عند كلّ استحقاق سياسيّ أو مطبّ في لبنان، تبرز المشكلة القديمة الجديدة المتمثّلة بتأمين الكهرباء والطاقة. مرات عدّة شارفت هذه الأزمة على سلوك طريق الحلّ قبل أن تصطدم بعراقيل شتّى وتعيد عقارب الساعة إلى الوراء سنين بل عقوداً. وبذلك يتمّ التمديد لنموذج يشكّل أحد أكبر مكامن الهدر، أكان بالنسبة للخزينة العامّة أم لاحتياطات العملة الصعبة لدى مصرف لبنان، كما بات معمّماً أخيراً.سنوات من الهدر والفساد الداخلي أوصلت قطاع الطاقة إلى ما هو عليه، وفي معظم الأحيان كان ذلك مقصوداً إمّا لتأمين استدامة أرباح أصحاب المولدات الخاصّة الأكثر كلفة التي ملأت (بطريقة غير شرعية) ساعات تقنين خدمة الكهرباء المقدّمة من الدولة (ورأينا في عام 2018 كيف رفض زعيمان سياسيان قريبان من أصحاب مولّدات رسوّ الباخرة التركية المجّانيّة التي حصل عليها لبنان لمدّة ثلاثة أشهر، في الزهراني ثم في الجيّة، قبل أن ترسو في الذوق)، أو من أجل قطع الطريق على شخص معيّن يعمل لحلّ المشكلة، وذلك كي لا يظهر هو وحيداً بصورة «المخلّص» فيما الآخرون «فاشلون» (المثال الأبرز إقالة الوزير جورج أفرام سنة 1993 بعد تقدّمه بخطّة لحلّ الكهرباء، أو إسقاط مشروع معمل دير عمار سنة 2015 من وزير المالية).

ولكن هذا موضوع لن نفصّله أكثر في هذه المقالة. موضوعنا هو دور الولايات المتحدة الأميركيّة في وصول وضع قطاع الكهرباء في لبنان إلى ما هو عليه، وهو دور أكبر بكثير ممّا يظنّ البعض، حتى بين الذين يعرفون مسبقاً بوجود دور كهذا، وهو يتجاوز رعايتها عملاءَها وكومبرادوراتها في السلطة ممّن ذُكر دورهم آنفاً. وهو بالطبع ليس «نظريّة مؤامرة» كما يهبّ كثر للادّعاء عند سماعهم أصغر كلمة تنتقد إمبراطوريّتهم المفضّلة، ولا ترضي (أي الكلمة) حقدهم الأعمى على دول منطقتهم وشعوبها.

