وَاللَّهِ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيَجْلِبُ الْهَمَّ مِنَ اجْتِمَاعِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ فَقُبْحاً لَكُمْ وَتَرَحاً حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرْمَى(نهج البلاغة)

يبدو أنّ ملفّ ترسيم الحدود البحريّة الجنوبيّة وُضع على نار التنازلات إن لم نقل التصفية الحامية. يبدو أيضاً أنّ خطيئة تشرين الأوّل 2011 المتمثّلة بتوقيع المرسوم 6433 من قِبَل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي على أساس الخطّ 23 دون الأخذ بنتائج دراسة المركز الهيدروغرافي البريطاني (UKHO) في طور التكرار على يد الرئيس ميقاتي نفسه. يبدو أنّ أهل السياسة في لبنان قرّروا إعدام الجهد الاستثنائي، بكلّ المعايير، الذي قام به الوفد اللبناني المفاوض والجيش اللبناني والذي لو قُدّر له ووكِب بنفس الزخم والمهنيّة والوطنيّة من أهل السياسة في لبنان لكان أرسى معادلة جديدة لصالح لبنان.
في مقابلة له مع قناة سكاي نيوز العربيّة في السادس من تشرين الأوّل 2021 وفي الشقّ المتعلّق منها بترسيم الحدود البحريّة مع فلسطين المحتلّة، أجاب الرئيس ميقاتي عن سؤال حول وجود موقف لبناني موحّد حول ترسيم الحدود بمناسبة قدوم الموفد الوسيط الجديد آموس هوكشتاين إلى المنطقة (ما صياغته باللغة العربيّة الفصحى قدر الإمكان): «الموقف الواحد الذي اتّفقت عليه مع فخامة الرئيس أنّ لبنان رسّم حدوده وكان نتيجة ذلك الخطّ اللبناني 23. اليوم، بعد عشر سنوات، الأمور تغيّرت مع وجود الأقمار الاصطناعية والهيدروغرافيا المتميّزة. نستطيع القيام بدراسة جديدة هيدروغرافيّة مع رأي قانوني ونعتمد نتائج تلك الدراسة إذا ناسب ذلك لبنان. نحن سنبدأ بهذا الطريق (طريق الدراسة الجديدة) العلمي والقانوني البحت وليس الموضوع سياسي، فنحن يهمّنا استخراج النفط ويهمّنا استخراج الغاز، يهمّنا أن نؤمّن حدودنا، لكن التنازل عن حدودنا غير وارد. بالتالي اليوم سنقوم بالدراسات».
رسم توضيحي رقم 1: نظرة عامة على: خطوط التفاوض بين لبنان والعدو لترسيم الحدود البحريّة الجنوبيّة، حقل الغاز اللبناني المحتمل «العابر للخطوط»، حقل كريش بشطريه الرئيسي والشمالي والبلوك رقم 72 المعروض للتلزيم من قِبَل العدوّ. المساحة التي ينازعنا عليها العدو هي 860 كلم2 بين الخطّين 1 و23 يُضاف إليها 1430 كلم2 بين الخطّين 23 و29.

«إذاً، نحن لا نملك الجواب»، أردفت مقدّمة البرنامج. فأجاب الرئيس ميقاتي: «نحن عندنا مرسوم ومتمسّكون بالنقطة 23. الجيش اللبناني طرح النقطة 29. لكن لا مرسوم في هذه النقطة لحدّ الآن. نحن ليس عندنا تغيير عن النقطة 23 إلى حين ظهور نتائج الدراسات الجدّية الجديدة التي تُعرض علينا وفي ضوئها نأخذ القرار المناسب». وأضافت مقدّمة البرنامج: «ماذا لو مرّ القطار ونحن لا زلنا متوقّفين عند ترسيم الحدود؟»، فأجاب ميقاتي: «الموضوع، وبصعوبة، حسّاس جدّاً لأنّ أي عمليّة سنقوم بها سنُتّهم إمّا بالعمالة وإمّا بقلّة الوطنيّة». «لكنننا سنخسر النفط ومن وراء ذلك...»، قالت مقدّمة البرنامج. فقاطع ميقاتي قائلاً: «نحن لا نستطيع القيام بالترسيم إلّا بعد القيام بدراسات علميّة حقيقية، لئلّا نعرّض أنفسنا لاتّهامات التخوين أو اتّهامات قلّة الوطنيّة»...
سنفنّد في هذا المقال الطروحات والأخطاء الخطيرة التي وردت على لسان الرئيس ميقاتي لما لأهمية ذلك في هذا المُفترق المفصلي في ملف ترسيم حدودنا البحريّة الجنوبيّة. استخدام مُصطلحات «خطأ» و«خطيئة» هو لاعتبار «حُسن النيّة» في ما يحدُث. وإلّا لو محّصنا في تاريخ الملف لَطَفت، دون تحميل الأحداث أكثر ممّا تحمل، دلائل الريبة والفعل المقصود في كثير ممّا حدث منذ بدايات ملفّ الترسيم إلى اليوم. الخطوط المذكورة في النقاش بالإضافة للثروات بين الخطوط مُبيّنة في الرَسمين التوضيحيّين.

خطيئة 2011
بدايةً، نجد أنه لا بدّ من التذكير بحدثين مفصليّين شكّلا قاعدة الكارثة التي يعيشها الملفّ اليوم. الأولى في شهر كانون الثاني2007، حين وقّع لبنان مع قبرص اتّفاقية لترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للبلدين فكانت النقطة رقم 1. لبنان، بدل اختيار نقطة مؤقّتة تمتدّ جنوباً مع فلسطين المحتلّة، أختير، لأسبابٍ غير واضحة، نقطةً متوغّلة شمالاً بعيداً عن النقطة الثلاثيّة (لبنان-قبرص-فلسطين). كانت هذه أولى الأخطاء التي استغلّها العدو ورسّم حدود «منطقته» الاقتصادية الخالصة الشماليّة على أساسه. إذ ليس هناك أيّ سند تقني أو قانوني للنقطة 1 والخطّ «الإسرائيلي» الناتج عنها (الخطّ 31-1). في سنتي 2008 و2009 استكملت لجنة لبنانيّة مشتركة دراسة الحدود اللبنانيّة، وانتهت بالخطّ البائد 23 (الخطّ 18 ــ 23). في تمّوز 2010 قام لبنان بتبليغ الأمم المتّحدة بحدوده على أساس الخطّ 23 وفي الأوّل من كانون الأوّل 2011 أصدر مجلس الوزراء اللبناني برئاسة نجيب ميقاتي المرسوم 6433 مثبّتاً حدود لبنان من طرف واحد. الخطّ 23 غير المبني على أيّ أساس تقني أو قانوني كان الخطيئة الثانية في مسار ترسيم الحدود البحريّة اللبنانيّة. فهذا الخطّ يبدأ من النقطة 18 بدل البدء من نقطة رأس الناقورة ويتبنّى كامل تأثير صخرة تخيليت في المياه الإقليمية وهو مجهول باقي الهويّة في المنطقة الاقتصادية الخالصة إذ يبدو أن ليس هناك أيّ تفسير تقني للنقطة 23. قبل صدور المرسوم 6433 بأكثر من شهر صدر عن المكتب الهيدروغرافي البريطاني (UKHO) نتائج دراسة للحكومة اللبنانيّة تنصّ بأنّ حدود المنطقة الاقتصاديّة للبنان ممكن أن تمتدّ لمساحة إضافيَة واسعة جنوباً في حال عدم احتساب أثر صخرة تخيليت أو حتّى في حال احتساب أثر جُزئي لتلك الصخرة. تقرير الـ UKHO، ولأسباب مجهولة ومُريبة، لم يُعرض على مجلس الوزراء وأُقرّ المرسوم بالتالي دون الأخذ بعين الاعتبار نتائج تلك الدراسة. في نفس السياق وفي حزيران 2013، أتمّ المقدّم البحري مازن بصبوص بحثه لنيل إجازة رُكن عن نفس الموضوع. دراسة بصبوص أكّدت نتائج الـ UKHO من حيث حقّ لبنان بمساحة تزيد عن 1400 كم2 فوق الـ 860 كم2 التي تُنازعنا عليها «إسرائيل». كان الخطّ البائد الهجين 23 وتوقيع المرسوم اللبناني 6433 على أساسه هو الخطيئة اللبنانيّة الثانية في ملفّ الترسيم.
