نحتفل اليوم مع قناة «المنار» بذكرى ولادتها، وهي مناسبة مفعمة بالعبر والدروس والمحطات والحنين...، نحتاج إلى الوقوف مليّاً أمام هذه التجربة الأولى لـ«إعلام المقاومة»، كمحطة مرئية، والتي انضمّت بجدارة إلى زميلاتها ـــ قبل ثلاثين شمعة ـــ إلى الصحافة المكتوبة «جريدة العهد»، وإذاعة «النور»، كصوتٍ للمقاومة وشعبها.هذه التجربة تستحق منّا ومن المؤتمنين على إدارتها وتطويرها، أن نعمل على تشكيل فريق من العاملين فيها، لتدوين تجربتها الفريدة وتحليلها، والشروع في جمع تاريخها الشفهي وجمع ذاكرتها المتناثرة في صدور وقلوب و«جوارير» طلائع الذين عملوا، وعبروا، ورحلوا، ومن ينتظرون.
هذا الجهد لا ينبغي له أن يقتصر على جمع ذاكرة «المنار» وحدها فحسب، بل هي دعوة لجمع وتدوين الذاكرة العامة لعائلة الفن المقاوم منذ تأسيس اللجنة الفنية والإعلام الحربي، مروراً بكلّ المجالات والعناوين والتجارب العفوية والمخلصة التي كانت صنواً ومرآةً للمقاومة وصوتها (الرسم، المسرح، الخط، اللطم والشعارات، الإنشاد والشعر، المعارض الفنية، المنشورات الفنية والبوسترات، إنتاج الأفلام...) وغيرها الكثير، إضافة إلى تجارب الإعلام المرئي والمسموع حينها («إذاعة المستضعفين»، وتلفزيون «الفجر»، وتلفزيون «العهد»)، في منطقة البقاع.
البوصلة: إن الهدف الأساس والاتجاه الذي وُضع للمحطة ونهجها، بقيا راسخيْن ومتجذّريْن، ولا تزال البوصلة تنبض ثباتاً حتى يومنا هذا، وهذا يُسجّل للمحطة والمشرفين عليها والعاملين فيها، واستمرت «شعلة لن تنطفئ»، و«قناة العرب والمسلمين»، وحافظت على شعار «معاً نحو الفضيلة والأخلاق»، وبقيت واضحة وثابتة في خطّها التحريري والسياسي الذي رسمته في قضايا الأمة المركزية كافّة، وقضية المقاومة بمختلف أشكالها وتنوّعها.
بقيت البوصلة ثابتة، ولم يرمش لها «إشارة تردد»، في القضية المحورية للشعوب الحرة، وهي فلسطين، وأهلها، ومحبّيها، وكانت صوتاً للانتفاضة الأولى وإلى يومنا هذا. وكانت رفيقة للمقاومة في جنوب لبنان والبقاع الغربي وكلّ الميادين. وكانت عيناً للشهداء والجرحى والأسرى ومجتمع المقاومة، وقضايا الناس والمستضعفين. وواكبت هزائم العدو الإسرائيلي والتكفيري وأذنابهما وخيباتهما التي ولّت، وكانت شعلة ونبضاً لزمن الانتصارات الذي جاء وعداً وتكريماً واستحقاقاً.
بقيت ثابتة ولم تُستدرج إلى لعبة ودهاء ومكر بعض المحطات المحلية والكثير من المحطات في العالم العربي والإسلامي، ولم ترضخ لإغراء السوق والنفعية والتنافسية السلبية والغرائز. ولم تعتبر يوماً أن المشاهد سلعةٌ أو رقمٌ في لعبة الاستثمار المجنون ولو على ركام ميثاق الشرف الإعلامي أو منظومة القيم الإنسانية. بقيت الكاميرا ثابتة في متراس المضمون الرسالي والمعرفي والوحدة، والانتماء إلى الوطن والحوار والتلاقي.
تحيّة: أجمل التحايا وأعذبها، من القلب، إلى الطليعة الأولى المؤسِّسة لهذه الشعلة، والتي عملت وثابرت ورابطت على أبراج الإرسال العالية أو في قعر الملجأ والمستودع الذي أبصرت فيه النور في حارة حريك.
تحية إجلال إلى من بَذَر النواة الأولى، وإلى كل الذين عملوا وأشرفوا أو خطّطوا وسهروا، أو افترشوا المساحات للتعب والعناء داخل المبنى الأول للانطلاقة وإلى يومنا هذا. وأعتذر اعتذاراً كبيراً «حجم عائلي»، لعدم ذكر الأسماء، لأن اللائحة تطول، ولا يتسع المقام لذكرها، لأنها كثيرة؛ أو لأن بياض الشيب أنساني ملامحها، أو لأنّكم – كما المجاهدون- نعرف أسماءكم بعد رحيلكم أو شهادتكم.
اسمحوا لي ببطاقة شكر خاصة للذين استشهدوا أو رحلوا ممن رافقتهم أو عايشتهم في سنوات التأسيس الأولى للشهيد بهجت دكروب وأحمد حيدر أحمد «باقر»، وبقية شهداء المحطة الذين التحقوا بهم.
تحيّة إلى الراحلة التي غادرتنا بلا موعد فترة التأسيس، الأيقونة ندى الحسيني، وجمال تقي، وغادة نصر الدين، وصولاً إلى الفقيد العزيز علي المسمار، وما بينهم أسماء ووجوه وأحبّة ومجهولون معروفون.
بطاقة شكر خاصة للعاملين في القسم التقني والهندسي الذين تعبوا وسهروا و«عربشوا» خلال مرحلة التأسيس، لتثبيت قواعد المؤسسة من الناحية الفنية والهندسية وتأسيس الاستديوهات، رغم الإمكانات البسيطة والمتواضعة، ولجميع الزملاء والإخوة والأخوات في بقية المديريات، ممّن أفنوا عمرهم في الولادة والاستمرار.
كلّ التحيات إلى العاملين الذين عبروا وإلى المرابطين الذين يعملون اليوم لتبقى «المنار» أيقونة الإعلام المقاوم، منهم الأسير والجريح، ومنهم من استحق وشم شهيد أو أب أو أمّ شهيد.
في عيدكم نبارك لكم، ونغبطكم على ضيفكم «النعمة» في هذه المناسبة الذي يحتفي بكم، السيد الذي قالها لكم يوماً: «لولا «المنار» لضاع الانتصار»، وضاعت معه الكثير من «الاعتلامات» والحقائق، وستبقى قناة «المنار» شعلةً ونبضاً، ورفيقة المجاهدين والأحرار.

* المشرف العام على «الجمعية اللبنانيّة للفنون – رسالات»