موارد المستضعفين
دور الولايات المتحدة في أزمة الكهرباء يبدأ من أعلى الهرم، أي من طبيعة نظامها كما النظام الاقتصاديّ اللبنانيّ الذي يُعتبر صورة مصغّرة عن رديفه الأميركيّ، رغم علاقة الآمر والتابع بين الاثنين. فركائز النظام الرأسماليّ تعتمد على تحقيق الأرباح مهما بلغت التكاليف البيئيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والصحيّة والبشريّة، كما على استغلال الموارد، خصوصاً تلك التابعة للبلدان المستضعفة، وإقصاء كلّ ما قد يمسّ مصالح التجّار الكبار والشركات الضخمة والمتموّلين ومحرّكي حبال الدولة العميقة في أميركا. وهذا ما يفسّر اعتماد الجزء الأكبر من العالم حتى يومنا هذا على الطاقة غير المتجدّدة (كالنفط والغاز والفحم وغيرها) لتأمين الكهرباء، وتحمّل تكاليفها الباهظة (على المعمورة وسكّانها) إن كان صحيّاً أو ماليّاً أو بيئيّاً أو بشريّاً، رغم قدرة الطاقة المتجدّدة (الشمس، الرياح، الماء) على توفير أضعاف وأضعاف الطاقة التي يحتاج إليها العالم برمّته.
وذلك يحصل عبر الحروب، فمن دون الإمبرياليّة لا يستقيم النظام الرأسماليّ الأميركيّ، أو عبر فرض الأنظمة الاقتصاديّة التي تلائم مصالح الولايات المتحدة وشركاتها، وذلك باستخدام وسائل شتّى أبرزها المنظّمات الدوليّة كالبنك الدوليّ وصندوق النقد الدوليّ؛ فتشنّ الولايات المتحدة حروباً عسكريّة واقتصاديّة على الدول التي تملك مخزوناً هائلاً من الموارد، وتصبح بلدان لديها احتياطيّات عالميّة ضخمة، مثل العراق وليبيا وفنزويلا وإيران وبوليفيا، تعاني من أزمات كهرباء!
ولبنان واحد من هذه الدول (سنتناول موضوع الغاز هنا لاحقاً)، فضلاً عن أنّه أحد بلدان المنطقة التي على الكيان الصهيونيّ أن يمتلك الأفضليّة عليها، ولو بالقوّة. ولذلك كان الكيان في حروبه على لبنان يستهدف محطّات إنتاج الطاقة وخزّانات المحروقات وغيرها من متطلّبات الطاقة، بدعم ورعاية أميركيَّين، وتواطؤ وكلاء أميركا في لبنان الذين فضحت تسريبات ويكيليكس دورهم في عدوان تموز 2006. أمّا بالنسبة إلى النظام الاقتصاديّ، فيتمّ فرض النظام النيوليبراليّ على البلدان النامية لضمان استدامة ديونها، وارتهان اقتصاداتها بالتالي للصناديق الدوليّة والدول المانحة ومن ورائها أميركا (وهي تشكّل «المجتمع الدولي» الذي يبذل البعض في لبنان كلّ جهد لإخافتنا من عدم إرضائه؛ فمصالحه أهم من مصالح المواطنين).
تضع الصناديق والدول المانحة شروطاً على البلدان تُعتبر تدميريّة للاقتصاد، وهو ما حصل في لبنان وتسبّب بعجز في ميزانيّة الدولة كما لدى مؤسّسة كهرباء لبنان، ويُراد له أن يحصل مجدّداً مع صندوق النقد. وبذلك وصل الاقتصاد اللبنانيّ إلى الانهيار التامّ، وتأثّر بالتالي إنتاج الكهرباء (الرديء أساساً) تلقائيّاً، وأضيف إليه تقنين المولّدات الخاصّة. والأخطر أنّ بعض الجهات الخارجيّة سوف تستخدم شركاتها وتستغلّ الوضع الراهن لتسويق رغبتها في الاستثمار بمعامل إنتاج جديدة، وهدفها ليس سوى ضمان ارتهان لبنان لها، أقلّه في قطاع الطاقة. هكذا إذاً تكون الولايات المتحدة مستفيدة من أزمة الكهرباء في لبنان حتّى من دون بذلها جهداً إضافيّاً، إذ كما شرحنا نظامها بجوهره لا يقوم من دون الاعتماد على الآخرين المستضعفين واستغلالهم وسرقة مواردهم.

نقيض إديسون
الأمر لا يتوقّف عند طبيعة النظام الرأسماليّ الأميركيّ، إذ تضع الحكومة في الولايات المتحدة مناهج تربويّة مخصّصة، وتضغط اللوبيات على مراكز الأبحاث، من أجل تزوير التاريخ والمعرفة العامّة بما يتناسب مع مصالح المستفيدين. فيحتفل الأميركيون والعالم مثلاً بـ«إنجازات» ثوماس إديسون، رغم أنّه لم يكن سوى رجل أعمال قريب من الدولة التي تضع مصالح شركات النفط فوق أي اعتبار، وهو لم «يخترع» لمبة الإنارة إنّما كل ما قام به كان استخدام مواد أوليّة أرخص سعراً تلائم الاستهلاك التجاريّ. من لا نسمع عنه هو نيكولا تسلا الذي كان النقيض التامّ لثوماس إديسون. أراد تسلا منذ أوائل القرن الماضي توفير الكهرباء مجّاناً لجميع الناس، فعمل على الموجات الكهرومغناطيسيّة، وتوصّل إلى خطّة تقضي بإنتاج الكهرباء عبر محطّات لاسلكيّة توزّع على مختلف المناطق (لم يتمّ اعتماد تكنولوجيا مماثلة إلّا حديثاً في الهواتف الذكيّة التي تُشحن لاسلكيّاً عبر محطّات صغيرة موصولة بالكهرباء).
لطالما كان الكيان الإسرائيلي في حروبه على لبنان يستهدف محطّات إنتاج الطاقة وخزّانات المحروقات وغيرها، بدعم ورعاية أميركيَّين، وتواطؤ وكلاء أميركا في لبنان


