تتردَّد أسئلة بكثرة منذ أيّام: ما سرّ زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ للإمارات؟ وما المُتوقَّع من هذه الزيارة؟ و هل للأمر علاقة بالهجمات اليمنية الأخيرة على العمق الإماراتي؟ بالمجمل يمكن الإجابة عليها مجتمعةً، كما لو كنا نجيب على سؤال واحد. بكلمة موجزة ومختصرة: لا ينبغي أن نتوقّع من الزيارة الشيء الكثير، ولا ينبغي أن نحمّلها ما لا تحتمل، وذلك لعدة أسباب، أهمّها:
- أوّلاً، الرئاسة في الكيان الصهيوني منصب شرفي، بالتالي يتعيَّن علينا ألَّا نتوقع من زيارة الرئيس هرتسوغ الشيء الكثير، إلا في حدود تعزيز اتفاق «أبراهام» الذي عُقد العام الماضي بإشراف الولايات المتحدة.
- ثانياً، هذه ليست الزيارة الأولى التي يقوم بها مسؤول حكومي صهيوني بهذا الحجم، فقد سبق لرئيس الوزراء نفتالي بينيت أن زار الإمارات والتقى بمسؤوليها في كانون الأول من العام الماضي.
وإن كان لا بد من التعويل على زيارة ما، فالأولى أن نعوِّل على تلك الزيارة، لا على هذه، لأن منصب رئاسة الوزراء الصهيوني منصب فاعل وحقيقي، بعكس منصب الرئاسة.
فلو صحِّ أن لدى الحكومة الصهيونية نيّة لتزويد الإمارات بما تحتاجه من أعتدة وأسلحة لازمة لصد هجمات «أنصار الله» المرتقبة، لَحضر رئيس الوزراء نفتالي بينيت بنفسه، أو أي من المسؤولين الحكوميين الفاعلين، لا الرئيس الشرفي.
- ثالثاً، تأتي هذه الزيارة، التي تستمر ليومين تلبيةً لدعوة رسمية وجّهها له ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان.
ومعلوم بالضرورة أن دعواتٍ من هذا النوع تحتاج إلى تنسيق ديبلوماسي وأمني مسبق قد يستغرق أشهراً، وعليه يمكن الجزم بأنه ما من رابط بين هذه الزيارة و بين الهجمات التي تعرّضت لها الإمارات أخيراً، أو حتى بينها وبين التهديدات التي أشار إليها بعض الصحافيين المحسوبين على محور المقاومة، وعلى «أنصار الله» تحديداً، والتي تشي بأن الهدف المقبل للهجمات اليمنية هو «إكسبو دبي».
- رابعاً، بالرغم من العلاقات «الطيّبة» التي تجمع الكيان الصهيوني بالإمارات، فإن الحكومة الصهيونية لا تزال حتى الساعة ترفض تزويد الأخيرة بمنظومة «القبة الحديدية» و«مقلاع داود».
وفي حين عزا بعض المحللين السياسيين ذلك إلى خشية سلطات العدو الإسرائيلي من تسرُّب معلومات تقنية مرتبطة بهاتين المنظومتين المهمّتين إلى أعداء إسرائيل في المنطقة، عنينا بهم إيران وحلفاءها، فإن السبب الحقيقي الذي يمنع كيان العدو من تزويد حلفائه الجدد (الخليجيين) بهاتين المنظومتين الاستراتيجيتين هو خشيته من تبدّل أوضاع الحكم في تلك البلدان، بالتالي انفراط عقد تحالفاته، وضياعها سدىً.
لو صحِّ أن لدى الحكومة الصهيونية نيّة لتزويد الإمارات بما تحتاجه من أعتدة وأسلحة لازمة لصد هجمات «أنصار الله» المرتقبة لَحضر رئيس الوزراء نفتالي بينيت بنفسه


فالأنظمة الحاكمة هناك، وإن كانت تتمتع باستقرار نسبي، إلا أن هوى شعوبها ــــ كما هو معلوم ــــ مخالف لهوى حكّامها، فهؤلاء في النهاية عرب، وطبقاً للعرف السائد لدى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية فإنه من السذاجة في مكان أن تثق بالعربي وتركن إليه في جبهة الخليج، بينما تحاربه في جبهة أخرى - فلسطين.
- خامساً، بالرغم من كل التنازلات التي قدّمها ولي العهد السعودي، سواء على الصعيدين الداخلي (هيئة الترفية، إباحة الكثير من المحظورات التي كانت حتى الأمس القريب تدخل في نطاق المحرمات الشرعية،... إلخ)، أو الإقليمي (الموقف من الكيان الصهيوني)، فإن الولايات المتحدة رفضت تزويد بلاده بأنواع محددة من الأسلحة، خشية المس بالتفوُّق العسكري الإسرائيلي، ممَّا اضطره إلى التوجّه شرقاً، و الاستعانة بالصين، و هو ما أحدث ضجة إعلامية كبيرة آنذاك، جعلت بعض الخبراء الاستراتيجيين يذهبون بعيداً في تحليلاتهم، حيث ذهبت بعض تلك التحليلات إلى حد القول بأن هناك نُذُر أزمة سعودية - أميركية، بدأت تلوح في الأفق. فيما المنطق السليم يقول إن خطوة التوجّه شرقاً ما كانت السعودية لتخطوها لولا الضوء الأخضر الأميركي.
فالسعودية، بوصفها أداة تنفيذية للمشاريع الأميركية والغربية في المنطقة، لا يمكن أن تجرؤ على اتخاذ خطوة من هذا النوع، من دون الحصول على إذن أميركي مسبق. هذا أمر محسوم ولا جدال فيه.
فلو كان في نية الكيان الصهيوني، أو راعيه الدولي (الولايات المتحدة) مد يد العون للإمارات، لفعلا ذلك مع السعودية أوّلاً، باعتبارها الحليف الخليجي الأكبر والأقوى للولايات المتحدة، ولكن من الواضح أنه لا نية لديهما للقيام بذلك، للأسباب عينها التي أتينا على ذكرها.
بناءً على ما تقدَّم، يغدو من نافلة الكلام القول بأن زيارة هرتسوغ تندرج أولاً وأخيراً ضمن نطاق الزيارات التطبيعية الروتينية، أو لعلها تهدف إلى توجيه رسالة دعم معنوي للإمارات في مواجهة التحديات التي تواجهها على الجبهة اليمنية. أو لعلها في الحد الأقصى تكون خطوة إضافية على طريق تنفيذ بنود اتفاق «أبراهام» الذي أُبرِم العام الماضي.

* مؤرِّخ وباحث سياسي