لا يكفي أن تُصنّف الانتخابات المقرّرة دستورياً في آذار أو أيار المقبلين، بأنها ستكون «أمّ المعارك»، في استعارة شائعة، للمناسبات أو للمعارك المهمة بالنسبة إلى أصحابها على الأقل. ما يُراد لتلك الانتخابات هو أبعد من ذلك: يُراد لها أن تكون فاصلة أو صاعقة أو ساحقة... وانعطافية بأقل معيار. يجري التحضير لها بوصفها ستكون (أو ينبغي أن تكون) كذلك! ولذلك، ولأن الأهداف كبيرة، ولأن المنخرطين في المعركة كثر، من محليين وإقليميين ودوليين، وأبرزهم الدولة العظمى الأولى في العالم، فإنه يمكن لنا أن نسميها «الانتخابات العظمى»!في الأهداف، أولاً، ينبغي القول بأن ما يُعوَّل على تحقيقه، ليس إزاحة منظومة ونظام أدّيا بالبلاد إلى الفشل والإفلاس وخطر الزوال، وبالعباد إلى الخراب والجوع: بوسائل النهب وانتهاك أبسط الحقوق، والتنكّر للدستور وللقانون... ومن ثمّ، كما يتوجب، تكتمل هذه الإزاحة بإحلال قوى أو فريق ذي أهداف إصلاحية يمكّن من إنقاذ البلاد وأهلها من مخاطر التفكّك والتقاتل واليأس والضياع والتشرّد والجوع والذل... إن التغيير هو أكثر من ضروري ومصيري بكل المقاييس الموضوعية التي نجمت عن الأزمة الضارية التي تعصف بالبلد وناسه. إلا أن ما يحاوله فريق، هو خارجي، بالدرجة الأولى، بكثير من التصميم ووافر من القدرات والانخراط والخطط، هو استغلال الأزمة، من أجل تحقيق أجندة خاصة به تُلبّي مصالحه ومصالح حلفائه وأتباعه في المنطقة وخصوصاً منهم العدو الصهيوني. بهذا المعنى غير الخافي إلا على من يمارسون سياسة النعامة، تصبح معركة الانتخابات النيابية المفترض حصولها في أوائل أو أواخر الربيع القادم، معركة دولية وإقليمية ومحلية في الوقت عينه! ومن البداهة، وفي حال نجاح واشنطن في كسب المعركة، أن تنجو المنظومة وينجو نظامها من المحاسبة، ليدفع الحساب طرف آخر. طرف ليس هو المسؤول الأساسي عن الكارثة المتواصلة الراهنة. ليس ذلك فقط، بل إن «الحل الأميركي» سيدفع بالبلد إلى كوارث أعظم من مثل الاحتراب والانقسام والموت والدمار! أما الخاسر الأكبر فسيكون، حتماً، الشعب اللبناني الذي سيجري إدخاله في دوامة قاتلة من الصراعات العبثية والمفتّتة والمدمّرة. يقع ذلك ضمن مخطط شامل، قديم جديد يتعدّى بلدنا. وهو مخطط، صاحبه واحد (الإدارة الأميركية)، وإن تعددت الأسماء وآخرها «الشرق الأوسط الواسع» («المحافظون الجدد» بدءاً من غزو العراق عام 2003)، أو «صفقة القرن» (دونالد ترامب)، أو «محاربة الإرهاب» (كل الإدارات الأميركية!!).,, وسيكون من نتائج النجاح الأميركي في لبنان، تحقيق إنجاز كبير على طريق هيمنة شاملة، على المنطقة، المستفيد منها وراعي فرضها واشنطن. أما أداتها الأساسية، فالصهاينة الذين سيصبحون قوتها الإقليمية وهراوتها الحاسمة في وجه تيارات الاستقلال والسيادة والتحرر والتوحّد والتقدم والديمقراطية.
في الوسائل، ثانياً، يجري، كل الوقت، إخضاع الشعب اللبناني لما يمكن وصفه بعملية غسل أدمغة وخداع وتهويل من ضمن اعتماد معادلة إعلان «كلمة حق يرادُ بها باطل». تُجنَّد، لهذا الغرض، آلة هائلة شاملة من القدرات والطاقات والموارد العددية والبشرية والإعلامية كما لم يحصل في أي معركة أخرى، ليس في لبنان وحده، بل – ربما ــ وفي العالم أيضاً!
نتحدث عن بعض ما يُمارس من نشاطات وتوجهات، وبعض يُرصد أو يُنفق من مبالغ وإمكانات، وبعض ما يُدبَّر من أفخاخ وأشكال من الفتن والصراعات، وبعض ما يُجنَّد من الأدوات والمؤسسات (وخصوصاً الإعلامية بكل فروعها المرئية والمسموعة والمكتوبة والإلكترونية...) على المستويين المحلي والإقليمي، وحتى الدولي. لا يمكن لأي متابع من ألّا يلاحظ، على سبيل المثال، ظاهرة توحُّد محطات تلفزة أساسية (اعتادت المنافسة والمناكفة والصراع)، في نسق وتيار واحد من التوجهات والشعارات وتكرار فقرات التحريض والحض والخداع... هي «ماكينة» انتخابية توحَّدت فجأة بقدرة الإغراء وشراء الخدمات والضمائر ونثر الدولارات الطازجة على المالكين والمسؤولين و«المفاتيح» بسخاء كبير. النتيجة، إطلاق حملة ضارية مثابرة، تغذيها ميزانية مفتوحة وفجور وإلحاح لا يرحم الأعصاب أو يحترم العقول أو الحقائق... إنها الاستعادة الفجّة والمبالِغة للطريقة الغوبلزية النازية الشهيرة!
إذا كان المال، هو الذي «يُلوى به عصب الرجال» (والنساء)، كما قال شاعر العراق والعرب الجواهري، فإن في الجعبة المزيد من مخططات ومشاريع الفتنة التي ستكون جاهزة غبّ الطلب لرفد المعركة «العظمى» بما تحتاج إليه من التعبئة والتحريض، أو إثارته من العصبيات والنعرات الطائفية والمذهبية، أو افتعاله من الحوادث والمجازر والضحايا كما حدث أخيراً، في «الطيونة» وقبلها في غير منطقة قريبة وبعيدة...
تكراراً، ما العمل؟ وماذا عن دور ومسؤولية قوى التغيير الوطنية والشعبية إزاء كل ذلك؟
* كاتب وسياسي لبناني