر حقاً منسجماً مع مبدأ حق تقرير المصير، ولا يمكن لأحد نقض هذا الحق لأن لا سبيل للدفاع عن أهالي غزة اليوم إلا عبر المقاومة، أمام الصمت العربي والدولي الذي ليس باستطاعته منع «إسرائيل» من ارتكاب مجازر ضد الفلسطينيين. واليوم لا يمكن لأحد في المجتمع الدولي أن يقول إن «إسرائيل» تدافع عن نفسها والاستناد إلى ميثاق الأمم المتحدة في ذلك، لأن «إسرائيل» كيان احتلالي، احتل فلسطين غصباً عن أهلها.
* صحافي لبناني