في تقريرها الصادر يوم الثلاثاء 26/1/2016، اتهمت منظمة العفو الدولية الجمهورية الإسلامية الإيرانية بأنها أكثر دولة في العالم تعدم قاصرين متهمين بجرائم ارتكبوها قبل سن الـ18، حيث تمّ تسجيل 73 حالة إعدام
لقاصرين بين عامي 2005 و2015؛ بينهم أربعة على الأقل في العام المنصرم، بينما ينتظر عشرات من الأطفال دورهم إلى حبل المشنقة. وهو ما يتناقض مع العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي نصت عليه الفقرة رقم 5 على أنه «لا يجوز الحكم بعقوبة الموت على جرائم ارتكبها أشخاص دون سن الثامنة عشرة ولا تنفيذ هذه العقوبة بالحوامل». وهو النص الوارد نفسه في
اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدتها الأمم المتحدة في عام 1990، علماً بأن الجمهورية الإسلامية ملزمة باحترام العهد كونها إحدى الدول الموقعة عليه.
هذا التقرير يعيد الموضوع القديم الجديد إلى الواجهة، وهو أزمة العلاقة بين القوانين والمعاهدات الدولية في ما يتعلق بحقوق الإنسان وجدلية هذه العلاقة مع أحكام الشريعة الإسلامية. فالقانون الجزائي الإيراني، على رغم التعديلات التي أدخلت عليه في عهد الرئيس أحمدي نجاد، لا يزال يلحظ في تطبيقه أن السن الجنائي هو السن الشرعي وفق مفاهيم الشريعة الإسلامية وهو 9 سنوات قمرية للفتاة، أي ثماني سنوات وبضعة أشهر، و15 عاماً للذكر وهو ما يعني 14 عاماً وبضعة أشهر عملياً بالتقويم
المعتمد عالمياً. ففي حين تعتبر المواثيق والمعاهدات الدولية طفلاً من لم يبلغ الـ18 من العمر، فإنّ الشريعة الإسلامية يمكنها أن تحكم على «أطفال بالمفهوم الدولي»، بأحكام القصاص الإسلامي وهي تتضمن الجلد وقطع الأيدي والأرجل والصلب والقتل والرجم والرمي من شاهق بحسب طبيعة الجرم المرتكب.
يجب عقلنة التشريع وإطاحة جمود النصوص من دون خوف أو وجل

إلا أنّ المسؤولين الإيرانيين يرون أن اتهامات منظمة العفو الدولية بإعدام قاصرين هي أمر غير صحيح ما دام القضاء الإيراني لا يقوم بتنفيذ حكم الإعدام قبل بلوغ المدان سنة 18، وبالتالي فهي لا تعدم أطفالاً بل بالغين بالمفهوم الدولي. لطالما شكّل الخلاف حول مفهوم البلوغ والنضوج والمسؤولية مادة دسمة للجدل، وخاصة أن الفقه الإسلامي متحجّر في نظرته الفيزيولوجية، على اعتبار أنّ
خشونة الصوت وإنبات العانة هما الدليل المعتمد، حتى إنّ بعض المذاهب الإسلامية تستعين بحديث نبوي «من أنبت شعر عانته فاقتلوه»، في إشارة إلى قتل أسرى خيبر من الذكور، باعتبار أن من لم تنبت عانته لا يعتبر رجلاً،
وبالتالي فهو يقع في السبي لا القتل. لكن، وعلى ضوء الأبحاث النفسية والسلوكية الحديثة واستنباط مفهوم المراهقة والتغييرات الهرمونية السريعة وما تسببه من اضطرابات سلوكية كان من المفترض للمؤسسة الدينية أن لا تلتزم بجمود النصوص التشريعية وأن تواكب العصر. وهو شيء لم يحصل في ممارسات الأنظمة التي تجعل من الشريعة الإسلامية ومن الفقه الإسلامي مصدراً للتشريع، فعلى الرغم من تسليط منظمة العفو الدولية والصحافة الغربية الضوء على إيران باعتبارها الدولة الأولى عالمياً في إعدام القاصرين، فإنّ خبراء مستقلين في مفوضية الأمم المتحدة طالبوا المملكة العربية السعودية بإلغاء حكم إعدام صدر بحق شاب كان قاصراً حين ارتكاب الجرم. لكنّ المناشدات والانتقادات الدولية لا يمكن أن تغيّر في واقع الأمر شيئاً طالما أنّ قداسة التشريع من وجهة نظر إسلامية لا يمكن أن تمسّ أو تخضع للمساومة. فأي تنازل من قبل المدارس الفقهية عن أي من المسلّمات التشريعية سوف يفتح الباب واسعاً أمام شرعنة المفاهيم الغربية لحقوق الإنسان، وهو ما قد يطيح مبرّر وجود الأنظمة الدينية ذاتها وانهيار السلطة الفقهية القائمة على رأس المؤسسات الحاكمة أو خلفها.
في الواقع، هناك اختلاط للمفاهيم وما يجب أن يكون واضحاً قبل الدخول في أي جدل هو فصل تام بين المفهومين الدولي والإسلامي لحقوق الإنسان، فهما في
أكثر من موضع على طرفي نقيض. ولا يجب دائماً الزجّ بنظرية المؤامرة والعداء الغربي للإسلام عند كلّ شاردة وواردة. ما ينبغي فعله هو أكثر من ردود فعل إعلامية وشعاراتية على الانتقادات الغربية والدولية، وتجاوز ذلك
إلى عقلنة التشريع وعصرنته وإطاحة جمود النصوص من دون خوف أو وجل. فلا يمكن الاستمرار في اجترار مفاهيم لا تتوافق مطلقاً مع المكتشفات العلمية الحديثة ومع روح الزمان. فالمنطق السويّ والذوق السليم لا يمكن أن يتقبلا واقع أن طفلة لم تبلغ التسع سنوات يمكن أن تكون زوجة ويمكن أن تدان بجريمة قتل وأن تشنق أو يقطع رأسها، فهذا ليس فقهاً بل جنون.
* كاتب لبناني