كان بودّي أن أكون بينكم وبينكنّ لتكريم واحد من أهمّ وأنبل وأشجع وأفعل الأبطال في التاريخ اللبناني المعاصر. لكن تكريم البطل ممنوع من الدولة والكنيسة وحتى من العائلة والحزب. ما يمثّل نبيل العلم يتجاوز في أبعاده حدود الطوائف والعائلات والأقطار، وهذا ما يشكّل خطورته في حياة العلم وفي مماته. قد يكون العلم مع حبيب الشرتوني، الثنائي الذي يستحق وحده التكريم في عيد الاستقلال (المنقوص).
لو أن لبنان متحرّر فعلاً ومستقل فعلاً، لما كان هناك تماثيل لرجال الاستقلال الذين تنازعوا الولاء لهذا المُستعمر أو ذاك.
لو كان هناك استقلال حقيقي في لبنان، لكانت سيرة العلم والشرتوني في كل المناهج الدراسيّة، ولتخلّصت الأساطير الشعبيّة من حكاية قلعة راشيّا المزعومة. كان يمكن الناشئة أن تعرف أن الاستعمار البريطاني أصرّ على تقليص نفوذ الاستعمار الفرنسي، فيما رسم نبيل العلم حدود الوطن الكبير وآفاق استقلاله - للمرّة الأولى.
إن قيمة نبيل العلم تكمن في الإيذان ببدء مرحلة جديدة في تاريخ لبنان المعاصر: حدّد لنا العلم حجم أفعال المقاومة وفوائدها، وفعل ذلك بصمت مطبق. كيف يكون أن الفاعل لا صوت له، فيما يصدح في الساحة اللبنانيّة متخاذلون ومتعاملون ومُساومون ومقاولون وخانعون.

قيمة العلم تكمن
في الإيذان ببدء مرحلة جديدة في تاريخ لبنان

وقفة نبيل العلم هي العزّ الذي حثّ عليه أنطون سعادة. لعار لبنان الأبدي أن العلم مات في الغربة، فيما سيموت على ترابه أمثال سعيد عقل وحنا عتيق وأمين الجميّل وعملاء العدوّ الإسرائيلي المسرّحون والمحميّون والمختفون.
يحمل كلّ منا جميلاً نحو العلم. هو الذي حرّرنا من أخطر مشروع كان يُعدّ في لبنان. إن تقدير ما فعله نبيل العلم للبنان وفلسطين، أو للتعريف الرحب الأوسع للوطن، سيتعاظم على مرّ الأجيال. سيأتي يوم يباهي فيه اللبنانيّون بنبيل العلم وسيُقال: هذا بطل حقيقي من لبنان، وهذا ليس من الأبطال الكرتونيّين الذين يفرضهم المُستعمر في كل زمن وبلد.
سيُشار إلى مسقط رأس العلم ويُقال: هذه التربة أنجبت هذا العظيم، الذي لم يحظ بالتقدير إلا بعد جيل. سيدرك اللبنانيّون واللبنانيّات ذات يوم أن معيار التحرر والاستقلال الفعلي يتحدّد بمدى التكريم الذي سيلقاه العلم والشرتوني.
سيعود العلم إلى لبنان وسيُقام له أكبر تكريم. لن يعود نبيل العلم إلى الوطن الذي لم يغادره قط، بل سيعود الوطن إلى نبيل العلم تدشيناً لاستقلال فعلي.
* كاتب عربي