قبل عقد وقّعت حكومة ميقاتي المرسوم 6433 على أساس الخطّ 23، مسقطةً نتائج دراسة المركز الهيدروغرافي البريطاني، يبدو أنّ الخطيئة نفسها ستتكرر اليوم على يد ميقاتي نفسه!


نام ملفّ الترسيم لغاية حزيران 2018 عندما أتمّت مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش اللبناني والتي أُنشئت سنة 2014 مسحاً دقيقاً للشاطئ اللبناني الجنوبي وقامت بإعادة تحديد للمنطقة الاقتصادية الخالصة على أُسُس تقنيّة وقانونيّة متينة والتي أكّدت نتائج دراسة الـ UKHO ونتائج العقيد الركن بصبوص فكانت الولادة الرسميّة للخطّ اللبناني الجديد 29 من قبل فريق لبناني وطني كفوء. في كانون الأوّل 2018 أحال الجيش اللبناني نتائجه وتوصياته لمجلس الوزراء لاتّخاذ القرار المناسب وكاد تعديل المرسوم 6433 أن يوضع على طاولة مجلس الوزراء في تمّوز 2020. ولكنّه لأسباب «مجهولة» لم يُوضع. بين أخذٍ وردّ بعيداً عن الإعلام وتقصيرٍ من هنا وتهاونٍ من هناك، وَصَلنا إلى اتفاق الإطار لبدء المفاوضات «الغير» مباشرة التي بدأت في تشرين الأوّل 2020 من دون تثبيت المُعطى الجديد، ومن دون تحديد الإطار القانوني للمفاوضات، أي اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وإذا بالوفد المفاوض يفجّر قنبلته ويطرح المفاوضات على أساس الخطّ 29.

طعن ذوي القربى
بدايةً، تجدر الإشارة إلى أنّ «الأقمار الاصطناعية» و«الهيدروغرافيا المتميّزة» كانت موجودة في سنة 2011 حينما أُعدّت دراسة المركز الهيدروغرافي البريطاني. في 2011 كانت الأقمار الاصطناعية موجودة ولم يكن البشر آنذاك يهتدون بالنجوم. كلّ الفرق بأنّ مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش اللبناني لم تكن موجودة آنذاك وهي أُنشئت في سنة 2014، وجُهّزت بأحدث التقنيّات ودُرّب عديدها أفضل التدريب لكي يقوموا بمسؤوليّاتهم الوطنيّة المتمثّلة بترسيم الحدود البحريّة وهم قاموا بدورهم هذا على أكمل وجه وأكّدت نتائجهم دراسة العقيد الركن مازن بصبوص والتي بدورها أكّدت نتائج الـ UKHO، نفس النتائج التي بُيّتت في الأدراج في تمّوز 2011 ولم تُستخدم آنذاك لتعظيم المصلحة الوطنيّة.
الرئيس ميقاتي يريد دراسة «جدّية» و«علميّة» تقوم بها شركة أجنبيّة وفي ذلك نفي صريح لكلتا الصفتين عن الدراسة التي قام بها الجيش اللبناني الوطني وضرب لمصداقيّة هذا الجيش وما تبقّى من الثقة بمنتجنا الوطني في لحظة أحوج ما نحتاج إليه فيها هو رفع الثقة بهذا البلد وبقدرات أهل هذا البلد. قد يتوقّع المفاوض اللبناني والجيش اللبناني الطعنات بصدقيّته من قِبل العدو، لكن آخر ما يمكن أن يتوقّعه أن تأتيه تلك الطعنات من بين ظهرانيه.