بالطبع، لم ترقَ هذه الإنجازات لأصحاب شركات النفط الذين لديهم قدرة هائلة على التأثير في صنع القرار في الولايات المتحدة، لا بل يحكمون البلاد، كما لديهم القدرة على وقف مخطّطات كالتي يفكّر بها تسلا، وهو ما حصل فعلاً. كان ثوماس إديسون الأداة التي نفّذت قرار الدولة العميقة بتحييد تسلا. مات تسلا فقيراً بالكاد يملك قوت يومه، رغم كلّ إنجازاته التي تفوق عدداً وأهمّية تلك العائدة لإديسون، ورغم أنّه كان أوّل من تحدّث عن تكنولوجيا الاتصالات اللاسلكيّة. تحدّث الرجل عن اتّصال الفيديو الذي ينقل الداتا بين القارّات بسرعة الضوء، حتّى قبل بدء بثّ أوّل إذاعة محليّة عبر الراديو! وحديثه لم يكن مجرّد توقّعات صائبة بل تحاليل علميّة عن التكنولوجيا التي دُفنت لقرن تقريباً قبل أن تُستخدم اليوم. على المقلب الآخر، عاش إديسون مُتخماً بالأموال التي جناها عبر تنفيذ مصالح الدولة العميقة (ومصالحه الشخصيّة، بالتأكيد). كم كانت الحياة مختلفة اليوم لو أنّ الجميع يحصل على الطاقة الكهربائيّة المجّانيّة والصديقة للبيئة! سرد قصّة تسلا هي بهدف تبيان تاريخ دور الولايات المتحدة في منع الكهرباء عن الناس وعمقه، وهو ليس سوى رأس جبل الجليد في ما ستقوم به لاحقاً.

الحرب على سوريا
ذكرنا سابقاً دور الحروب الأميركيّة والإسرائيليّة على لبنان في تدمير قطاع الطاقة، إلّا أنّ الحرب على سوريا أضرّت بالاقتصاد اللبنانيّ ربما بقدر ما أضرّت بنظيره السوريّ. فبسبب الاحتلال، لا يملك لبنان منفذاً برّيًاً سوى على سوريا التي كان يصدّر عبرها إلى العراق وباقي دول الخليج وسائر آسيا، ويشتري منها الكهرباء. أُغلقت الحدود أمام الاستيراد والتصدير، وأضحت العلاقة شبه مقطوعة بين البلدين، وانتشرت الجماعات الإرهابيّة المموّلة أميركيّاً (باعتراف المسؤولين الأميركيّين أنفسهم)، ولجأ عدد كبير من السوريّين إلى لبنان، ودُمّرت محطّات الكهرباء وتحويل الطاقة وأنابيب نقل النفط (والتي لا صلة لها بمجرى الحرب، ما يضع الشكوك حول تعمّد تدميرها من قِبل الرعاة الخارجيّين)، وفُرضت العقوبات على سوريا وكان آخرها وأسوأها قانون قيصر الأميركيّ الذي حظّر على لبنان، علناً، استجرار الكهرباء من سوريا. كلّ هذه العوامل أزّمت قطاع الكهرباء في لبنان أكثر ممّا هو عليه، وكلّها من إنتاج أميركيّ. ولتزيد الطين بلّة، منعت الولايات المتحدة الحكومة اللبنانيّة من استخدام مصفاة طرابلس لاستقدام النفط عبر خطّ كركوك – طرابلس وتشغيل معامل الكهرباء، وحجّتها (الكاذبة، بالطبع) كانت أنّ الأنبوب يمرّ عبر سوريا وبذلك ستستفيد إيران وروسيا من العمليّة.

