ثالثاً: في دور الدولة في الاقتصاداتجهت النيوليبرالية في العالم نحو الأفول فعلياً بعد أزمة النظام الرأسمالي عام 2008. وهذا التوجّه آخذ في التبلور أيضاً من خلال السياسات الجديدة المتبعة راهناً حول العالم، وبخاصة في خطط بايدن الجديدة، وكذلك من خلال إدراك عدد كبير من الاقتصاديين أن الاقتصاد الخاص لا يمكنه أن يعمل بكفاءة من دون دور كبير للدولة في توفير الحماية الاجتماعية ورفع مستوى الطلب الكلي وتحفيز الاستثمار في الاقتصاد ككل. وهذا ما ينسحب أيضاً على النمط اللبناني من النيوليبرالية، الذي اتجه نحو السقوط إثر انتفاضة أكتوبر 2019 بعدما أمعن في إضعاف قاعدة النمو والاستثمار المنتج وقلّص الإنتاج الصناعي والزراعي وعزّز سيطرة الاحتكارات والأنشطة الريعية والاستيراد الاستهلاكي وأدخل لبنان في أعمق أزمة اقتصادية في تاريخه. ويطرح الحزب على نفسه في هذه المرحلة الانتقالية العديد من المهمّات، وأبرزها:
- العمل على استرداد دور الدولة الفاعل وتأكيد ملكيّتها لمرافق عامة أساسية في الاقتصاد، كالكهرباء والاتصالات والمياه والطاقة، من خلال امتلاك رؤية اقتصادية بعيدة المدى وإعادة الاعتبار للموازنة العامة والاستثمار الحكومي في تطوير وصيانة شبكات المرافق العامة والبنى التحتية والالتزام بقانون عصري للشراء العام، بحيث تغطي هذه الشبكات بصورة متوازنة المناطق اللبنانية المختلفة. هذا بالإضافة إلى توفير الخدمات المجتمعية الأساسية كالصحة والتعليم الرسمي العام والعالي (الجامعة اللبنانية) والنقل العام وأنظمة الرعاية الاجتماعية والتقاعد وضمان البطالة ودعم ذوي الحاجات الخاصّة لتمكينهم من الاستمرار والإنتاج.
- العمل على إعادة هيكلة النفقات العامة وإنهاء حقبة الإنفاق التوزيعي لنظام الطائف ووقف توجيه الموارد الحكومية نحو تمويل قنوات الإنفاق السياسي الزبائني والقنوات المباشرة وغير المباشرة التي تدعم القطاع الخاص عبر تقاسم المنافع وعلاقات المحاباة، وسط غياب سياسات واضحة المعالم وضوابط في القطاعات المختلفة. فقد استسهلت الدولة توكيل القطاع الخاص بإنتاج خدمات عامة - وفي كثير من الأحيان عبر شبكات مصالح طائفية واحتكارية – مقابل تكفّلها بتمويل هذا الإنتاج، والأمثلة كثيرة على ذلك: الاستشفاء في المستشفيات الخاصة على حساب وزارة الصحة، ودعم التعليم الخاص عموماً، عبر دعم التعليم الخاص المجاني الذي يدار معظمه عبر مؤسسات طائفية وتعليم أبناء موظفي الدولة في المدارس والجامعات الخاصة، كل ذلك بتمويل من الخزينة بدل دعم التعليم الرسمي والجامعة اللبنانية، و»تهريب» إنتاج وتوزيع الكهرباء الى أصحاب المولدات الخاصة، وكذلك «تهريب» إنتاج وتوزيع خدمات المياه إلى أصحاب الصهاريج، وتلزيم معظم أعمال الرعاية الاجتماعية الى مؤسسات خاصة طائفية، وتحويل جزء من خدمات النقل العام إلى القطاع الخاص عبر بدعة «بدل النقل» للعاملين النظاميين، وغير ذلك من أمثلة. من هنا، يجب تصحيح هذا الخلل في الإنفاق العام كي يصبح إنفاقاً أكثر كفاءة وعدلاً ومبنياً على أسس اقتصادية واجتماعية واضحة.
- إقرار قانون المنافسة ومكافحة الاحتكار الذي يقبع منذ نحو عقدين في دهاليز المجلس النيابي ولجانه، وإنجاز مراسيمه التنظيمية بما يحدّ من سيطرة المجموعات الاحتكارية على الأسواق الداخلية وأسواق الاستيراد، وذلك بالتزامن مع تعديل قانون التمثيل التجاري، وإصدار المراسيم التنفيذية لقانون حماية المستهلك وقانون سلامة الغذاء.
