اقتربت الانتخابات، ومال المعنيّون بالأمر نحونا يفيضون من كرمهم علينا. فكم من مرشّح بات يستسيغ لقاءنا والاهتمام بنا ومخاطبتنا... في كلّ مناسبة نراه يعظّم لنا العزاء، ويفرح معنا، مناسبة الأفراح... ها هو أقرب إلينا من حبل الوريد يصبّحنا ويمسّينا كل يوم على مدار الساعة. ما هذا التواضع؟ ما هذا الحبّ للناس؟ ليت هذا الزعيم أو المرشّح يواجه مشاكل المجتمع الذي نعيش فيه، هذا المجتمع الفريد من نوعه والذي كثُرت عيوبه حتى انقلب الشارع فيه إلى مسرح لمأساة شعب! مأساة أبطالها المواطنون والمواطنات. لكنّنا اليوم، بعد اشتداد الأزمات على وطننا وشعبنا، في أشدّ الحاجة إلى نائب أو مرشّح يقدّم لنا، لا التعازي ولا العواطف المجانيّة، بل مشاريع الإنقاذ والإصلاح الفعليّة، ويشركنا معه في هذه المشاريع. فهل يستطيع هؤلاء، وهم المسؤولون عن الفساد المستشري في حياتنا؟ ما قيمة أي نائب أو مرشّح يُحاورنا وكأنّه شاعر يُغازل معشوقته، فيزهو بنفسه تيهاً ودلالاً، بل ويذهب إلى توزيع أرقامه الخاصة على الجماهير. هنيئاً لمن يبتسم له الحظ فيقترب من عظمته. أليس هذا النوع من النواب مخادعاً، يواصل مسرحيّة استغلالنا، ويبيع الأوهام، أو ما يُسمّى «أفيون» التعصّب والطائفية، فيسمّم عقول شبابنا ويزيد في فساد مجتمعنا؟ لكن الشباب ليسوا وحدهم. باتوا يعرفون من هو المسؤول عن سوء حالهم من «رجال الدولة». المسؤول الحقيقي الذي يريدونه، هو الذي يخدم الشعب، ويأخذ بيد هؤلاء الشباب نحو سفينة النجاة، في هذا البحر الهائج، أي ينتشلهم من جحيم الفساد. لا مكان لنائب أو مرشّح لا يكرّس نفسه لمواجهة الفساد، والخلاص من الانهيار الكبير. والمسؤول السياسي بشكل عام، عليه تقع مسؤولية تغذية العقول ورفع مستوى الوعي عند المواطن، وباء النهضة الوطنية المنشودة.
المرشّح مدعوٌّ إذاً إلى جرأة الخطاب، وجرأة في الفعل، كي يكون جديراً بتسلّم زمام القيادة. ومهمّته الأولى ليست مراعاة مصالحه، ومراكمة ثرواته وامتيازاته، بل إضاءة الدروب المظلمة والخاطئة أمام المواطنين. إنّه من يدلّنا بصراحة وجرأة على فساد مجتمعنا وعيوبه، وهو من يقود مواجهة على الفاسدين. الأعمال الخيريّة جميلة، لكن ما نحتاجه الأفعال الوطنية النبيلة، ومن يُعيد الاعتبار إلى العزة الوطنيّة، ودولة المواطن والحقوق... لا مكان بعد اليوم للاستكانة والخنوع والتستّر على الفساد والمحسوبيّات، فالرأي العام يطالب بتعرية الفاسدين وفضح الفساد أياً كان مصدره، ولو من قلب البيت السياسي الواحد. أهلاً بأصحاب السياسات الإصلاحيّة، وسنحاكمهم لا على النيّات الطيبة بل على المنهج والممارسة، فلنرَ إلى ماذا تقود الأهداف النبيلة! لنحسن الاختيار في هذه الانتخابات، ولنحاسب في الانتخابات التي تليها...

أخيراً على السياسيّين أن يعيدوا الثقة بهم، وأن ينزلوا من عليائهم ــ وقد بدأوا ينزلون قليلاً حلال العامين الأخيرين ــ ومن أبراجهم العاجية، بعيداً من التزلّف وزخرفة الكلام والأهداف المبطّنة!

أيها المرشّحون في انتخابات 2022، غيّروا الخطاب والأهداف والتوجّهات. باسم الوطن ومصلحة الشعب، وإلّا لفظكم الشعب! نريد مرشّحين صادقين صريحين يبتعدون عن التغنّي بفضائل غير موجودة، أو طواها الزمن، ليكسبوا دعم الشباب وثقتهم. لا مكان لأي كلام ملتبس وشعارات عن الإشعاع والأمجاد. لا أمجاد ولا إشعاع للبنان حالياً، بل بؤس وانهيار وإفلاس وجوع وحرمان لمعظم أبناء الشعب. نريد نوّاباً أحراراً يواجهون الحصار والاضطهاد.

* مواطن لبناني