العصا والفيتو والعقوبات
لطالما كانت الحكومة اللبنانيّة حذرة من التعاطي مع دول معيّنة، ولا سيّما من الشرق أو الجنوب، أو حتى بعض دول الغرب كما شرق أوروبا وأميركا اللاتينيّة، ويكون التبرير دائماً عدم إغضاب أميركا. فهذه الأخيرة التي تملك الفيتو في الشأن اللبنانيّ، لا يمكن مخالفة قراراتها. ترغّب المسؤولين اللبنانيّين بالعصا أو الجزرة، وإلّا فتهدّدهم بالعقوبات. وهم يطيعون ويمتثلون للأوامر خوفاً على مصالحهم الخاصّة وأموالهم في الخارج، وهذا المؤشّر الأوّل على عدم أهليّتهم كما على عدم امتلاكهم الجرأة ولا الحسّ الوطنيّ. فما الذي يفسّر بقاء قطاع الكهرباء على ما هو عليه، وتبذير أموال مصرف لبنان والمودعين، بوقت عرضت الصين خطّة مثاليّة؟ كيف يمكن رفض عرض لبناء معامل إنتاج كهرباء ومرافئ وجسور وأنفاق، وكلّها BOT، أي أنّ الدولة لا تنفق ليرة واحدة وتتسلّم المعامل بعد مدّة؟ كيف يمكن رفض العرض الإيرانيّ بشراء النفط بالليرة اللبنانيّة التي يطبع منها مصرف لبنان، بعكس العملات الأجنبيّة التي مخزونه منها محدود (بشّرتنا إحدى الإعلاميّات بأنّ «الدفع دفع» أكان بالليرة أم بالدولار، وهي إمّا تجهل الفرق بين الاثنين أو تتجاهله عمداً)؟ كيف يرفض حاكم مصرف لبنان (حليف الولايات المتحدة) فتح اعتمادات لصيانة معامل الكهرباء، فيما يدرك جيّداً أنّ كلّ كيلواط تنتجه المولّدات الخاصّة يستنزف من العملات الصعبة 30٪ أكثر من الكيلواط الذي تنتجه مؤسّسة كهرباء لبنان؟ أيّ دولة هذه التي لا تعرف مصلحتها، وأبوابها مشرّعة أمام التدخّل والفيتو الأميركيّين؟ وفوق ذلك كلّه، منعت الولايات المتحدة لبنان من استجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر، ولولا كسْر حزب الله قواعد الحصار المفروض أميركيّاً عبر استقدام بواخر النفط الإيرانيّة من خارج إجراءات الدولة، لما كانت السفيرة الأميركيّة قد أطلّت لإعلان «قبول» إدارتها السماح للبنان باستجرارهما. لكن «قبولها» هذا بذاته مثير للريبة، ويضع تساؤلات عدّة؛ فغير أنّ القرار أتى متأخّراً جدّاً (يحتاج تنفيذه إلى 6 أشهر على الأقل، وكان من الأسهل كثيراً لو أتى قبل الانهيار الاقتصادي)، وغير أنّه يحتاج إلى اتفاقيات وموافقة سوريّة، فإنّ مصر والأردن يشتريان الغاز الإسرائيليّ (الذي هو بالمناسبة ليس سوى الغاز الفلسطينيّ المسروق)، فهل تحاول السفيرة وإدارتها إفادة الكيان الصهيونيّ من الأزمة اللبنانيّة، أكثر ممّا هو يستفيد حاليّاً؟

الغاز في المياه اللبنانية
الغاز في المياه الإقليميّة اللبنانيّة ليس موضوعاً جديداً، ولا محاولة التنقيب عنه. ما إن بدأ الحفر في البلوك رقم 4 (كالعادة عبر شركات رأسماليّة بدلاً من القطاع العامّ) حتى توقّف بحجّة عدم وجود كمّيّات كافية تجاريّاً، رغم أنّ كلّ الدول المحيطة نقّبت ووجدت كمّياتها التجاريّة! مجدّداً برز دور الولايات المتحدة في منع لبنان من استخراج غازه لاستخدامه في معامل الكهرباء وتحقيق نوع من الاكتفاء الذاتيّ في هذا المجال، ما يُقصي الحاجة إلى الاستيراد. وتزامن ذلك مع منع لبنان من التنقيب في البلوك رقم 9، بحجّة وجوب ترسيم الحدود مع الكيان الصهيونيّ أوّلاً (وهو بسبب «خطأ» ارتكبته حكومة فؤاد السنيورة سنة 2007 بترسيم الحدود مع قبرص، ومن ثمّ تثبيت حكومة نجيب ميقاتي الثانية ذلك عبر إيداعه لدى الأمم المتّحدة، ولكن لا ننسى العصا والجزرة الأميركيّتين). في البلوك رقم 9، وتحديداً في حقل كاريش، كمّيّات هائلة من الغاز، وهو ما يضعه نصب أعين «إسرائيل» ومن خلفها الولايات المتحدة. وكلّ يوم تأخير في التنقيب عن الغاز هو يوم تأخير إضافيّ لإمكانيّة استفادة معامل الكهرباء العاملة على الغاز منه.