- مكافحة الفساد المتأصّل في نظام المحاصصة الطائفية، سواء في التوظيف الزبائني داخل الدولة الذي يجب إلغاؤه، أو في تقاسم الصناديق العامة وعمولات الصفقات العمومية التي يجب إلغاؤها أيضاً. وفي هذا الإطار، ينبغي إقرار القوانين المتعلقة بالسلطة القضائية المستقلة، ورفع الحصانة عن كل من يتولى الشأن العام في الحكومة والمجلس النيابي والإدارات العامة، وتمكين القضاء من محاسبة الارتكابات والمخالفات الإدارية والمالية وإنشاء هيئة وطنية ذات صلاحيات تنفيذية وقانونية تشمل دراسة الملفات ورفع السرية المصرفية وتقديم المرافعات القضائية إلى القضاء المختصّ.
- إعادة صياغة مجمل عناصر سياسة الحماية الاجتماعية، وبخاصة: تعزيز وتطوير دور الهيئات الضامنة ولا سيما الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي يجب أن تتوسّع مروحة المنتسبين إليه، ويستبدل فيه نظام تعويضات نهاية الخدمة بنظام وطني للتقاعد، كما يستحدث فيه فرع لضمان البطالة؛ إقرار مشروع التغطية الصحية الشاملة للمقيمين من اللبنانيين، على أن يتمّ تمويل هذا المشروع من المال العام وليس من نظام الاشتراكات؛ العمل الجادّ على تحسين جودة التعليم الرسمي خصوصاً في مرحلتَي التعليم الابتدائي والعالي (الجامعة اللبنانية)، بما يشمل البرامج والمواد التعليمية وطرق التعليم وإعداد وتطوير قدرات المعلمين، مع التأكيد على استقلالية الجامعة اللبنانية ومنع تدخل قوى السلطة المتنفّذة في تفاصيل عملها اليومي؛ إعادة صياغة مجمل الأطر الوظيفية الناظمة لعمل لجنة المؤشر والتأكيد على إضفاء طابع دوري ممأسس على عملية تصحيح الأجور في القطاعين الخاص والعام كلّما تراجعت القيمة الحقيقية للأجور بنسبة معيّنة.
رابعاً، خطة للاستثمار في البنى التحتية والمرافق العامة
إن إعادة تشييد البنى التحتية سيكون لها الأثر الإيجابي البالغ على تحسين مستوى الإنتاجية والتوظيف في الاقتصاد. وعلى الدولة أن تكون هنا أيضاً ريادية في هذا المجال، على أن يتبعها إذا ما دعت الحاجة انفتاح على شراكة مع القطاع الخاص أو مع مستثمر خارجي ضمن مهل زمنية وشروط سيادية واضحة ومحددة، بدلاً من استمرار المراوحة في سياسة الانتظار التي كلّفت الاقتصاد اللبناني الكثير من الفرص الضائعة. وينطبق هذا الحال بشكل خاص على الشقّ من البنى التحتية الذي انتقل عرضاً إلى القطاع العام (بسبب إفلاسات في القطاع الخاص، أو بفعل توارث مرافق من عهد الانتداب أو من تأميمات لأصول نفطية سعودية وعراقية لها امتدادات في لبنان).
- إعادة بناء مصانع الكهرباء وتحديث قطاع الطاقة مع السعي إلى الاستحصال على القروض ذات الكلفة القليلة من بلدان صديقة لتمويل الاستثمار في هذا القطاع. وامتلاك واستعمال التقنيات الحديثة اللازمة لتسريع انتقال المعامل من استخدام المحروقات السائلة الباهظة الكلفة إلى استخدام الغاز الأقل كلفة وضرراً بالبيئة، واستعادة كهرباء لبنان لأعمال الجباية وتقديم الخدمات، وصولاً إلى توفير الكهرباء بشكل مستدام للمواطنين، وإقفال ملفّ المولدات الخاصة الشديد الكلفة اقتصادياً وبيئياً. وإلى ذلك، تشجيع الاستثمار العام والخاص في تطوير تقنيات الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرهما. هذا بالإضافة إلى حصر استيراد النفط ومشتقاته بالدولة مباشرة.
