لم يكن الراحل العزيز الدكتور رمزي دلول مجردَ مناضل مؤمنٍ بعروبته وساعٍ إلى نهضة أمته، ولم يكن فلسطينياً مسكوناً بهمّ تحرير وطنه، وعربياً مسكوناً بهمّ وحدة أمته وتحرّرها وتقدمها فحسب، بل كان عنوانه الباكر لهذه الخيارات حين فصلته في مقبل عمره إدارة الجامعة الأميركية في بيروت مع زوجته، فيما بعد، الراحلة سائدة الحسيني بسبب دورهما في تظاهرة الرفض لحلف بغداد في مثل هذه الأيام من عام 1954، بل كان أبو باسل مهموماً بالتفاصيل التي تقود لتحقيق هذه الأهداف الكبيرة التي سعى إليها شاباً وهو في حركة القوميين العرب، صديقاً لجورج حبش ووديع حداد وهاني الهندي وباسل الكبيسي والعديد غيرهم...كان رمزي دلول مدركاً كقومي عربي أصيل أهمية الثقافة العربية كمكوّن رئيسي من مكوّنات الهُوية القومية، وكذلك مدركاً أهمية الإبداع العربي كركن أساسي من أركان المساهمة الحضارية العربية الإسلامية في الحضارة الإنسانية، لذلك أمضى العقد الأخير من حياته، يجول أقطار الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، للتعرف إلى كبار الفنانين التشكيليين العرب وشراء أبرز لوحاتهم لوضعها في متحف خاص يقيمه في بيروت، وكان يريد له اسم "متحف الإبداع العربي" لكي يرى العرب، ومعهم العالم، من خلال اللوحات الموجودة فيه قصة أمّة عظيمة بكل ما واجهته من مصاعب وآلام ومعاناة في أكثر من قطر عربي، ولا سيما في موطنه الأصلي فلسطين...
رحل رمزي وهو يجمع اللوحات، ولكنه رحل قبل أن يرى معرضه قائماً في بيروت المدينة التي أحبّ وعاش سكناتها وحركاتها.
أما الهمّ الآخر لرمزي فقد كان همّ "الشباب"، حيث كان دائماً يسأل هل أعددنا لأمتنا شباباً وقامات يكملون مشواراً بدأه الكبار والقادة والشهداء العظام...
وأكثر ما كان يُسعده في لقاءاتنا هو حديثي عن تجارب شبابية كنا نطلقها في بيروت كتجربة مخيمات الشباب القومي العربي التي بلغ عددها الثلاثين، وقد انعقدت في عشر دول عربية وشارك فيها كل عام ما لا يقل عن 200 شاب وشابة، كانوا يتعارفون ويتحاورون ويتعرفون إلى معالم أقطار أمتهم الحضارية والسياحية، ثم تجربة ندوات التواصل الفكري الشبابي العربي، التي انعقد منها في بيروت عشر ندوات وكانت أوراقها ومناقشاتها وإدارة جلساتها محصورة بالشباب وحدهم، حيث تداولوا في موضوعات تهمّ الأمة ومشروعها الحضاري.
كان أبو باسل يستمع بشغف إلى هذه التجارب، ويساهم قدر المتاح في توفير الإمكانات لنجاحها قائلاً لي: "ليست أهمية المرء بما يملك، بل بما يقدم لشعبه وأمته...". وكان الكثيرون القيّمون على مؤسسات اجتماعية وثقافية وإنسانية يعرفون كم كان هذا الرجل إلى جانبهم دون منّة أو استعراض... فرجل الأعمال الصادق في مفهوم الدكتور رمزي هو الذي يعتبر أن العطاء لشعبه ولمؤسساته هو في رأس أعماله.
اهتمامه بالثقافة والشباب كان نابعاً في الأساس من اهتمامه بحال أمّته، ومعاناة أبنائها، ولا سيّما في فلسطين، ثم في العراق وسوريا وليبيا واليمن ومصر، ودائماً لبنان، حيث كان منحازاً بقوة إلى إرادة المقاومة، وقد باتت العقبة الكأداء في وجه المشروع الصهيو – استعماري بكل أدواته...
لم تكن تشعر وأنت تتحدث معه وقد دخل الخامسة والثمانين من العمر إلا وكأنك أمام شاب ما زال، بحماسته وتوقّد ذهنه، طالباً على مقاعد الدراسة أو أمام مقاوم يرابط في قاعدة من قواعد الثورة والمقاومة، فقد كانت روحه تمتلئ عزيمة، وعيناه تشعّان تصميماً، وكلامه يوزع التفاؤل والثقة على مَن حوله في كل اتجاه...
رمزي دلول لم يكن شخصاً عادياً في عطائه، لكنه لم يكن يحبّ الظهور والاستعراض، بل كان يعطي بصمت، ويعمل بصمت، وينجز بصمت في كل الميادين.

* كاتب وسياسي لبناني

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا