كان ديزموند توتو، رئيس أساقفة الكنيسة الأنغليكانية في جنوب أفريقيا، أحد روّاد الكفاح ضد نظام الأبارتايد في بلاده، ورفيقِه نيلسون مانديلا. الحائز على جائزة نوبل للسلام، هو أحد الأسماء التي كنّا نفكّر في ترشيحها ليكون رئيساً فخرياً لـ«المنتدى العربي الدولي من أجل العدالة لفلسطين»، خلفاً للراحل المناضل الأممي الكبير رامزي كلارك، الذي افتقدناه منذ أشهر، والذي اخترناه رئيساً للمنتدى لدى تأسيسه عام 2015. تميّز توتو، المعروف بـ«الأسقف المتمرّد»، أنه واجه من موقع إنساني العنصرية في بلاده وكل العالم، حتى أنه أغضب الصهاينة جميعاً حين قال في إحدى زياراته لبريطانيا: «أستغرب كيف أن اليهود الذين تعرّضوا لأبشع الممارسات العنصرية أن يقوموا بالممارسات نفسها ضد شعب فلسطين».
لم يكن الأسقف توتو مكافحاً ضد العنصرية فقط، بل كان أيضاً مناضلاً ضد الفقر في بلاده وفي كل أرجاء العالم، مؤكّداً أن الموقف الإنساني لا يتجزأ، فالعداء للعنصرية هو ذاته العداء لكل ظلم يتعرّض له إنسان.
وعلى رغم علاقته الوثيقة بالمناضل نيلسون مانديلا، الذي عيّنه رئيساً للجنة «الحقيقة والعدالة» بعد سقوط النظام العنصري في جنوب أفريقيا، فإن ذلك لم يمنعه من توجيه النقد لحكومة المؤتمر الوطني الأفريقي لتهاونها في محاربة الفقر في البلاد، فحاز بذلك على احترام الجميع وتقديرهم، لأنه كان صاحب مبدأ يحرص على الالتزام به في كل المواقف.
وديزموند توتو من الذين كانوا يؤمنون أن الدين رسالة جامعة يجب أن لا تغوص في وحول السياسة وانقساماتها وصراعاتها.
لقد اختار القدر للقس ديزموند توتو يوم عيد ميلاد السيد المسيح موعداً لرحيله عن هذه الدنيا، كما اختار الشهر ذاته الذي رحل في بداياته نيلسون مانديلا، والشهر ذاته الذي رحل في نهاياته أسقف متمرّد آخر مؤمن بلاهوت الحرّية والمقاومة هو المطران هيلاريون كبوجي، ليؤكد تلازم القضايا التي التزم بها المسيح في رسالته ومانديلا في كفاحه وكبوجي في مقاومته. رحمه الله!

* كاتب وسياسي لبناني