- تحديث وتطوير شبكات الاتصالات والإنترنت ورفع مستوى تغطيتهما وجودتهما، وتخفيض الأسعار والرسوم التي تنتزعها وزارة الاتصالات لمصلحة خزينة الدولة، في شكل ضرائب مستترة وغير معلنة.
- بناء شبكة عصرية ومتطورة للنقل العام تحلّ معضلات الازدحام اليومي وارتفاع كلفة النقل الخاص والتلوّث الناجم عنه، ما يستدعي إطلاق مشروع ضخم لبناء شبكات من القطارات والمترو والحافلات العامة المنتظمة بين كلّ المناطق اللبنانية، مع ما تحمله من أثر إنمائي أيضاً.
- ضمان حق لبنان بثروته النفطية والغازية واستخراجها، واعتبارها ليس مورداً مالياً وريعياً فقط، بل رافعة أساسية للتنمية الاقتصادية، وبخاصة الصناعية منها، وأداة فعلية للتنمية الاجتماعية وتوطين واستيعاب التكنولوجيا، مع مراعاة توزيع ثمارها بشكل عادل على الأجيال.
- وضع خطة شاملة لمعالجة الآثار البيئية والاجتماعية الناجمة عن تفاقم مشاكل المياه والكسّارات والمرامل والمكبات العشوائية وجمع النفايات وشبكات الصرف الصحّي، مع وقف كلّ الاعتداءات على الأملاك البحرية والنهرية العامة والخاصة.
خامساً، سياسة صناعية جديدة
يعاني الاقتصاد اللبناني من الشلل على المستوى الإنتاجي. وتتطلب مواجهة هذه المعضلة أكثر من الاعتماد فقط على»تحسين بيئة الأعمال» وقوى السوق الحرة، لأن هذه القوى بالذات هي التي تعيد إنتاج الاقتصاد نفسه عاماً بعد عام من دون أي تغيير في بنيته. المطلوب اليوم تدخّل «أداة» من خارج الأسواق وذلك من أجل تحويل جزء من الفائض الاقتصادي الذي يذهب اليوم إلى القطاعات المالية والخدماتية والتجارية والريعية ويُستخدم في تكديس الثروة لدى القلة، نحو إعادة تشييد البنى التحتية من كهرباء واتصالات وشبكات صرف صحي وطرقات ومياه بالإضافة إلى حلّ مشكلة النفايات والمحافظة على البيئة الطبيعية؛ وكذلك نحو دعم القطاعات المنتجة وتحفيز الشركات المنتجة التي توظف المهارات العالية وخرّيجي الجامعات. ويطاول هذا التحوّل جميع القطاعات المنتجة الصناعية والزراعية بالإضافة إلى قطاعَي التكنولوجيا العالية والسياحة، فضلاً عن فروع أساسية في قطاع الخدمات. وينبغي أن يتمّ تمويل ذلك التحوّل – بالأولوية – من خلال «استغلال» قطاعات الريع، أي عبر الاقتطاع ممّا كدّسته من أرباح وثروات، وذلك باستعمال النظام الضريبي وفرض ضرائب على المصارف والريع العقاري وعلى مداخيل اللبنانيين في الخارج فضلاً عن استحداث ضرائب جديدة على الثروة كما على توريث الثروات الكبرى. والضريبة على الثروة ستساعد ليس فقط على زيادة «جرعات ذات مضمون اشتراكي» في الاقتصاد اللبناني وإنما ستساعد أيضاً على تعزيز جرعات الابتكار. فالمزيد من المساواة يعني المزيد من الابتكار وزيادة الإنتاجية. إننا إذاً أمام حاجة ماسّة إلى سياسات جديدة تعزز الاتجاه نحو بناء وتعبئة الفائض الاقتصادي وتوجيهه نحو تشييد بنية اقتصادية جديدة. ومن شأن هذه التوجّهات أن تحسّن فرص الاستفادة من الاغتراب اللبناني المنتشر في أصقاع الدنيا والذي اكتسب مهارات تقنية عالية المستوى وراكم الخبرات الإنتاجية في العديد من المجالات. فتحرير البلد من النظام السياسي الطائفي وسياساته الاقتصادية والاجتماعية البائسة والمتخلّفة يسهم في تحفيز واجتذاب المغتربين، ومن ضمنهم الشباب بخاصة، للعمل والاستثمار في بلدهم الأم.
