[مقاطع من مذكّرات]استُدعيت قيادة إقليم لبنان في حركة فتح إلى اجتماع عاجل، حضره أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح: أبو جهاد خليل الوزير، أبو أياد صلاح خلف، سليم الزعنون وياسر عرفات، وذلك في منطقة الفاكهاني، كلية الهندسة للجامعة العربية. استعرض أبو عمار الأوضاع السياسية في فلسطين وحولها، من الوضعين العربي والدولي، وذهب إلى ما يلي:
1- إن الغطاء الدولي حول منظمة التحرير الفلسطينية لم يعد كافياً لمنع نشوب حرب في المنطقة.
2- إن العدو الصهيوني يتحضّر لهذه الحرب، وإنها لن تكون اجتياحاً محدوداً كسابقاتها، بل ستتحوّل إلى حرب واسعة تصل إلى تخوم العاصمة بيروت، مستهدفة ضرب منظمة التحرير الفلسطينية، وإلغاء وجودها السياسي والعسكري في لبنان.
3- إن ياسر عرفات سيقوم بجولة عربية ودولية في محاولة شبه مستحيلة لمنع نشوب هذه الحرب.
وطلب من القيادة في إقليم لبنان وقوات العاصفة الاستعداد لمواجهة حرب حقيقية في أهدافها الاستراتيجية وأساليبها التكتيكية. كان لوحدتنا في منطقة البقاع قوات منتشرة في البقاع الغربي من القرعون إلى لبايا، ومنطقة مشغرة وعين التينة المحيطة ببحيرة القرعون وسدّ الليطاني، إلى جانب القوات المنتشرة للجرمق والكتيبة الطالبيّة في الجنوب اللبناني بما فيها موقع قلعة الشقيف الشهير والذائع الصيت بالمقاومة الباسلة.
كان راجي النجمي قد اتصل قبل عشرة أيام من الاجتماع، وأخبرني بسرور واضح أن لدينا دعوة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية لزيارة طهران والمشاركة في مؤتمر منتصف شعبان، وأنني سأكون في وفد حركة فتح إلى هذا المؤتمر. وعليه، فقد رتّبت أوراقي وجواز سفري وحصلت على التأشيرة واستعددْتُ للسفر، وكانت تلك زيارتي الأولى لإيران وما أدراك ما أحمل من شوق لهذه الزيارة.
أبلغني راجي بأننا تلقّينا الدعوة من الأخ الحاج عماد مغنيّة وأنهما اتفقا أن أكون في الوفد الزائر، وأن ثمّة أهمية صريحة في حضوري هذا المؤتمر. سُررت جداً أن صاحب الدعوة الحاج عماد، وعرفت أنه أشرفَ بنفسه على كل الإجراءات اللوجستية، والتقيته عند راجي لتسليم الأوراق وجوازات السفر واتفقنا أن نلتقي في طهران.
شكّلت قيادة أثناء غيابي من الإخوة المرحوم الشهيد حمزة الحسيني، المرحوم محمد علي المسمار، المرحوم أحمد المسمار، المرحوم محمد أمهز والمرحوم سامي زين الدين، والمرحوم علي علاو، ومن إخوة آخرين، منهم ن.ح، ن.ع، ج.ح، م.ع، س.م، ع.ح، ع.ع،... للإشراف على قواتنا المنتشرة في البقاع الغربي، واتفقنا أن نتصرف وفق ما تمليه ظروف المعركة ونستعد لها، مع تقديرنا لجهود أبو عمار في منع نشوب الحرب، وخاصة أن الأوضاع في جبهة الجنوب حينها كانت هادئة نسبياً، وأن ياسر عرفات لو كان على يقين بنشوب الحرب لما كان ليترك بيروت. وقلت إذا نشبت الحرب سأعود على الفور إلى لبنان، ولعلّ وجودنا في طهران يكون مساعداً لنا في جوانب معينة على مواجهتها، وعليه، فيما يشبه تبرير السفر؛ إننا نسافر إلى طهران كما يسافر أبو عمار في جولته العربية والدولية وبعدها نعود ولكل حادثٍ حديث.
