من نوافل القول والفصل أيضاً إنّ شمعون بيريز، هو من أخطر وأدهى الصهاينة الذين عملوا وما زالوا على إفراغ القضية الفلسطينية من مضمونها. هذا الثعلب السرمدي يحاول تسويق نفسه على أنّه الحمل الوديع، في حين أنّ أعماله تؤكد لكل عاقل أنّ الرجل أمكر من الثعلب في مُرَاوِغته ونفاقه.
وفي هذا السياق، لا بدّ من التوقف هنيهة عند التصريح الخبيث الذي أطلقه هذا الحَصيف والمخادع، والذي قال فيه إنّ الطريقة المثلى لحلّ الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني هو اللجوء إلى الرياضة على مختلف أشكالها وأجناسها، لأنّ الرياضة، وفق منطق الرئيس الإسرائيلي ـ الذي يتفاخر ويتباهى بمناسبة أو بدونها بأنّه أقام الفرن الذري في ديمونا ـ هي الأسلوب الأنجع لتقريب القلوب بين أبناء الشعبين. وجاء هذا التصريح المتفذلك خلال كلمة ألقاها في مؤتمر الاتحاد العام لكرة القدم العالميّة الذي عُقد في تل أبيب. بيريز، جزّار قانا، يعرف أنّ أقواله المعسولة ما هي إلا ذرّ للرماد في العيون، لأنّ العنصرية الإسرائيلية باتت متفشية في ملاعب كرة القدم في دولته، إذ إنّ المشجعين اليهود يهتفون في كل مباراة الموت للعرب، ويُسمعون صرخات لا يحتملها الورق ولا الأخلاق ولا الدين ضدّ النبي العربيّ الكريم، والرجل أخذ يتفذلك في الكلام ولم يزد شيئاً، ولم يستطع إقناع خصمه رغم تفذلكه في الحدث. علاوةً على ذلك، ترفض أكثرية فرق كرة القدم في دوري الأضواء الإسرائيلي استيعاب اللاعبين العرب، وفريق مثل فريق «بيتار أورشليم» أجبر أحد اللاعبين على تقديم اعتذار رسمي في الصحف ومواقع الإنترنت لأنّه «تجّرأ» على القول إنّه لا يعارض أن يلعب في صفوف الفريق أحد اللاعبين العرب، أو كما قال أحد اللاعبين المسلمين، كذلك إنّ جمهور الفريق قام قبل سنة ونيّف بالاعتداء بوحشية على عاملي نظافة يعملون في الاستاد، لا لسبب، إنّما لكونهم من القدس العربية المحتلة، إذ نُقلا إلى المستشفى بعد أن عُثر عليهما في المراحيض.
نسوق هذه المقدمة الرياضية - السياسية لكي نصل إلى ما يثير حفيظتنا: أصحاب رؤوس أموال من الوطن العربي يقومون بشراء أندية لكرة القدم في أوروبا بمئات ملايين الدولارات، ويصرفون الأموال الطائلة من أجل ذلك، لا ضرر في هذه الخطوة، ولكن يحق لنا أن نسأل هؤلاء الأثرياء العرب وغيرهم: لماذا لا يُقدّمون شيئاً للشعب الفلسطيني، الذي يئنّ تحت نير الاحتلال؟

من السذاجة أن نعتقد
أنّ هناك أزمة حقيقيّة بين واشنطن والدولة العبريّة حول الاستيطان

لماذا لا نسمع عن الأثرياء العرب الذين يعملون على منع الصهاينة من الدولة العبرية ومن خارجها من تهويد مدينة القدس المحتلة. نقول هذا الكلام على ضوء التعنت الإسرائيلي في مواصلة تهويد القدس العربية، نورد هذه الأمور ونحن نتابع بألم شديد، كيف تقوم الجمعيات الصهيونية الاستيطانية بشراء البيوت والذمم في قدس أقداسنا بدعم سخي من الثري اليهودي أيرفين موسكوفيتش. هم يفعلون ونحن نقف موقف المتفرج، وكأنّ الأمر لا يعنينا، هل سمعتم عن ثري عربي قام بمبادرات اقتصادية أو إنسانية في القدس المحتلة؟ نحن لا نتحدث عن الأنظمة العربيّة الرسميّة، نتحدث عن مبادرات خاصة لأثرياء عرب يملكون المال لمساعدة أهالي القدس. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن في هذه العُجالة: ما هو السبب الذي يدفع هؤلاء الأثرياء العرب إلى الإحجام عن استثمار الأموال في القدس؟ لا نريد منهم أن يفهموا بأنّ الشعب الفلسطيني هو شعب المتسّولين. لا، عليهم أن يفهموا أنّ السلطات الإسرائيلية والجمعيات الخاصة تعمل على تهجير أهالي القدس، والوضع يتحول يوماً بعد يوم من سيء إلى أسوأ وهم يتفرّجون ويواصلون الاستثمار في ملاعب الكرة الأوروبيّة.

