كثيرة هي الاتهامات التي طاولت وتطاول حركات مقاومة إسرائيل، منذ انطلاق أولاها. من الاتهامات ما انطفأ نجمه ومنها ما أعيد علكه ويُستخدم اليوم ضدّ المقاومة الحاليّة. ومع دنوّ موعد الانتخابات المقبلة وازدياد حدّة التصريحات والتصريحات المضادّة وضجيجها، يزيد علك الاتهامات المذكورة، تحديداً من أجل التحريض على حزب الله من دون غيره، ومن مرشّحين لطالما ادّعوا «الاستقلاليّة». لكن لسنا هنا لانتقاد فلان ولا لتأييد علتان، إذ إنّ تركيزنا هو على اتهام لطالما سيق ضدّ حركات المقاومة، ولا علاقة له بحزب الله فحسب أو بأدائه أو بهلوَسات كـ«الاحتلال الإيراني». والعجيب أنّه غالباً ما يغضّ المدافعون عن المقاومة النظر عن هذا الاتهام، سهواً على الأرجح.قبل أيّام، تربّعت إحدى المرشّحات على عرشٍ مدفوعٍ مسبقاً في أحد الاستديوهات، بالدولار الـ«فريش» كما تخبرنا العصفورة، وذكّرتنا بلازمة «قرار الحرب والسلم». قرار الحرب والسلم ليس بيَد الدولة. هذه مسلّمة، ولنا عودة إلى أسبابها بدل الهوَس بالنتيجة. لكن متى شنّت المقاومة، أي مقاومة، حرباً، أي حرب، ضدّ أي كان؟ أساساً كلمة «مقاومة» لا يُمكن أن تكون هجوميّة بأي شكل من الأشكال. عندما نقول «مقاومة»، فهي تعني أنّنا نقاوم شيئاً، ندافع عن بلدنا بوجهه. والشيء في حالتنا هو ذاك الكيان المصطنع؛ هو الذي لا يشبهنا بشيء، لا من قرّر مقاومته. قرار الحرب بيَد هذا الكيان الهجين الذي يحلم بحروب توسّعية منذ نشأته «من الفرات إلى النيل». قرار الحرب بيَد هذا الكيان المجرم الذي قتل ودمّر وهجّر، من الفلسطينيين كما من اللبنانيين والسوريين والأردنيين والمصريين وغيرهم.
قرار الحرب بيَد هذا الكيان الوقح الذي اعتدى على طائرة ركّاب لبنانية عام 1950، وعلى الأراضي اللبنانية في 1948 و1958 و1968 و1972 و1978 و1981 و1982 وسنوات عديدة أخرى في ما بينها، كلّها قبل وجود شيء اسمه «مقاومة». قرار الحرب بيَد هذا الكيان الأحمق الذي ارتكب مجازر: مسجد صلحا 1948، وحولا 1949 و1967، وحانين 1967، ويارين 1974، وعيترون 1975، وبنت جبيل 1976، والأوزاعي وراشيا وكونين وعدلون والعباسية 1978، وسحمر 1984، وبئر العبد وإقليم التفاح 1985، وجباع ودير الزهراني 1994، والنبطية الفوقا والمنصوري وقانا 1996، وقانا 2006. قرار الحرب بيَد كيان الدمار الذي سلّح ودعم وساند ميليشيات لبنانيّة أشعلت حرباً صغيرة عام 1958 ثمّ أخرى شاملة عام 1975، وارتكبت مجازر من مثل السبت الأسود 1975 والكرنتينا وتلّ الزعتر 1976 والخيام 1978 وصبرا وشاتيلا 1982 وغيرها الكثير. قرار الحرب بيَد الكيان الغاشم الذي يُمكن نسب جرائم منظمات لبنانية وفلسطينية إليه، إذ إنّها وُجدت عندنا بسببه وبسبب تعامل بعضها مع أربابه ووكلائه. قرار الحرب بيَد هذا الكيان الغاصب الذي احتلّ جزءاً من لبنان لأكثر من عقدَين من الزمن، ولا يزال يحتلّ بلدات وقرى ومزارع وأرضٍ لبنانية، وشكّل جيشاً عميلاً، وأقام معتقلات عذاب أشهرها أنصار والخيام. قرار الحرب بيَد الكيان العدوانيّ الذي تسبّب بعدوان 1996 باعتراف مسؤوليه، وحرب 2006 باعتراف عرّابه الأميركي الذي يملك هو الآخر قرار حرب بدوره، أكان بحروبه المباشرة أو عبر المنظّمات الإرهابية التي اعتدت على لبنان كذلك. قرار الحرب بيَد هذا الكيان الفجّ الذي يخترق أجواء لبنان أسبوعيّاً ومعها جدار الصوت، والذي اعتدى ولا يزال على موارد لبنان من مياه وتربة وغيرها، وعينه على الغاز في البحر. قرار الحرب بيَد هذا الكيان السرطانيّ الذي تغلغل في الجسد اللبنانيّ وأقام شبكات تجسّس!
عندما تمنعه من الغزو مجدداً في 2006، ثمّ بعدها، هذا سلم


أمّا قرار السلْم فبيَد المقاومة. نعم، المقاومة. عندما تجبر العدوّ على الانسحاب بالقوّة، هذا سلم. عندما تمنعه من الغزو مجدداً في 2006، ثمّ بعدها، هذا سلم. عندما تردعه عن القيام بأيّ حماقات من مثل الذي عددناها آنفاً، هذا سلم. عندما يتكلّم العدوّ على لسان إعلامه كما صانعي قراره عن الردع المتبادل وتوازن الرعب والحرب النفسية، هذا سلم. وعندما يحاول العدوّ جرّ المقاومة إلى الفتنة عبر عملاء في الداخل، وتختار المقاومة التهدئة، هذا سلم. عندما لم يشهد لبنان أيّ مجزرة من العدوّ كالتي كان يشهدها في «الزمن الجميل»، صدّقوا أو لا تصدّقوا، هذا سلم. إذاً نستنتج أنّ قرار الحرب بيَد العدوّ السيّئ الذكر، وقرار السلم بيَد المقاومة.
حسناً، لماذا قرار السلم لا يكون بيَد الدولة؟ لا مانع من ذلك. لا مانع سوى الفيتو الأميركيّ المشؤوم. لا داعي لإعادة شرح أي نوعيّة «مساعدات» يرسلها الأميركان للجيش الوطني، ولا لإعادة التذكير بما حصل مع عروض روسية وفرنسية وغيرها. ولكن لا بدّ من التذكير بأنّ الهدف المرسوم أميركيّاً للجيش اللبناني هو مواجهة المقاومة، أي الحرب الأهلية، ولا شيء غير ذلك. الجيش الوطني مسلوب من قراره بالسلم بقوّة قاهرٍ يرعى مقرّر الحرب. وأنت يا من تترشّح بدولارات هذا القاهر، افعل ما تشاء، لكن اعلم أنّ كلّ أطروحاتك عن «السيادة» و«الدولة» بالية لن يصدّقها إلّا بعض «المغفّلين المفيدين». «قرار الحرب والسلم» ليس بيَد الدولة؛ فتّش عن الإمبراطوريّة.
* باحث لبناني