الدور الإعلاميّ
حتى الإعلام لعب دوراً في منع الحلول في قطاع الكهرباء، ولا سيّما القنوات والوسائل التي تدعمها الولايات المتحدة. فهي عبر التعمية وذرّ الرماد في العيون، تضع المسؤوليّة على خصوم الولايات المتحدة، عن حقّ أو عن باطل، دون غيرهم. وبذلك يصبح من الصعب إن لم يكن مستحيلاً على الجمهور تحديد المسؤوليّات، ويكون المسؤول الحقيقيّ قد «نفد بريشه». صحيح أنّ وزراء الطاقة المتعاقبين مسؤولون، ويؤخذ على معظمهم خوفه من العصا الأميركيّة ولو على حساب سمعته، غير أنّ صبّ جام المسؤوليّات عليهم خطأ أيضاً. فوزراء الطاقة ليست لديهم كلّ الصلاحيّات ولا سيّما الاستراتيجيّة منها، وإلّا لكان أحدهم على الأقل قد حلّ المشكلة بنفسه (تجربة جورج أفرام خير مثال). فها نحن وضعنا المسؤوليّات على الوزير والوزير فقط، وهذا المنصب تسلّمته أسماء عدّة، وهذه الأزمة هي هي. لماذا؟ لأنّ فرع الإعلام اللبنانيّ التابع للولايات المتحدة جعلنا نقوم بذلك حماية لمصالحها ولاستدامة النموذج الذي يُبقي لبنان تابعاً اقتصاديّاً. ومن هنا نفهم موقف هذا الفرع تجاه الناقلات الآتية من إيران، فكيف لأحد أن يتجرّأ على كسر تبعيّة لبنان التي عملت عليها أميركا منذ الخمسينيّات على الأقلّ؟ لا صوت يعلو فوق مطالب شركات النفط، ولا حتّى صوت المواطن الذي ندّعي (كوسائل إعلام مرتهنة) مناصرته ليلاً نهاراً! بالمناسبة، استفادت السفارة الأميركيّة في عوكر خلال السنوات الماضية من الدعم على المحروقات والكهرباء مثلها مثل هذا المواطن «المعتّر»، ولكن لا نسمع معلومة كهذه على الوسائل الإعلاميّة المذكورة.

خلاصة
ما سلّطنا الضوء عليه في هذه المقالة لا يغطّي بالضرورة كلّ الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في منع الكهرباء عن لبنان، ولا يُبرز الدور الذي تلعبه دول أخرى، ولو أنّه أصغر من دور الولايات المتحدة. فكلّ ذلك يحتاج إلى دراسات أكبر وصفحات أطول، نظراً لتشابكه مع مختلف الأمور الأخرى وارتباطه بالرأسماليّة العالميّة مباشرة. ولكنّ الهدف هو محاولة فهم حجم هذا الدور وتأطيره تحضيراً للمعركة الكبرى ألا وهي معركة التحرّر الوطنيّ، الفعليّ لا الاسميّ فحسب. عسى أن يتّعظ المعنيّون ويتجرّؤون ولو لمرّة على مخالفة قرارات الإمبراطوريّة بقرارات مضادّة وطنيّة جريئة، ويبدؤون بالتفكير خارج الأطر التقليديّة واعتماد مصادر طاقة متجدّدة تغنينا عن التعطّش إلى المحروقات وحديثها!
* باحث لبناني