‏نشرت «الأخبار» مقالاً بعنوان: «ما لشربل نحّاس وما عليه»، للكاتب مهدي عسّاف. يقول الكاتب: «بعيداً عن الشاعرية، ثمّة إمكانيّة حقيقيّة لتحقيق آمال «مواطنون ومواطنات في دولة» من دون تمرير الخطاب إلى الفئات الشعبيّة؛ لأنّ التّحوّل الديموقراطيّ لا يحتاج إلى حشد جماهيري، وإنّما إلى نخب فقط. وهذه مراوغة سياسيّة حسّاسة يمارسها نحّاس حتّى الآن بمهارة فائقة».قد يتساءل العديد منا عن ماهية هذا الخطاب السياسي الذي يطرح خلف أبواب النخب المغلقة، ولا يصلح لمشاركته مع «عامة الشعب»؟ إمّا لقصر فهمهم للخطاب الثوري التغييري الأغر، وإمّا بسبب استلاب إرادتهم نتيجة كي الوعي الذي يمارسه أباطرة النظام - «الزعماء الستة» كما سمّاهم الأستاذ نحّاس! ‏كيف يعقل لحزب سياسي عابر للمناطق ويضع التغيير نصب عينيه، أن يعتقد بأن مشروعية برامجه السياسية والاقتصادية والاجتماعية مستمدة من نخب يراها من بطانته، مسلوخة عن الجماهير الشعبية الكادحة؟ هل هذا مختبر مدرسة «آي سي»؟
كما ويتساءل العديد منا عن خريطة الطريق التي اعتمدتها حركة «مواطنون ومواطنات» في انتقال سلمي للسلطة؟ وكيف بالإمكان لـ«ممفد» أن تقود عملية هذا التحوّل الديموقراطيّ عبر النخب فقط؟ وذلك بعد أن ارتأت أن خطتها الأولى قد باءت بالفشل (إذ رفض أركان السلطة التسليم السلمي لمقاليد الحكم لفترة انتقالية) مما حتّم عليها دخول المعترك الانتخابي للمرة الثانية، والاحتكام إلى صندوق الاقتراع في ما نسميه عملية ديموقراطية تمر عبر الجماهير لا النخب حصراً.
يضيف الكاتب قائلاً: «وعلى الرّغم من امتلاك نحّاس تصوّراً جامعاً في ما يخصّ مقاومة لبنان للكيان الصهيونيّ، حيث يمكن تحقيق إجماع وطني حوله، إلّا أن ترشيح من لم يمتلك موقفاً حاسماً من الكيان الصهيوني، دينيّاً كان أو علمانيّاً، على الأقل لحظة واحدة في حياته، يعدّ جرماً بحقّ مخاوف شريحة كبيرة من الناس وتوجّساتهم».
أمّا في ما يخص الإجماع الوطني حول المقاومة، فيهمّنا أن نؤكّد أن مسمّى «إجماع وطنيّ حول المقاومة» هو شيء بعيد عن الواقع، وباعتراف سيّد المقاومة حسن نصر الله الذي قال في أكثر من مناسبة أنْ لا إجماع وطنيّاً حول المقاومة. وما يقوله الأستاذ نحّاس على الملأ، وبين نخبه، هو أن ممارسة المقاومة الحقيقية تأتي بعد استكمال بناء الدولة المدنيّة، ويضيف (بتبنيّه للمدرسة الفيبريّة - ماكس فيبر) بأن المقاومة لا تصلح أن تكون من فئة أيديولوجية ومكوّن واحد من مكوّنات المجتمع، بل يجب حصر الفعل المقاوم وسلاحه بيد دولة مدنية قادرة، تحتكر وحدها قرار السلم والحرب والمواجهة.
ويضيف نحّاس، في مقابلة مع جاد غصن (تموز 2020)، عندما سئل من جاد عن ورقات لبنان في التفاوض مع فرنسا، إذ به يقول: «يمكن للفئات المدنيّة (مثل ممفد) أن تخدم فرنسا في مجال محاربة الإسلامِ السياسيّ». وهنا، كشارع كبير من أنصار الخط المقاوم (ومن مشارب مختلفة، أكانت دينية أو يسارية علمانية)، نسأل: بما أن «الإسلام السياسي» في لبنان يوصف به، وبالدرجة الأولى، حزب الله وبيئته (لكون حركات الإسلام السياسي الأخرى لا وزن لها في لبنان بتصنيف الغرب)، هل أن فرنسا تعادي الإسلام السياسي، حزب الله، من منظور مدني علماني، أم من منظور خدمة إسرائيل؟ نقول إن هذه الدول الغربيّة المدنيّة العلمانيّة كانت قد تحالفت وعلى مدى عقود طويلة مع «إسلام تكفيريّ» يعدّ من أكثر الفرق رجعيّة في العالم. فهل كان عداؤها لـ«الإسلام السياسيّ في لبنان»، المتمثل في المقاومة الإسلاميّة، من باب أولويّة تطبيق الحكم المدنيّ، والذي يصفه نحّاس بالوصفة السحريّة لمعالجة الأزمات الداخلية كافة بمعزل عن الخارج. علماً أن المقاومة وحزبها السياسيّ المتمثّل في البرلمان لم يقف عائقاً أمام طرح المدنية في بنية الدولة، بل كان يعيد ويكرر بأن محاربة الفساد تبدأ بتطبيق اتفاق الطائف بكامل بنوده، ومن ضمنها إلغاء الطائفية السياسية.
ختاماً، وبالعودة إلى النخب: ‏يتحقق التغيير في النهاية عن طريق الشعوب، وليس من خلال المثقفين حصراً، رغم أن صراع الهيمنة يقع في منطقتهم وبينهم. لكن التغيير، تطبيقاً لـ«فلسفة البراكسيس» (أنطونيو غرامشي)، لا يحدث قبل تشخيص ما يعيق السير إلى الأمام، ومن دون نضوج الفكرة والرؤية والأدوات، لا عبر «قلة قليلة واعية».