في الموت لا شماتة، حتى لو كان الراحل مجرم حرب شارك مع أمثاله في ارتكاب واحدة من أبشع جرائم الحرب الكبرى في العراق وقبلها في أفغانستان.لكن في الموت عبرة ليس للمتوفى فحسب، بل لكل من عاش معه مشاركاً في جريمته أو في التحريض عليها أو في تسهيل تنفيذها أو في السكوت عنها، فالساكت عن الحق شيطان أخرس...
العبرة في رحيل دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي السابق، زمن الحرب على أفغانستان والعراق عامي 2001 و2003، إنها تذّكرنا بأن البوابة التي دخلت منها الشرور كافة إلى هذه المنطقة مع بداية القرن الحادي والعشرين كانت في احتلال بلد مسلم هام كأفغانستان، وبلد عربي ومسلم ذي تراث حضاري عميق ورسالة إنسانية خالدة كالعراق.
يومها ظنّ كثيرون أن الأمر لا يتعدى إسقاط منظمة متطرفة هي طالبان في كابول، وحزب حاكم كحزب البعث في العراق... لتُظهر الأيام أن المستهدف بتلك الحربين كان منطقة بأسرها، بل العالم كله، وقد بات خاضعاً لقطبية أحادية دولية تحاول النيل من كل من يحاول التمرّد على هيمنتها.
والعبرة أيضاً هي في خطأ كل من استخف بقدرة المقاومتين العراقية والأفغانية على إلحاق الهزيمة بالاحتلال في البلدين بل وفي قدرتهما مع قوى الأمة الحيّة وأحرار العالم على فتح الطريق إلى عالم جديد نستطيع كعرب ومسلمين أن نفاخر أننا والعديد من قوى الحرية والاستقلال في العالم نجحنا في إسقاط نظام عالمي والبدء بتشييد نظام آخر.
العبرة أيضاً وأيضاً أن رامسفيلد وأركان إدارة بوش الصغير في واشنطن قد اعتقدوا، كما كل طاغٍ ومتجبر، أنهم بجبروتهم قادرون على إخضاع شعوب حرّة وأمم عريقة في مواجهتها لكل طامع في بلادها... واكتشفوا، ومعهم من راهن عليهم، أنهم قد أخطأوا بحق بلادهم بقدر ما أخطأوا بحق الآخرين...
والعبرة أيضاً في أن من اختاروا منذ اليوم الأول للحربين المشؤومتين الوقوف إلى جانب شعبيهما ومقاومتيهما يستحقون التقدير... بل الاعتذار لهم ممن أساء فهم موقفهم، ليس لسلامة هذا الموقف فحسب، بل لحسن قراءتهم للأحداث... ولقوة التزامهم بالمبادئ... والأخلاق...
«إنما الأمم الأخلاق ما بقيت/ فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا»
يبقى سؤال أخير، هل يستفيد أبناء أمتنا، وأحرار العالم من هذه العبر، في تغليب الاعتبارات الرئيسية على الحسابات الصغيرة والحساسيات العابرة... وأن يدركوا أن أمتنا ما اتّحدت يوماً إلّا وانتصرت وما تفرّقت يوماً وتناحرت إلّا وانهزمت.

* كاتب وسياسي لبناني