بعد إعلان حركة حماس عودة علاقتها مع سوريا، توجّهت سهام الانتقاد إليها من العديد من الكتّاب، فكتب رضوان زيادة في «العربي الجديد»، تحت عنوان «تقارب حماس والنظام السوري... أسئلة لا تجد إجابة»، واصفاً «حماس» بـ«الخاسر الأكبر من هذه الخطوة الشديدة الغباء». أمّا الكاتب السوري حسين عبد العزيز، في مقال بالصحيفة نفسها، «حماس والنظام السوري، السياسة أم الأيديولوجيا؟»، فرأى أن عودة «حماس» هي نتيجة ضغوط إيرانية على المستوى المالي والعسكري، وأن «النظام السوري» سيستفيد من تلك العلاقة بعد فقدانه «الشرعية المحلية». أمّا الكاتب أسامة أبو راشد، في «العربي الجديد» أيضاً، في مقالة بعنوان «مرة أخرى... عن حماس ونظام الأسد»، وإن علّل أسباباً رآها موجبة للعودة إلى سوريا، إلا أن استئناف العلاقة لديه «تعكس خللاً في البوصلة وفي التقدير في آن، فضلاً عن تجاهل مشاعر الغالبية من الشعب الفلسطيني ومنهم أبناء الحركة».
الأستذة وغياب النقد البنّاء
من الواضح جداً أن بعض التحاليل السياسية والتقديرات، المعارضة لعودة العلاقة بين «حماس» وسوريا، تتغافل ولا تأخذ بالحسبان الضرورات والمصلحة العليا للشعب الفلسطيني والمقاومة في أن تكون العلاقة مع سوريا في أفضل حالاتها، وكأن هؤلاء يمارسون الأستذة ويعرفون أكثر من أهل مكة الذين هم أدرى بشعابها، ولو كان رأيهم بنّاءً لاستمهلوا قليلاً وانتظروا هل سترتدّ هذه العلاقة بالإيجاب أم بالسلب على «حماس»؟ فضلاً عن أن الدول التي ترتبط «حماس» بعلاقات معها، والتي خاضت صراعاً مع سوريا، بالمباشر أو بالدعم المالي، كقطر وتركيا، والتي دعمت المعارضة في الخارج واحتضنتها، رحّبت بالعودة، حسب ما أفادت وكالة «الأناضول» عن أحد مسؤولي «حماس»، لم يذكر اسمه، ولا أسماء هذه الدول، لكنها الدول المتوقّعة، وإلا فهل من المنطق أن يكون المقصود هو أن «حماس» ستطلع إيران على العودة إلى العلاقات مع سوريا؟ أمّا إذا كانت الدولة السورية ستستفيد أو لا من عودة هذه العلاقة على حساب من يعارضونها داخلياً، فهذا شأن سوري. أمّا خارجياً، فالأخبار تتوارد عن عودة محتملة للعلاقات التركية السورية، والإمارات عادت باكراً، وهذا بالنهاية بحث آخر، ليست المقاومة مسؤولة عنه، وهي التي تحتاج إلى كل ساحة عربية لإكمال مسيرة المقاومة.
أمّا ما تابعناه على وسائل التواصل الاجتماعي من هجوم لاذع من إسلاميين وأصحاب عمائم، فهم يعرفون أن هناك فرقاً بين من ينظِّر سياسياً، ومن يمارس السياسة، وبين هذا وذاك بون شاسع. من يظنّ أنه يستطيع الحفاظ على رأي واحد ويعتبره مبدئياً ويتحرّك ضمن قوالب نظرية، وبين من يمارس السياسة ليحقق ما يمكن تحقيقه وفق معادلات الزمان والمكان، وسنّة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وما استدلّ به فقهاء الإسلام حافل بالنماذج التي تتغيّر فيها المواقف الإسلامية بتغيّر الظروف.
بعض التحاليل تتغافل ولا تأخذ بالحسبان الضرورات والمصلحة العليا للشعب الفلسطيني والمقاومة


تاريخية العلاقة وما استجدّ في الأزمة
في أفضل الحالات، الذين أحسنوا الظن بعودة «حماس» إلى العلاقة مع سوريا، عزوا الأمر إلى ضرورات ومستجدات ملحة فرضت نفسها على الحركة: من موجة التطبيع الخليجي، وحصار المقاومة، إلى حاجة «حماس» إلى جغرافيا قادرة على التحرك فيها إعلامياً وعسكرياً، فضلاً عن طرح تساؤل حول إمكانية محتملة لعودة العلاقات التركية السورية.
وبالعودة إلى الوراء قبل الأزمة السورية، نلحظ المكانة التي كانت تتمتع بها «حماس» في سوريا، فيذكر عبد العزيز حنيني في كتابه «منهجية حركة حماس في العلاقات الخارجية، سوريا نموذجاً 2000-2015» (الصادر عن مركز دراسات الزيتونة التابع لحركة حماس)، ص 122، عن لسان قيادات من الحركة التقى بهم ولم يفصح عن أسمائهم: «كنّا نشعر بأننا في وطننا وبلدنا نفعل ما نريد دون معوقات»، «كنّا نشعر بأننا في دولة داخل دولة، كنا نسمع من بعض الأصدقاء السوريين في سوريا أن سوريا فيها رئيسان، بشار الأسد وخالد مشعل».