نزلت قبل موعد السفر المقرّر من مطار دمشق إلى بيروت ومعي زوجتي وولدي إلى سوق الحمراء لشراء ألبسة للأولاد. ونحن نتسوّق، سمعنا أصوات القصف على منطقة الجامعة العربيّة، وتحديداً على مواقع المدينة الرياضيّة، وكذلك شاهدنا تحليق طائرات العدو في سماء العاصمة بيروت ومجابهتها من قبل المضادات الأرضيّة للمقاومة. انتهى القصف على المدينة الرياضية وهدأت أجواء المعركة، وعليه، حسبنا أن ما تم الحديث عنه بنشوب الحرب لا يتعدى العدوان بالقصف على المدينة الرياضية، ولذلك غادرنا بيروت إلى سعدنايل، وذهبت عائلتي مع أخي نظام إلى الهرمل، فيما تابعت طريقي إلى دمشق مع أعضاء آخرين من وفد «فتح»، بينهم الأَخوان منير شفيق ورضوان الشحيمي وآخرون.
عندما حطت بنا الطائرة في مطار طهران، كانت قد سبقتنا أنباء نشوب الحرب وبداية الغزو البري لجنوب لبنان. إذاً هذه هي الحرب حقاً. لم تُعِر إسرائيل الاهتمام للهدوء النسبي على الجبهة واستغلت حادثة محاولة اغتيال ديبلوماسي صهيوني في لندن للقيام باجتياح لبنان عام 1982. إنها الحرب. كانت إيران قبلها قد حررت خورمشهر ولم تبق قطعة أرض إيرانية تحت الاحتلال الصدامي. كانت معارك الجبهة الإيرانية العراقية تجعلني أشعر بألم في المعدة، منتظراً فوز القوات الإيرانية، كنت أحلم أن أراها تحرر النجف وكربلاء. كان المذياع وسيلة الاستماع المثلى. وعليه، فقد صار لصيقاً بي. ولكن هذه المرة أجرّب الحرب وأنا مسؤول فيها عن وحدة عسكرية ربما تشارك الآن، وفي هذه اللحظات، باشتباك مع قوات العدو. كنتُ أتابع أخبار جبهة الجنوب أيضاً، ومعها تحرك القوات في ميدان المعارك في البقاع الغربي.
تحوّل المؤتمر في طهران إلى غرفة عمليات عسكرية وسياسية وإعلامية حقيقية عن الحرب في لبنان، وكنا ننتظر بشوق لقاءنا مع الإمام الخميني (قُدس سرّه) صبيحة يوم الأربعاء في منزله. كان شوقاً يعصف بالجميع ولا يحدّ.
أذكر أنه كان في المؤتمر الشهيد الشيخ راغب حرب، كنت أنظر إليه باحترام كبير وكنت ألحظ كفيه اللذين يشبهان إلى حد بعيد أكف المزارعين في جبل عامل. الشيخ عاملي الهوى والهيئة وبعدها كنت دائماً أنظر في الخيال إلى هذا الكف الذي رفض أن يصافح العدو، وأطلق عبارته المقاومة الشهيرة: المصافحة اعتراف، إنه كفّ العباس يا شيخ راغب.
كان السيد محمد حسين فضل الله يحضر المؤتمر، وكذلك الأمين العام لحزب الله الأسبق صبحي الطفيلي. كنت أجلس إلى جانبه ولم يكن بيننا كيمياء جاذبة ولا أعرف لماذا لم أحدث شيخاً مسؤولاً، كنا نجلس في مقعدين متقاربين عن أمرٍ مهم مع أنني كنت، على ما شرحت في روايتي «مشهد البحر»، كثير النشاط في المؤتمر الذي تحوّل المصلى فيه إلى قاعة للاجتماع وتبادل الآراء حول الحرب في لبنان.
لا أعرف إن كان الشهيد عماد مغنية قد حضر ذلك المؤتمر، لأنني لا أذكر أنني التقيت به هناك هذه المرة. وعليه، الأمر عندي غير واضح. كان السيد محمد حسن الأمين والشيخ إبراهيم غنيم وعلماء من فلسطين، وكنا ووفد «فتح» بتنسيق مع الأخ أبو فادي منير شفيق. الآن يحدثني كثير من الإخوة المؤسسين في حزب الله أنهم كانوا حاضرين في ذلك المؤتمر، وما كنت أعرفهم، وذلك يعني أنني كنت أتصرف في المؤتمر بشكل كامل كعضو في وفد «فتح». التقيت في المؤتمر ثلاث مرات باللواء علي شمخاني، وكان من قادة الحرس الثوري، لفتني فيه لغته العربية بلكنة أهل الأهواز، وافتتاح خطبه بعد البسملة والصلاة على محمد وآل محمد، بزيارة الإمام الحسين (ع)، قائلاً السلام عليك يا أبا عبدالله، كان ذلك يجذب النظر، ويرسل الدموع سخيّة من العينين. كانت اللقاءات مع شمخاني لترتيب مسألة مقاومة العدو في لبنان، لأن توجيهات الإمام هي المقاومة في لبنان، وكنت في لحظات ما أرغب أن أكون في هذا الموقع. ولكنّ ظروفاً عدة حالت دون ذلك، من أهمّها مسيرة الحرب في لبنان نفسها وما كان علينا من واجبات لتنظيم قواتنا لمحاربة العدو، وكذلك استقبال وتوزيع قوات التعبئة الفلسطينية العامة الآتية من جميع أنحاء العالم.
