إن التصدّي ومقاومة مشاريع صناع المؤامرة ليسا فقط مهمّة أنظمة دول المقاومة وجيوشها، التي تحارب عسكرياً منذ سنوات من أجل سيادة وكرامة ومستقبل المنطقة، بل يجب أن يكونا أيضاً في مقدّمة أولويات المطالبين بالديموقراطية والإصلاحات السياسيّة والإدارية تحت راية الثورة، بربطها بصورة واضحة وجليّة برفض المشاريع الإمبرياليّة الصهيونيّة، ورفع هذا الربط شعاراً رئيسياً لا يقبل أي التباس. من هنا تساهم هذه الأطر والأحزاب بدورها في ترسيخ القيم الأخلاقيّة والوطنيّة في جيل الشباب؛ وذلك عبر تشجيع الأدب والفن والثقافة والمقاومة كأسس في وعي المجتمع، كي تصبح الديموقراطيّة المنشودة تمثّل بحق تطلّعات المواطن.هذه أولويات الثوار والأحرار ومن يناضل من أجل سيادة الوطن وحقوق المواطن. وهو السبيل الوحيد حتى تنأى أي جهة أو حزب أو شخص بنفسه عن تهمة المشاركة في تنفيذ مخطط صناع المؤامرة، وعدم تحوّل غضبهم إلى أداة لتمرير مخطط كيّ الوعي وجعل إنجاز المطالب مطيّة عبر رهنها بالتطبيع مع الكيان الصهيوني كمقدمة لصلح ذليل على حساب الحق العربي العام، والفلسطيني بشكل خاص، وبالتالي عدم القدرة على التغيير الذي ينادي به هؤلاء.
هذا جانب أساسي مما طمحت إليه المؤامرة وهدفٌ لصنّاعها؛ أن تكون دولنا ذليلة بلا إرادة تسير بركب دول الاستكبار والاستعمار والركوع أمام ربيبتهم إسرائيل كشرط للازدهار والتطور، على قاعدة الدول التي تطلق مسباراً للفضاء ولا تملك القدرة على إنتاج برغي فيه. وكل نموذج آخر يشكّل هدفاً يجب محاربته للقضاء عليه.
سوريا الدولة نموذج حي. فحين اقتربت سوريا النابضة عروبة ومقاومة أواخر عام 2009 من أن تصبح دولة متطورة منفتحة، تنجز الإصلاحات الداخلية التي يتطلع إليها المواطن في المجالات كافة وكادت أن تعلن الاكتفاء الذاتي الزراعي وغدت رائدة الصناعة في المنطقة العربية عبر أهم ثلاث مدن صناعية وطنية، وبتميّز حقيقي في الأمن والأمان وتعايش واستقرار وإخاء بين فسيفساء المجتمع المتنوعة ــــ هذا كلّه بلا قروض من البنك الدولي، بلا ارتهان خارجي، بسيادة وكرامة، بثبات العقيدة الوطنية والسياسية التي تمثّل نبض وذهنية كل مواطن حر شريف ــــ تآمر عليها الكون وأدخلها حرباً ضروساً. استخدموا المطالب المشروعة، التي لا يختلف عليها أحد، لتمرير مؤامرة قذرة أصابتنا في مقتل. لولا هذه المؤامرة الكونيّة لكانت سوريا اليوم نموذجاً حقيقياً ومنارة لشعبنا العربي، وعاصمة لتحقيق بداية التوجّه لوحدة عربيّة متكاملة تقوم على ركائز الحداثة والتطوّر والاكتفاء الذاتي والرخاء المعيشي، وأيضاً الحفاظ على العقيدة والبوصلة الوطنيّة بدعم تحرير الأراضي المحتلة وعلى رأسها فلسطين العربية والجولان الذي يحتله الصهاينة.