■ ■ ■



التطهير العرقي الذي تمارسه الدولة العبرية عن طريق بلدية الاحتلال يشمل في ما يشمل هدم المباني العربيّة، وفرض الضرائب الباهظة على المقدسيين المرابطين على أرض الآباء والأجداد، وأساليب أخرى من ابتكار واختلاق الفكر الصهيونيّ. السكان العرب في القدس بحاجة إلى دعم مالي ومعنوي على حدٍ سواء، لا عن طريق البيانات، إنّما بحاجة إلى آليات عملية لوقف مسلسل التهجير والتطهير العرقي في القدس، نحن بحاجة إلى مشاريع اقتصادية بأموال عربيّة لصدّ العدوان الإسرائيلي، لأنّ المادة في زمن العولمة باتت القضية الرئيسية لمجابهة الأطماع غير المحدودة للصهيونيّة. الادعاءات العربية الممجوجة بأنّ للقدس شعباً يحميها هي ادعاءات أكل الدهر عليها وشرب، وحتى لا نصل إلى نقطة اللا عودة، يجب تجنيد رؤوس الأموال العربية لدرء هذا الخطر المحدق بالأمّة العربيّة بشكل عام، وبالشعب الفلسطيني بشكل خاص. وبما أنّ السلطة الفلسطينية غير قادرة أو لا تريد لوحدها الدفاع عن القدس وعن المقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة، فإنّ الأمر بات أكثر إلحاحاً من ذي قبل. ولكي نكون على بيّنة من الأمور يجب التشديد على أنّ الأعذار مرفوضة جملةً وتفصيلاً، فالقدس العربيّة هي منطقة محتلّة، وبالتالي يسمح القانون الدولي للأثرياء العرب باستثمار الأموال فيها وإنقاذها من الصهيونية، التي كشّرت عن أنيابها وما زالت تصول وتجول في القدس المحتلة من دون حسيبٍ أو رقيب. وعندما قال بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء دولة الاحتلال، إنّ جميع رؤساء الحكومات في إسرائيل منذ عدوان الخامس من حزيران عام 1967، قاموا بالبناء في القدس العربيّة، فللأسف الشديد نجد أنفسنا مكرهين على الاعتراف بأنّ أقواله صحيحة مئة في المئة، أي أننّا نحن العرب من المحيط إلى الخليج، نواكب ونتابع عملية سلب القدس من أيدينا من دون أن نحرك ساكناً؟ هل تقبلون يا عرب وهل توافقون يا مسلمين على أن تكون رأس حربة الإمبريالية العالمية، الولايات المتحدة الأميركية ورئيسها باراك أوباما في خط الدفاع الأول عن القدس، وتحاول أن تمنع الإسرائيليين من مواصلة انتهاك حرمات مساجدنا وكنائسنا؟ هل توافقون يا عرب ويا مسلمين على أن تتحول أميركا إلى وصيّة على أماكننا المقدسة، ونحن لا نفعل شيئاً؟ هل تنقصنا الخامات أو الطاقات أو الثروات لكي نمنح الآخرين فرصة مواصلة السيطرة على القرار العربيّ الرسمي والشعبي؟

■ ■ ■



إنّه فعلاً من المشاهد السوريالية أو العبثية، أو الاثنين معاً، أن تقف الشعوب العربيّة كالأنظمة التي تحكمها بالحديد والنار موقف المحايد في أهم قضية من قضايانا. ومن السذاجة بمكان أن نعتقد أنّ هناك أزمة حقيقيّة بين الولايات المتحدة الأميركيّة والدولة العبريّة حول البناء في القدس المحتلّة. إنّ ما يجري اليوم هو خلاف بين صديقين حميمين سرعان ما سيجد طريقه إلى الحل. إنّه خلاف على سلم الأولويات وليس على الجوهر، وبالتالي حان الوقت لأنْ تتضافر الجهود، جهود الأثرياء العرب من أجل المساهمة في الدفاع عن القدس وعن المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، لأنّه إذا فقدنا القدس لن نتمكن من إعادتها، أمّا إذا أردنا شراء فريق كرة قدم هنا أو هناك، فإنّ الأمر سيبقى قائماً أبداً. والمفارقة أننّا نضطر لتوظيف مسألة الاستثمار في القدس ونقارنها بكرة القدم، فهل هذه علامات الآخرة؟ وفي هذا السياق، لا بدّ من التشديد على أنّ إدخال أموال إلى الأرض المحتلّة مرهون بقبول إسرائيل وإشراف أميركا وعن طريق البنك المركزي لأية دولة تقوم بالتحويل، وهذا يعني أنّه يتحتّم على العرب مواجهة تل أبيب وواشنطن في هذا المجال، وبالتالي نسأل: فهل هم رجال إلى هذا الحد؟

■ ■ ■



للأسف الشديد، فريق «مكابي تل أبيب» بكرة السلّة فاز ببطولة أوروبا، والفريق هو أنموذج للمجتمع الإسرائيلي من حيث تركيبته، فبالكاد يوجد لاعب إسرائيلي، مع ذلك، فإنّ الاحتفالات بالفوز عمّت المجتمع اليهوديّ، والإجماع حول الفريق تجلّى بأبشع صوره. أمّا نحن العرب، فقد قُمنا بتحضير أكبر صحن كنافة في العالم، وأضخم صحن تبولة لندخل إلى كتاب «غينيس». ولكن لماذا نلجأ إلى الأكل، في حين أننّا، نحن الناطقين بالضاد، نتبّوأ المكان الأوّل، ومن دون مُنازع، في الإرهاب والقتل والذبح؟
* كاتب فلسطيني