قَتَل الرئيس ميقاتي نتائج دراسة الجيش اللبناني والوفد المفاوض عبر التأكيد على قانونيّة الخط 23 حصراً والاعتماد عليها إلى حين صدور نتائج دراسات الرجل الأبيض. مهما زيّن المزيّنون لتورية عوراتهم، هذا يعني أنّ عودة الوفد اللبناني المفاوض إلى طاولة المفاوضات إذا عاد ستكون على أساس الخطّ 23 وفي ذلك ملاقاة للوسيط الأميركي الجديد آموس هوكشتاين في مهمّته المحصورة بقتل الحقّ اللبناني الذي وُلد على أيدٍ لبنانيّة وإعادة لبنان لبيت الطاعة الإسرائيلي في ملفّي الحدود والثروات.
على الأهمّية الاستثنائيّة لموضوع ترسيم الحدود البحريّة والثروات المتعلّقة بها من الناحية الوطنيّة، جلّ ما يفكّر به الرئيس ميقاتي في هذا الموضوع هو ألا يعرّض نفسه لاتّهامات التخوين أو اتهامات قلّة الوطنيّة. لا بأس بأن تضيع الحقوق والحدود على ألا يتعرّض للاتهام. ما خفي على الرئيس ميقاتي بأنّ الوطنيّة الحقّة هي حينما يكون المسؤول على استعداد لبذل الغالي والنفيس من أجل الوطن وحتّى لو اقتضى الأمر بذل ماء الوجه.


نعيد ونكرّر التحذير من خطورة السير بالاستعانة بشركة ترسيم أجنبية للمساهمة بترسيم الحدود البحريّة في هذه اللحظة المفصليّة من تاريخ ملفّ الترسيم ونهيب بالقوى الوطنيّة الحيّة برفع الصوت بوجه هذا الطرح وفعل كلّ ما يلزم لإفشاله. من الخطأ الجسيم الذي يرقى إلى الجريمة بحقّ الوطن تهميش الدراسة التقنيّة والقانونيّة التي قام بها خبراء الوفد اللبناني المفاوض والجيش اللبناني والتي نتج عنها الخطّ اللبناني المدعّم تقنيّاً وقانونيّاً ٢٩. إنّ في الاستعانة بشركة أجنبيّة محاذير كثيرة يجب التنبّه إليها عند وضع البيض اللبناني كلّه في سلّة تلك الشركة. شركةٌ كهذه عندما يجدّ الجدّ لن تكون قراراتها بمعزلٍ عن الضغوط السياسيّة ـــ على الأقلّ الناعمة منها. ماذا لو صدر قرارٌ ظالمٌ للبنان عن هذه الشركة الأجنبيّة المزعومة؟ عِلماً بأنّ أيّ قرار يصدر عن هذه الشركة أقبِلنا به أم لم نقبل، سيصبح مُعطى لا يمكن التملّص منه في أيّ مفاوضات مستقبليّة. الخوف على ما بدا جليّاً من كلام الرئيس ميقاتي من أن تكون أهداف الدراسة المقترحة قتل الدفع الكبير الذي صنعه لبنان في ملفّ ترسيم الحدود البحريّة وتهميش الجهد الكبير لوفدنا اللبناني المفاوض والجيش اللبناني وتضييع حقوقنا في غياهب التسويف، والمماطلة، والمساومات، والصفقات.

باب للتطبيع
لقد استطاع الوفد اللبناني المفاوض عبر طرحه التقني والقانوني المتين إعادة رسم لإطار المفاوضات مع العدو بما يكبّر المصلحة الوطنيّة المُحِقّة والمساهمة في التخفيف من الآثار الكارثيّة للخطايا التاريخيّة التي نُكِب بها ملفّ الترسيم. لم يُوقَّع المرسوم 6433 المُعدّل بعد ولم تُودَع نقاط الخطّ اللبناني 29 الأمم المتّحدة. ولا يبدو أنّ ذلك سيحصل، بعد تصريح الرئيس ميقاتي. إنّ كلّ الحُجج التي أُعطيت للإحجام عن التوقيع واهية. فقد تأكّد أنّ تبادل كرة النار فيما خصّ الصلاحيّات هو غُبارٌ أخفى وراءه النيّة المُسبَقة بعدم المضيّ قُدُماً في هذه الطريق. وما الإعلان الجديد عن نيّة لبنان الاستعانة بخبراء أجانب للمساهمة في ترسيم الحدود إلّا الباب لقتل الخطّ اللبناني 29 والعودة إلى الخطّ القديم.