أعتقد أن حزب الله إنما تأسّس في ذلك المؤتمر، وأنني أهدرت فرصة لا تُعوّض، لكن ما سوف يحصل معنا من أحداث وواقع يبرر هذا الأمر، وربما لو كان الوقت كافياً لحصل الذي فيه الاختيار. كان الاجتماع مع اللواء علي شمخاني ناجحاً في تحديد التعاون من وجوهه كافة، لكن غادرت طهران قبل أن نضع لذلك برنامجاً عملياً.
ما حصل هو تحقيق وقف إطلاق النار بين سوريا والعدو الصهيوني بعد حرب البقاع الجوية الأكثر عنفاً في الصراع العربي الصهيوني. فُتح مطار دمشق وعدنا إلى البقاع عن طريق دمشق. كان في صحبتي سماحة الشيخ علي طه، كنت أستعجل العودة إلى لبنان، لأنها الحرب ونحن نحتاج أن نكون في لبنان لا في طهران، ولكن لم أنتبه إلى أهمية الاستفادة من الحضور في طهران لتنظيم شؤون المقاومة في لبنان. دعني أقلْ كان لي شرف حضور الاجتماعات الأولى التي أنشأها حزب الله، وكان عليّ أن أنتظر سنوات طويلة ليكون لي شرف الانضمام إلى هذا الحزب المقاوم.
أبلغني راجي بأننا تلقّينا الدعوة من الأخ الحاج عماد مغنيّة وأنهما اتفقا أن أكون في الوفد الزائر


كان قد حصل وقف إطلاق النار بين سوريا والعدو الصهيوني بعد واحدة من أكبر المعارك الجوية في سهل البقاع الغربي، على المثلث الواصل بين الجنوب والجولان والجليل، والذي يمثل خاصرة دمشق اللبنانية، وقد استطاعت القوات العربية السورية إيقاف تقدم قوات العدو الصهيوني في معركة المدرعات المشهورة في السلطان يعقوب. كما توقف تقدمها عند مدينة صوفر. وعليه، فقد استطعنا العودة من طهران إلى لبنان عن طريق مطار دمشق. وكان من المقرر، لو استمرت الحرب، أن نعود عن طريق إسطنبول. أمضينا ليلة في دمشق، وقمت بزيارة مقام السيدة زينب عليها السلام مع الأخ العزيز سماحة الشيخ علي طه، وبعدها اتصلت بالأخ الشهيد حمزة الحسيني، الذي كان يتابع التواصل مع الحركة الإسلامية في بعلبك، وكان لنا مركز في منطقة الكيال، حي آل كركبا، وعليه فقد قمنا بزيارة المركز ومنزل المختار صبحي كركبا رحمه الله وكانت المفاجأة الكبرى هي التالية: لقد التقينا في منزل المختار صبحي كركبا بكل من الحاج إسماعيل قائد القوات العسكرية في الجنوب والأستاذ مصطفى معروف سعد، وعرفنا أنهما مع رفاقهم قد تعرّضوا على ما ذكرا للحصار واضطروا للانسحاب من الجنوب إلى البقاع، وأدركنا عندها أن غالبية القوات قد انسحبت إلى منطقة البقاع وانتشرت في المنطقة الممتدّة من صوفر في جبل المكمل إلى سهل البقاع والمناطق الجبلية المحيطة بطريق دمشق – بيروت، طريق المصنع، وعرفت من الإخوة في وحدة البقاع أنهم كانوا آخر المنسحبين من البقاع الغربي بعدما انسحبت قوات الكرامة بقيادة اللواء أبو هاجم إلى منطقة سعدنايل البقاع.
