في قراءة هادئة لما آلت إليه نتائج انتخابات رابطة أساتذة التعليم الثانوي، الأحد الفائت، والتي فازت بها لائحة العمل النقابي الموحّد التي تضم الأحزاب المتمثّلة في السلطة، وتوزيعها مقاعد الرابطة حصصاً بين الأفرقاء، مع تعديلات طفيفة لتركيبة الهيئة الإدارية الجديدة، تتبادر إلى ذهن أي نقابي التساؤلات التالية:- كيف يمكن لرابطة انتُخبت بنسبة 44% من أصوات المندوبين أن تتمكن من توحيد جسم الأساتذة وتحت أي عنوان وبأي آلية وبأي أشكال نضال، ووفق أي شعارات ومطالب وأي روزنامة زمنية؟
- كيف يمكن للمعارضة التي خاضت معركة غير موحّدة، حصلت خلالها على 53% من الأصوات، أن تعيد تشكيل نفسها وتتوحّد كمعارضة نقابية من داخل الإطار النقابي الواحد المتمثّل بـ«رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي في لبنان»؟
- كيف يمكن لقيادة الرابطة الجديدة - القديمة، إن لم تتمكن من التواصل الإيجابي والفعّال حتى في صيغة موالاة ومعارضة ضمن الجسم الواحد، أن تواجه تغوّل السلطة (وهي تمثل أطرافها) وتصميمها على حماية كارتيلات المال والدواء والغذاء والمحروقات والمصارف والصفقات والسمسرات التي أدّت وستؤدّي إلى مزيد من إفقار اللبنانيين. وهذا ما يتجلى بوضوح في البنود الضريبية المتوحّشة التي تتضمنها الموازنة التي تعدنا برفع الدولار الجمركي أكثر من عشرة أضعاف، وما يترتب عليه من ارتفاع جنوني للأسعار التي تفوق قدرة 95% من اللبنانيين على تحمّلها.
- كيف ستتعاطى الرابطة مع سياسة السلطة التي قرّرت الاستمرار في تجميد تصحيح الرواتب والأجور التي فقدت أكثر من 92% من قدرتها الشرائية فيما تعد بدفع مساعدة اجتماعية (شفقة ورحمة واستجداء) لسنة، تبقى خارج الراتب (تشكل 8% من القيمة الشرائية للرواتب ولا تدخل في حساب تعويض نهاية الخدمة ولا في المعاش التقاعدي)، وتميّز فيها بين من هم في الخدمة وبين المتقاعدين، ما سيؤدي إلى مزيد من الإفقار للغالبية الساحقة من اللبنانيين، وفي مقدمهم أصحاب الدخل المحدود والمعلمون والأساتذة.
- كيف ستواجه عدم تخصيص أي زيادات لاعتمادات موازنات تعاونية الموظفين والصناديق الضامنة، وتسديد متوجباتها للضمان الاجتماعي، مع استحالة قدرة أي أستاذ أو موظف أو مواطن على دخول المستشفى أو تأمين أكلاف الاستشفاء والطبابة في ظل التعرفات المعتمدة؟
أسئلة كثيرة نرجئ طرحها الآن في انتظار إقرار برنامج عمل الرابطة الجديدة وتوجهاتها.
أما في ما يتعلق بالمعارضة النقابية، فقد أدّى انقسامها إلى خسارة رغم الربح المؤكد. وبما أن اللائحتين المعارضتين كانتا تخوضان معركة تصحيح المسار، كما جاء في حملتيهما الانتخابيتين:
- ألم يكن الأجدى بالمفاوضين لتركيب اللائحة المعارضة الموحّدة أن يتصرفوا وفق أحجامهم الفعلية وتوزيع المقاعد نسبياً على هذا الأساس، وعدم تضخيم وهمي للقدرات والأصوات، وصولاً إلى فشلهم بتشكيل لائحة موحّدة وفق هذه النسب، ما أدى إلى فشلهم في تحقيق طموحات أكثرية الأساتذة الثانويين؟
- ألم يكن من المفترض معرفة الاختراق الذي حصل ومنع حدوثه بغضّ النظر عن الأشخاص والأسماء التي استفادت من هذا الخرق ولمصلحة من؟
لا نعرف من المسؤول عن التشرذم والانقسام الذي حصل، لكنّ مسؤولية الفشل تقع على كل من فاوضوا وحاوروا وضخّموا الـ«ايغو» كثيراً.
إن مسار الرابطة وقيادتها بات يتطلب إعادة قراءة تاريخية وموضوعية في آن، وضرورة إعادة وضع سلّم لأولوياتها التي تبدأ بوحدة جسمها ووضوح مطالبها وصلابة موقفها ومعارضتها للسلطة ونهجها، ووضع حقوق الأساتذة فوق كل الأولويات.
لقد تسلّمت الرابطة منّا رابطة موحّدة جامعة، وموقعاً وظيفياً للأستاذ الثانوي محصّناً ومميّزاً بكل حقوقه ومكتسباته، خضنا من أجلها نضالات لعشرات السنوات، وواجهنا أقسى التهديدات ومنها الإحالات على النيابات العامة للتراجع عنها، ولم تفلح السلطة بكلّ أجهزتها في زحزحتنا قيد أنملة عن هذه الحقوق والمكتسبات التي استعدنا من خلالها حقوقنا والموقع الوظيفي للأستاذ الثانوي. والآن، بعدما حصل ما حصل، هل من يتّعظ؟

* أمين السر الأسبق لرابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي