في الحلقة الأولى من سلسلة مقالاته حول اليسار اللبناني، كتب أسعد أبو خليل مستنداً إلى كتاب سليمان تقي الدين، عن تشكّل مجموعة «في الجامعة اليسوعيّة في سنوات قبل الحرب: سمير فرنجيّة، جو ميلا، أمين معلوف، اليكو بيضا، هيني سرور، بول أشقر، فؤاد كحيل، نسيم ضاهر، عماد نويهض، نبيل الخشن، غسّان فوّاز، غسان صفيّ الدين، رشيد الضعيف، شوقي الدويهي، مسعود يونس. من بقي من هؤلاء في خط اليسار بحلول منتصف السبعينيات أو أواخرها؟ كيف يمكن أن يتحوّل هذا العدد الكبير من اليساريّين نحو اليمين؟ إلى أي حد كان هؤلاء يساريّين، علماً أن بعضهم مثل توفيق الهندي بدأ يساريّاً متطرّفاً مع ناجي علّوش وانتهى في القوات اللبنانية، واتُّهم في التسعينيّات بالعمالة لـ «إسرائيل». وأمين معلوف عمل في الجهاز الإعلامي لاتفاقيّة 17 أيّار، ويذكر الكاتب أن سمير فرنجية، كما أصبح معروفاً، كان الوسيط بين بشير الجميّل وبين كمال جنبلاط وابنه من بعده».يقول رفيقنا أسعد موضحاً موقفه: «لم يدر في خلدي التعميم عن كل الأسماء فقط أوردت أسماء منها تلك التي عُرفت في الأذهان بالتحول نحو اليمين». بالنسبة إلينا في «الأخبار»، فنحن نعرف جيداً الرفيق والصديق غسان صفي الدين، ونعرف أن الواقعة المنسوبة لا تخصّه. ونعرفه منذ زمان طويل وطويل جداً، وهو لم يكن يوماً لا تروتسكياً ولا هو درس في الجامعة اليسوعية، وكان يسارياً عنيداً في بيروت كما في فرنسا كما في أماكن أخرى من بينها كوبا نهاية الثمانينيات.
لغسان رأيه في غالبية الأمور القائمة. هو لا يدّعي أنه خبير بكل أحوال الحياة. لكنه يملك شبكة علاقات ومخزوناً معرفياً وثقافياً يضعه دوماً في صورة ما يجري من حولنا في العالم، فكرياً وثقافياً وسياسياً. وهو لم يتخلَّ عن قناعاته حيال فكرة العدالة الاجتماعية، ولا تراجع أو تردد في دعم مقاومة الاحتلال والهيمنة والاستعمار. ولا هو تاه بين أندية بيروت الباحثة عن مقعد في زمن الحريرية، أو زمن الرّجل الأبيض بعد عام 2005. وهو ابن الجنوب الذي عاد إليه، بنى منزله فيه، ويقضي وقته بالقرب من فلسطين. لا قلق يعيشه حيال ما يجب علينا القيام به لحفظ حقّنا في حياة حرّة وكريمة في آن. لم يتنازل أمام من خانتهم الفكرة أو اللحظة، وابتعدوا صوب فعل الندامة، وطلب الغفران من قاتل أو فاسد أو عميل... غسان كان ويبقى رفيقاً لصيقاً للقضية التي ترسم الحق بأبهى صوره.
لم يكن أسعد بالتأكيد يقصد الإساءة إلى غسان، وهو أصلاً لا يعرفه شخصيّاً. ولو كان لأسعد ما يقوله مباشرة لفعل ذلك، إذ لا تنقصه الجرأة لذلك. لكن مشكلة الاستناد إلى وقائع مرويّة، في بلاد ممنوع عليها كتاب تاريخ دقيق، تجعل الأخطاء كأنها مقرّرة أو مقصودة عن سابق وتصور وتصميم. وهذا ليس حال أسعد، ولا حالنا في «الأخبار» التي تجدد احترامها للرفيق غسان.