التمسك بالثوابت يضيء طريق المستقبل؛ الثوابت التي تطرح الإصلاح كواجب والمقاومة كنهج


حاك صنّاع المؤامرات كل هذه الخطط ونفّذوها من أجل تثبيت هذا الكيان لدوره الوظيفي الاستراتيجي، بحيث يكون الوطن العربي بوابة لهذا الغرب الذي تتحكّم فيه ذهنيّة الاستعمار والسيطرة. هم يريدون دولنا متطوّرة شكلاً كسوق اقتصادية لمنتجاتهم، وفي مضمونها يريدون دولاً بلا سيادة وبلا موقف وبلا فكر وبلا ثقافة، وشباباً كوسموبوليتيين لا وطنيين، من أجل السيطرة على خيراتنا والتحكّم في طريقة عيشنا وحتى حصر أحلامنا بما ينسجم مع استراتيجياتها.
كذلك هو الحال في ما نشهده الآن في اليمن ولبنان من عدوان عبثي جائر وحصار اقتصادي مدروس، وكل محاولات تجويع الشعب السوري بعد حرب ما زالت قائمة لأكثر من عشر سنوات، وطريقة فرض التسويات وعرض الحلول. آخرها مبادرة دولة الكويت عبر وزير خارجيتها برفع شعار الشرعيّة الدوليّة وقرارات الجامعة العربية. المبادرة بمضمونها توجّه الشارع ليتبنى فكرة نزع سلاح المقاومة مقابل الدعم الاقتصادي ومحاصرة ذهنيّة الدولة وفرض حلول تنسجم مع مخططات صنّاع المؤامرة. كذلك وضع الحوثيين على قائمة الإرهاب وكأنهم ليسوا يمنيين أصيلين يدافعون عن وحدة وسيادة كل اليمن. هذا كلّه بتنسيق مباشر أو غير مباشر مع الإدارة الأميركية التي تسعى لكسب نتائج قد فشلت في تحقيقها إلى الآن من خلال العدوان العسكري الذي صنعته وتغذّيه في كل مكان.
لا شك في أن المواجهة العسكرية وتحقيق الانتصارات هما بداية للقضاء على مخططهم الذي زرع خلال هذه السنوات ألغاماً طائفيّة مقيتة وقيادات تابعة، وسقى بذور الفتنة والمصالح الضيقة والأنانيّة ليستثمرها في السنوات القادمة. وعليه، يتعزّز إيماني بضرورة إحياء الشعور القومي في شارعنا العربي، والتطلع إلى مشروع نهضوي يعتمد الثوابت الوطنيّة، وإرساء أسس الذهنيّة الوطنيّة من جديد بين أوساط الشباب.
التمسك بالثوابت يضيء طريق المستقبل؛ الثوابت التي تطرح الإصلاح كواجب والمقاومة كنهج، طريق النهوض وتوجيه الوعي إلى عمقه السليم. فالثوابت تصلُح للحاضر والمستقبل، وهي الطريق للتحرّر من التبعيّة وتعزيز القيم وبناء ذهنيّة شباب وطنيين غير مهادنين بحقوقهم الحياتيّة وحقهم الوطني القومي.
فهل يحق لأحد التكلّم عن الحرية والديموقراطية ومكافحة الفساد وهنالك أرض محتلة ولا ينادي لتحريرها. فالدول القوية ذات السيادة تبنيها ذهنيّات تعتبر مواجهة الاحتلال أولوية في ترسيخ العدل والقانون والحرّية. فالفساد والاحتلال وجهان لعملة واحدة، ولا يمكن الفصل بينهما أبداً.
ورغم كل ما ندرك من حقيقة ما ذُكر أعلاه سأكون متفائلاً. فمهما كانت الأوضاع مأساوية في بلادنا فتاريخنا يشهد بأننا ننهض من كل نكسة وكارثة أو مؤامرة. لكن لا بد أن نعزز ذهنيّة النهوض على أساس الثوابت الوطنيّة المقاومة، ولتتحد الاجتهادات والمشاريع العروبية كافة في وطننا العربي تحت راية مشروع عربي واحد وخطاب واحد بأولويات تعزيز الثوابت والقيم في ذهن الجيل الشاب الذي سيحمل الراية لتحقيق وحدة عربيّة حقيقيّة، يجعل من كل تلك المخططات والخطر المحدق بالأمّة هباء منثوراً، ليبدأ بعدها عصر ذهبي يستمر لأجيال عديدة.

* أسير محرر - الجولان المحتل