تحرير القرار السياسي للدولة اللبنانية من التبعية للخارج، بحيث تصبح دولة مقاومة قادرة، بمقوّماتها الذاتية الوطنية، على الدفاع عن أرضها وبحرها وجوّها وثرواتها


وفي الوقت الذي يجري فيه هذا التحوّل، يتمّ التحضير الجدّي لمرحلة يمكن أن نطلق عليها مرحلة «تغيير البنية الاقتصادية» التي يُستبدل النموذج الاقتصادي القديم فيها باقتصاد ديناميكي إنتاجي وعصري يؤسّس لتطوير القوى المنتجة بشكل كبير. ويدرك الحزب الشيوعي أن هذا الانتقال من القديم إلى الجديد يطرح تحدّيات مستقبلية كبيرة ينبغي على اللبنانيين مواجهتها والاستعداد الطوعي للاتفاق على التقاسم العادل للمنافع والتضحيات المتأتّية عنها. وهذا يرتبط بشكل خاص بنمط الاستجابات المنتظرة حول العديد من المواضيع والإشكاليات التي سوف تستجدّ على أرض الواقع: تحديد الميزات النسبية للاقتصاد اللبناني في عالم (عربي وإقليمي ودولي) متغيّر، وتأمين الشروط الملموسة للانتقال إلى النشاطات الاقتصادية المعنية بهذه الميزات، وتوفير مصادر التمويل الاستثماري المحلية والخارجية التي يتطلّبها هذا الانتقال، وتهيئة القوى العاملة للتفاعل الإيجابي مع عملية انخراطها في نشاطات اقتصادية جديدة بدل نشاطاتها السابقة، وبلورة نمط عادل للتأمينات الاجتماعية والضمانات المطلوبة أثناء عملية الانتقال، وبناء الأطر المؤسسية الرسمية والخاصة التي يجب أن تحتضن هذه التحوّلات، وغير ذلك من تحدّيات. ولا شكّ في أن الشعب اللبناني سوف يجد نفسه مطالباً، إلى جانب المنافع المتوقّعة، ببذل جهود وتضحيات كبيرة يفرضها مسار التحولات المطلوبة.
سادساً، في النظام الضريبي
يحتاج الاقتصاد اللبناني إلى نظام ضرائبي جديد يطاول أساساً الثروات والأرباح، ويؤمن للدولة المداخيل التي تسمح لها بتمويل وظائفها الأساسية وخدماتها العامة، بدل التخلي عن هذه الوظائف لكبار الرأسماليين عبر الخصخصة أو عبر ما يُسمى «الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص»، الذي يخفي مطامع الاستيلاء على الأملاك والأصول العامة التي ينبغي أن تبقى ملكيتها للشعب. ومن دون إدخال تعديلات جذرية على النظام الضريبي والنفقات العامة، لن يكون ممكناً تنفيذ أيّ خطّة للإنقاذ والنهوض الاقتصادي تستجيب للاحتياجات المعيشية الأساسية للشعب اللبناني في زمن الأزمة.
إن المدماك الأساسي في تعديل النظام الضرائبي الحالي، تحقيقاً لعدالة ضريبية أكبر وتوسيعاً للوعاء الضريبي، يجب أن يتضمّن:
• فرض ضريبة تصاعدية موحّدة على جميع مصادر الدخل
• رفع معدل الضريبة على شركات الأموال إلى 30%
• وضع ضريبة تصاعدية على الفوائد المصرفية بدءاً من 7% وصولاً إلى 15%
• وضع ضريبة 2% على الثروة الصافية للأفراد فوق المليون دولار
• إعادة النظر في بنية الرسوم الجمركية والرزنامة الزراعية بعدما تمّ فتح أسواق الاستيراد على مصراعيها في مستهل الحقبة الحريرية، وذلك للتمكن من حماية الإنتاج الصناعي والزراعي المحلّي وتفعيل الانتقال إلى اقتصاد الإنتاج.
• تعديل ضريبة الانتقال بحيث تصبح ذات معدل مسطح واحد يبلغ 45% (مع شطر إعفاء يبلغ 1 مليون دولار، بما يعفي عملياً الأكثرية الساحقة من الفئات الاجتماعية المتوسطة وما دون المتوسطة خصوصاً في الأرياف من هذه الضريبة بخلاف ما هو قائم اليوم.