كلّ الدلائل تُشير بأنّ هذا الملفّ الوطني ينحدر بسرعة إلى موجةٍ ثالثةٍ وأخيرةٍ من التنازلات التي ستقضي على الحلم الوطني باستثمار ثرواتنا المتوقّعة والمحقّة. فتزامن تعيين آموس هوكشتاين المقرّب من الرئيس الأميركي جو بايدن لإدارة ملفّ الترسيم مع العرض المُريب للاستعانة بشركة ترسيم أجنبيّة والإحجام المُخزي عن توقيع المرسوم 6433 المُعدّل يشي بنار تنازلات حامية على كلّ المخلصين في الوطن الوقوف بوجهها ومنع حصولها.
إنّ توقيع لبنان للمرسوم 6433 المعدّل وإيداع الخطّ اللبناني 29 الأمم المتّحدة هو في رأينا أنجع الطرق لتكبير مصلحة لبنان فيما خصّ الثروات في منطقته الاقتصاديّة الجنوبيّة الخالصة. من المؤكّد بأنّ الامتناع عن تعديل المرسوم أيّاً تكن الحُجج يُفقد الصدقيّة لأيّ طرح أو إصرار للمفاوض اللبناني لمناقشة الحقوق اللبنانيّة جنوب الخطّ 23. فالمنطق يُحتّم بأنّه لو كنّا نعتقد بحقّنا لعدّلنا المرسوم. من جهةٍ أخرى، وأنكى تلك الحُجج الرأي القائل بأنّ تعديل لبنان للمرسوم 6433 يجعل أيّ تنازل عن أرضٍ شمال الخطّ اللبناني 29 يُظهر اللبناني بمظهر المتنازل عن حقوقه فيُتّهم بالتالي بالتخوين و«قلّة الوطنيّة». وفي هذا ما يُجافي المنطق. فمجرّد الذهاب إلى المفاوضات في تشرين الأوّل 2020 يعني منطقيّاً قبولاً بمبدأ التنازلات شمال الخطّ البائد 23. من جِهةٍ أخرى، إنّ استخدام فزّاعة عزوف توتال عن الحفر في البلوك رقم 9 بسبب «تعنّت» لبنان حول الخطّ 29 ممّا يؤدّي إلى إفشال المفاوضات هو وهمٌ أُريد بيعه. فتوتال أخّرت موعد الحفر لغاية الـ 2024 على أقرب تقدير وعلى ما يبدو وبحسب كلّ الدلائل ستتنصّل من عقدها.
الخطّ اللبناني رقم 29 له تداعيات اقتصادية واستراتيجيّة كبرى على ملفّ الثروات البحريّة اللبنانيّة. وما حقل شمال كريش إلّا بعض الثروات التي يعيدها الخطّ الجديد إلى لبنان. فأكبر الحقول جنوب البلوك رقم 9 وأهمّها وأكثرها احتمالاً لاكتشاف الغاز يُصبح بشكلٍ تام ضمن المنطقة اللبنانيّة الخالصة تبعاً للخطّ اللبناني رقم 29. هذا يشكّل معطى إستراتيجي جديد في آليّة تطوير هذا الحقل من الجانب اللبناني فلا حاجة حينئذٍ لأيّ تنسيق من أيّ نوعٍ كان مع العدو لتطوير الحقل المُحتمل، وأيّ باب من أبواب التطبيع المتأتّية من ذلك التنسيق. تجدر الإشارة بأنّ آموس هوكشتاين الوسيط النزيه القادم على أجنحةٍ من تنازلات مُسبقة هو عرّاب هذا الطرح.

* أستاذ في الجامعة الأميركيّة في بيروت
حسابه على تويتر: @KassemGhorayeb