كانت القيادة الفلسطينية قد أعلنت الاستنفار والتعبئة العامة، وتعرفت إلى الشهيد الأخ حليم، وهو ابن عائلة فلسطينية ثرية تسكن في الكويت، شاب شجاع حكيم ووسيم، ووقع الاختيار علينا، حليم وأنا، في استقبال وإعادة تموضع القوات من الطلبة الفلسطينيين في الخارج الذين التحقوا بالقوات في لبنان وفق قرار التعبئة العامة. هذا الأمر مهم للغاية، لأنه من الأسباب التي منعت استكمال ما كنت قد تحدثت بشأنه مع الجنرال علي شمخاني، لقد وجدت نفسي أمام مسؤولية إعادة تنظيم قوات في حالة حرب، وأنه لا يمكن التخلي عن هذه المهمة حتى تنتهي الحرب نفسها. ذلك واحدٌ من الأسباب الأساسية التي جعلتني أتابع العمل داخل «فتح»، لاعتبارات تتعلق بالقيام بالواجب أثناء الحرب. وكنت متفقاً مع الإخوة بأن هذا الواجب مرتبط بمدّة الحرب، وأنه سوف نعود للعمل مع الإخوة في الحركة الإسلامية وحركة المقاومة التي التقينا بقادتها في طهران. في الواقع، استمر إخوة آخرون بالتواصل مع الهيئات التي كانت تتشكل لبناء إطار تنظيمي معيّن للمقاومة الإسلامية، ومنهم الإخوة، ر.ش، ح.ح، م.لا، وآخرون، ولكن كانت هذه الاتصالات تتم مع تواصل متين بالتيارات الإسلامية الفلسطينية التي أنشأت في ما بعد كلاً من حركة الجهاد الإسلامي وحركة حماس.
استشهد الأخ حليم على طريق بيروت ــ دمشق في كمين محكم أُعدّ له من قوات حليفة نتيجة للصراعات الداخلية التي نشبت في البقاع وبعدها في الشمال، بعد خروج القوات من بيروت. واستشهد الأخ حمزة الحسيني في معركة الجبل مع وحدة عسكرية من منطقة البقاع في معركة الجبل، كان يعمل على شق الطريق من حي السلم، وذلك بالقرب من منزل المفتي حسن خالد في عرمون، واستشهد معه كل من الملازم علي صبحي كركبا وعلي حسن وجُرح أكثر من عشرة من الإخوة بقذيفة جاءت من البحر. أثّر استشهاد حمزة الحسيني على مسألة التواصل مع الحركة الإسلامية في بعلبك، وترك وصية مفادها إكمال المقاومة وتنظيم تموضع قوات العاصفة التي انسحبت من بيروت، وهذا الأمر تم إنجازه بتكتيك عسكري مميز، حتى وصلت هذه القوات مع عديدها وعتادها إلى مدينة طرابلس في الشمال، ومن هناك تابعت مرة ثانية من لبنان عن طريق البحر بعد خروجها الأول من بيروت.
في الطريق بين الهرمل وطرابلس حدثني أبو عمار قال: هل تريد تزفيت هذه الطريق الجبلية الاستراتيجية؟ قلت: بكل سرور وترحاب. قال: يوجد رجل سعودي من أصل لبناني اسمه رفيق الحريري يريد أن يعمل في التنمية والإعمار، عندما أعود إلى دمشق أرتّب لك موعداً معه وتتفقان على الأمر. عاد أبو عمار إلى دمشق وغادرها ولم ألتقِ بالشهيد رفيق الحريري ولم أتعرّف إليه، وتلك من صدف مرحلة الحرب.