• التطبيق الفعلي للغرامات على الإشغالات غير القانونية للأملاك البحرية، بعد تصحيح قيمة الغرامات وربطها بتطوّر أسعار العقارات بدءاً من عام 1992
• رفع الضريبة على القيمة المضافة على الكماليات إلى 18%
• فرض ضريبة على أرباح البورصة والأسواق المالية
• فرض ضرائب على الربح العقاري وعلى مداخيل العاملين في الخارج وإخضاع الأوقاف العائدة للمؤسسات الدينية للضريبة وإلغاء الإعفاءات الضريبية لشركات الهولدينغ وشركة سوليدير وكذلك «الإعفاءات التأجيرية» الممنوحة للكثير من مستخدمي أملاك الدولة ووقف قنوات التهرّب الضريبي عبر الشركات القابضة وغيرها.
إن هذا النظام الضريبي الجديد لن يؤدي فقط إلى زيادة حصة الضرائب على الثروة والمداخيل العالية والأرباح، إنما سيتيح أيضاً تحصيل واردات متراكمة للدولة في السنوات العشر المقبلة بما يُقدّر بمليارات الدولارات، التي يمكن استعمالها في الاستثمار في البنى التحتية وتحديث بنى الإنتاج التي تنهار حالياً. إن هذا الاقتطاع الضريبي لن يكون له تأثير سلبي على الاقتصاد، كونه يتمّ غالباً على حساب الشطور العالية من المداخيل والثروة التي تتكدّس بلا طائل أو تنفق على الاستهلاك الكمالي المستورد. في المقابل فإن اقتطاعها ثم استخدامها في الاستثمار العام سيكون لهما تأثير مضاعف في تفعيل الاقتصاد وخلق فرص العمل ورفع الإنتاجية بالإضافة إلى خفض الفائدة كنتيجة لخفض الدين العام، ما سيكون له أيضاً وقع إيجابي على الاستثمار الخاص.
سابعاً: في سياسات المصرف المركزي
بعد أن تبين الدور المحوري لسياسات المصرف المركزي في إنتاج الأزمة الاقتصادية والنقدية، فإنّ من المطلوب جعل سياسات مصرف لبنان أكثر استقلالاً عن المصالح الخاصة للنواة المصرفية الاحتكارية الضيّقة، وأكثر توافقاً مع مصالح الشعب اللبناني بالاستثمار المنتج والتوظيف في التطور الاقتصادي . ويكون ذلك عبر:
أ- إلزام مصرف لبنان بنشر دوري للحسابات النظامية المفصّلة لأرباحه وخسائره.
ب- إخضاع سياسات المصرف المركزي للمحاسبة الديمقراطية من قبل مجلس النواب عبر جلسات استماع دورية للحاكمية أمام اللجان المشتركة المعنية بالمال والاقتصاد؛
ج- تشريع الشفافية في عمل المصرف المركزي عبر إلزامه بنشر محاضر جلسات المجلس المركزي ليطّلع النواب والرأي العام على كيفية إدارة السياسة النقدية من جانب مصرف لبنان.
د- تعديل المادة 70 من قانون النقد والتسليف بحيث تضاف أهداف النمو الاقتصادي والمحافظة على درجات عالية من التوظيف في الاقتصاد من حيث هي أهداف مستقلة تتساوى مع هدف المحافظة على قيمة النقد الوطني.
ثامناً: في المسائل السياسية الأخرى الملحة
في القضية الوطنية وبناء الدولة المقاومة
العمل على تحرير القرار السياسي للدولة اللبنانية من التبعية للخارج بحيث تصبح دولة مقاومة قادرة، بمقوّماتها الذاتية الوطنية، على الدفاع عن أرضها وبحرها وجوّها وثرواتها، وعلى مواجهة المشروع الصهيوني المعادي للبنان والمعادي أيضاً لقيام الدولة العلمانية الديمقراطية فيه، وذلك تأكيداً لحقّ الشعب اللبناني الذي تمّ تجسيده بالملموس على امتداد تاريخه الوطني المقاوم. والمطلوب كأولوية تعزيز قدرات الجيش وتأمين مستلزماته العسكرية كافة، على أن تضطلع الدولة بمهمة تمويله دون انتظار الهبات المشروطة بأجندات سياسية من الخارج تمسّ بسيادتنا واستقلالية قرارنا. فهذه هي المنطلقات لتحرير باقي المناطق اللبنانية المحتلة وتحصين الوحدة الداخلية وتقوية مناعتها وتأمين مقوّمات الصمود والمقاومة في القرى الحدودية.