جهود مشعل المغيّبة في الأزمة السورية
خلال الأزمة السورية، وجّه الاتهام لـ«حماس» بأنها لم تتخذ موقفاً سريعاً وواضحاً، فيذكر الإعلامي سامي كليب في كتابه «الأسد بين الرحيل والتدمير الممنهج، الحرب السورية بالوثائق السرية» ص 253: «شعر الأسد بعد مرور الأشهر الأولى على أحداث درعا وما تلاها، بأن ثمة قراراً إقليمياً ودولياً بفتح أبواب تقاسم السلطة مع الإخوان المسلمين... وسرعان ما قرر الأسد أن حركة حماس التي كان يحتضنها... صارت موضع شكوك فعلية، وخصوصاً حين طلب من رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل أن يردّ على الاتهامات التي بدأ يسوقها يوسف القرضاوي ضد النظام... لكن مشعل ارتأى أن لا يردّ علانية ويذهب للقاء القرضاوي». بالتأكيد جهود مشعل لم تفلح، وإن كانت حققت نتائج في غزة بعدم إبداء أي رد فعل تجاه ما يجري في سوريا.
لكن في الكتاب نفسه، ص 258، يذكر أن هناك من أشار على مشعل (ولم يحدّد من) بأن يقوم «بزيارة بعض المناطق الملتهبة على غرار درعا أو حمص أو حماة، أو ريف دمشق حيث له ولحماس شعبية كبيرة ويمكنه المساهمة في التهدئة»، ويسكت الكاتب بعد ذلك إذا كان مشعل قام بالزيارة أو لا، والحقيقة أنه في الزيارة الأخيرة التي قام بها مشعل إلى بيروت، وقد أصبح رئيساً للحركة في الخارج، تناقل صحافيون فلسطينيون عنه في حديث عن سوريا أن زيارته عرقلت.
بمعنى أن «حماس» في تلك الفترة، وإن كانت لديها انتقاداتها، وبقيت في إطار النصائح داخلياً كما يذكر كليب في كتابه، كانت تعي مخاطر ما تتعرض له سوريا. يذكر المؤلف في كتابه جهود مشعل في قطر، وحتى الطلب من أميرها أن تخفف قناة «الجزيرة» من ضغوطها الإعلامية على سوريا، لكن ما الذي طرأ بعد ذلك؟

تغيّر موقف «حماس»
لم تتخذ «حماس» موقفاً مؤيداً للدولة السورية، وخرجت من سوريا مطلع عام 2012، وتفاقمت الأمور سوءاً بعد تصريح إسماعيل هنية في مصر خلال كلمة ألقاها في الجامع الأزهر في القاهرة: «إذ أحيّيكم وأحيّي كل شعوب الربيع العربي، بل الشتاء الإسلامي، فأنا أحيّي شعب سوريا البطل الذي يسعى نحو الحرية والديموقراطية والإصلاح» (الجزيرة نت، هنية يحيّي الشعب السوري، 25/2/2012».
كذلك عندما قام خالد مشعل بواقعته الشهيرة، برفع علم مثلث النجمات في مهرجان لـ«حماس»، في ذكرى انطلاقتها الخامسة والعشرين في غزة، كان هذا إيذاناً بتغيّر موقف «حماس» من سوريا لتأييد «الثورة» ضد الدولة السورية، لتتوالى بعد ذلك الأحداث ويتم توجيه الاتهام لأفراد من «حماس» بالمشاركة في المعارك في سوريا، وخيانة «حماس» لليد التي امتدت لها وحضنتها.
لقد ظنّت «حماس» أن ما سمّي بـ«الربيع العربي» سيكون ربيعاً إخوانياً بامتياز، ومن ضمنه سوريا، وأن حركة الشارع العربي والإسلامي المضادة لما يحصل في سوريا يجب أن تتماهى معه «حماس» وفق مبادئها الأخلاقية والإسلامية، وربما اعتبرت هذا صائباً ومفيداً، لكنها كانت قراءة خاطئة أثبتتها الأحداث لاحقاً، وهو فخ لم تقع فيه فصائل كـ«فتح» و«الجهاد الإسلامي»، وكلٌّ له منطقه، لكن بالمحصلة تم تجنيب اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، وحتى لبنان، أن يكونوا طرفاً في المواجهة.
وفي ما يتم تداوله من تقديم اعتذار من «حماس» إلى سوريا، وأن ذلك يشكّل عقبة أمام عودة العلاقات كاملة، فالأيام القادمة كفيلة بإيضاح إذا كانت هذه شكليات يتداولها بعض الحاقدين على «حماس»، أو ضرورات تفرضها الدولة السورية. وفي النهاية، نستطيع القول إنه لا يصح إلا الصحيح، بين الواقعية السياسية التي تتمثّل في الدول التي لم تتخلّ عن المقاومة كسوريا وإيران من خلفية عربية وقومية وإسلامية، وبين دول مطبّعة تتعامل مع المقاومة بلغة المصالح.

* إعلامي فلسطيني