أمر آخر أثّر على التحاقنا بحركة التدريب والإعداد التي باشرها الحرس الثوري في منطقة البقاع، وهو أن حركة فتح شكّلت في البقاع قيادة مؤقتة، كان من أعضائها أبو ماهر غنيم عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وقدري عضو اللجنة المركزية، وأيضاً كانا يقيمان في دمشق، وكذلك انضم إليهما الأخ فؤاد الشوبكي مسؤول المالية المركزية والحاج إسماعيل واللواء أبو هاجم وأعضاء قيادة البقاع ونحن منها، وكانت مسؤولة عن قوات الميليشيا إلى جانب المساعدة في تمركز القوات واستقبال المتطوعين من الطلبة وفق قانون التعبئة العامة. كان قدري، المعروف بقربه من عضو اللجنة المركزية أبو صالح ومن تيار أبو موسى، يتحدث عن ضرورة تشكيل قيادة بديلة لحركة فتح ترث ياسر عرفات الذي لن يترك بيروت وسوف يستشهد في العاصمة اللبنانية وأن مرحلة قيادة عرفات أصبحت من الماضي نتيجة تطورات الحرب. كان جوابنا أنه لا يمكن أن نرث جلد الدب قبل قتله، وأن هذه مؤامرة داخلية خطيرة تحصل في زمن الحرب وأن عرفات سوف يقاوم في بيروت وقيادة «فتح» ستجد طريقة للخروج من حصار العاصمة اللبنانية. لقد أفلحنا في إفشال خطة فورية للانشقاق قبل أن يحصل بعد خروج القوات الفلسطينية من بيروت وقيام ما يُعرف بفتح الانتفاضة وهذا حديث آخر له ذكرياته الأليمة.
كنت قد اتفقت والشهيد حمزة الحسيني أن نكمل دراستنا في باريس أو في قم، واتفقنا أن لا ندخل في الصراع الفلسطيني الداخلي، وأن تكون فلسطين هي القضية المركزية وأن تحرير الجنوب اللبناني والبقاع الغربي يتحقق بالمقاومة. استشهد حمزة ورفاقه في معركة الجبل على مشارف مدينة بيروت، في قذيفة جاءت من سفينة حربيّة في البحر الأبيض المتوسط. أكملت الطريق، ودخلت السجن، وحصل إبعادي من لبنان إلى فرنسا، والتحق الإخوة في البقاع بقوات حزب الله بإشراف الحرس الثوري، وبقيّة القصة تُروى في المذكرات الخاصة.
كان مؤتمر طهران منقسماً إلى تيارين:
1- تيار التوجه إلى فلسطين لتحريرها ومقاومة الغزو والاحتلال.
2- تيار التوجه إلى أفغانستان بدعم من الأفغان الطاجيك خاصة وبعض الهزارة.
ولكن قرار الإمام الخميني صدر بالتوجه إلى فلسطين ولبنان وتشكلت وحدة القدس وأرسل الحرس الثوري إلى بلاد الشام، وبدأت المقاومة الجديدة بقيادة حزب الله.
وعليه، ما يهمّ القول في هذا المحل هو الآتي:
1- إن منتدى فندق استقلال في طهران، شهد بداية القرار في انتشار مقاومة إسلامية لمواجهة الغزو الصهيوني للبنان والدفاع عن لبنان وعن فلسطين.
2- إن كل المشاركين في ذلك المؤتمر كان لهم نصيب من البحث والتداول في أمر إنشاء المقاومة، وخاصة أن ذلك المؤتمر انقسم إلى اتجاهين:
- اتجاه العمل في لبنان وفلسطين.
- اتجاه العمل في أفغانستان والمنطقة المحيطة بها.
وكان قرار الإمام الخميني هو الذهاب إلى فلسطين ولبنان، ولذلك فقد اتخذ قرار متابعة الحرب مع صدام حسين تحت عنوان معاقبة المعتدي لفتح الطريق إلى القدس.
تستحق هذه المسألة دراسة متأنّية ربما تحصل تفصيلاً في المذكّرات الخاصة. ويمكننا القول بأن القوة التي كنا نمثلها في حركة فتح هي من القوى المؤسّسة لحزب الله، إلى جانب كل من حركة أمل، وحزب الدعوة، والحركات الإسلامية الأخرى، وهي قوة مؤسسة لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية، وهذه مسألة يمكن للإخوة الفلسطينيين دراسة تفاصيلها.
كل ما أفعله هنا أنني أروي مذكّرات واقعية. تدحرج الوقت لتجعل من كل هذه القوة التي كنا فيها تدخل في حزب الله، كما في حركات جهادية فلسطينية، وفق خيارات الأفراد، ومواقفهم الدينية المتعددة. إن هذا شرف عظيم، أحداثه موثّقة في رواية «مشهد البحر»، وفي مذكّرات أخرى، كتبها كثيرون، ولعلّ الذكرى الأربعين المباركة لتأسيس حزب الله، والمقاومة الإسلامية، هي المناسبة المثلى لرواية هذه المذكّرات، والله من وراء القصد.

* كاتب ووزير سابق