في قضية اللاجئين الفلسطينيين والسوريين
- العمل على بلورة معالجات لقضية اللاجئين السوريين، ومن ضمنها العمل على تأمين عودتهم السوية إلى بلدهم، بالتعاون مع الأمم المتحدة والحكومة السورية. ونؤكّد في هذا الإطار على وجوب مكافحة مختلف أشكال الحملات والممارسات العنصرية ضد السوريين والفلسطينيين والأجانب.
- منح اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حقوقهم المدنية الأساسية التي تكفلها المواثيق والاتفاقات الدولية، ومن موقع الأخوّة والتضامن بين الشعبين، وفي طليعتها حق العمل والتعليم والاستشفاء، وذلك بهدف تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.

في السياسة الخارجية
- اعتماد سياسة خارجية جديدة تؤكّد على احترام خيارات الشعوب في سعيها المشروع لتحقيق أهدافها في التحرّر الوطني والتنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ سياسة يضطلع لبنان من خلالها بدوره السياسي الفعّال في تنويع علاقاته الخارجية ومواجهة الأحادية الأميركية، ورفض وإدانة نهج التصعيد العسكري الإمبريالي والتدخلات الخارجية وسياسات المقاطعة والعقوبات والحصار الاقتصادي. والسياسة الجديدة مطالبة بتمتين علاقات لبنان مع الدول والقوى السياسية التقدمية، ومع الدول الصاعدة سياسياً واقتصادياً وفي مقدمتها جمهورية الصين الشعبية، من أجل تحقيق المصالح المشتركة بين لبنان وتلك الدول وقيام نظام عالمي متعدد القطبية.
- دعم القضية الفلسطينية وخيارات الشعب الفلسطيني وحقه بالمقاومة ووقف الاستيطان والتمسك بالأرض وحق العودة وتقرير المصير وبناء الدولة الديمقراطية العلمانية على كامل فلسطين التاريخية وعاصمتها القدس، في مواجهة السياسات الصهيونية التي تسعى إلى إرساء يهودية الدولة وترسيخ الاستيطان وتهجير الشعب الفلسطيني.
- دعم الحلّ السياسي للأزمة السورية ضمن الدولة السورية الديمقراطية الموحّدة التي يختارها الشعب السوري، وإدانة العقوبات الاقتصادية والتدخلات الخارجية في شؤونها، واستعادة لبنان للعلاقات السياسية والاقتصادية معها.
- أخيراً، على لبنان أن يستعيد دوره الريادي في المجال الدبلوماسي والسياسي الخارجي وأن يكون قادراً على استخدام مروحة علاقاته الدولية والإقليمية الموسّعة مع الدول الصاعدة ومع القوى والأحزاب التقدمية من أجل توفير حلول للقضايا العربية الملحّة، ومن أجل تحقيق أشكال تكامل اقتصادي أكثر تطوّراً بين الدول العربية، وبخاصة دول الجوار في المشرق العربي، ودعم انتفاضات شعوبنا العربية ونضالاتها ضد أنظمة القمع والإفقار والتطبيع من أجل تحررها الوطني والاجتماعي وتحقيق مصالحها في التنمية والعدالة الاجتماعية والأمن والاستقرار.
آلية العمل لتحقيق المشروع في المرحلة الانتقالية:
إن هذا المشروع يتطلّب من الحزب وقوى التغيير الديمقراطي وضع هذا البرنامج في خدمة إطلاق المبادرات من أجل تعبئة الطاقات والجهود المشتركة لإطلاق المشروع السياسي البديل وبناء التحالف الاجتماعي وتأسيس وتعميم اللجان الشعبية في المدن والمناطق، وصولاً إلى بناء الائتلاف الوطني الواسع لقوى التغيير، يقدّم نفسه بديلاً عن المنظومة الحاكمة، ويتولّى مسؤولية قيادة الصراع معها، لخلق موازين قوى جديدة تفرض تشكيل حكومة إنقاذ وطني انتقالية، بصلاحيات تشريعية استثنائية، من خارج المنظومة الحاكمة لإدارة المرحلة الانتقالية.

المكتب السياسي لـ «الحزب الشيوعي اللبناني»
بيروت، 16 حزيران/ يونيو2021