نقلت وكالات الأنباء خبراً يفيد بأن العميد السابق في الجيش السوري مناف طلاس، الذي انشقّ وفرّ من سورية سنة 2012، بدأ التجهيز لرئاسة «مجلس عسكري» بهدف قيادة البلاد نحو مرحلة انتقالية. وأخوه أيضاً نشط أخيراً! فقد تواترت أخبار عن نية فراس طلاس تأسيس حزب جديد يكون مقره شمال سوريا (الخارج عن سيطرة الحكومة). وهذا الظهور المفاجئ لاسم الأخوين طلاس يثير الدهشة، وخصوصاً مناف. فقد كان خاملاً وخمدت أخباره منذ فشلت محاولته للقفز إلى مركب «الجيش السوري الحر» و «الثورة السورية» التي كان يظنها منتصرة لا محالة ! حينذاك، في تموز/يوليو 2012، ظهر مناف من السعودية في تسجيل فيديو موجّهاً خطابه إلى السوريين: «أتحدث إليكم كعضو منشقّ في الجيش السوري يرفض العنف الإجرامي... أنا أتحدث إليكم كأحد أبناء سوريا... اسمحوا لي أن أخدم سوريا بعد عهد الأسد. يجب أن نتحد جميعاً لخدمة سوريا وتعزيز الاستقرار في البلاد، وإعادة بناء سوريا حرة وديمقراطية».
ويبدو أن رهان الأخوين طلاس على سقوط النظام كان قوياً في عام 2012 إلى حدٍّ جعلهما يقطعان أواصر الود تجاه النظام الذي عاشا في ظله وخدمته واستفادا منه إلى أقصى مدى، للحاق بالجواد الرابح ! فعدا وضعية مناف طلاس ورتبته الكبيرة في صفوف القوات المسلحة، كان فراس طلاس يمتلك إمبراطورية بزنس عملاقة تتكوّن من شركات كثيرة داخل سوريا وخارجها، يصل حجم عملها إلى المليارات (وكان يوصف بـ «ملك السكر» بالإضافة إلى عمله في قطاعات الإسمنت والألبان والبُنّ والمعادن والأغذية المعلّبة) حتى صار من أثرى الشخصيات في سوريا. وعندما انشقّ فراس أطلق من باريس تصريحات قوية جداً ضد النظام وقال فيها إنه جاهز لتمويل المعارضة السورية في الداخل وخاصة «كتيبة الفاروق» ومستعدّ لوضع ثروته من أجل الإطاحة بالنظام!
وطبعاً فإن مكانة مناف الرفيعة في المؤسسة العسكرية السورية (كان يقود اللواء 104 في الحرس الجمهوري)، وثروة فراس الفاحشة (التي بالتأكيد لم تهبط عليه من السماء ولم يكسبها بجدّه وعصاميته) لم تكونا لتحصلا لولا ارتباط أبيهما مصطفى طلاس بالنظام وقيامه بدور التابع المخلص في حاشية الرئيس حافظ الأسد لعقود طويلة. أدرك الرئيس حافظ الأسد أن مصطفى طلاس محدود الطموح ولا خوف منه فتركه في منصب وزير الدفاع لعشرات السنين (وتغاضى عن «مواهبه» الأخرى التي ذاعت أخبارها: حبّه للشعر العربي وللفروسية ولفنّ الطبخ ولملكات الجمال). فآل طلاس هؤلاء رتعوا في نعيم النظام لسنوات طويلة وعقود، وهم آخر من يحق لهم الكلام عن النظام وفساده أو عن توقهم المزعوم للحرية أو اشتياقهم للديمقراطية.
وبالعودة إلى موضوع «المجلس العسكري»، ليس معروفاً بالتحديد السبب الذي جعل مناف طلاس يصحو فجأةً من رقدته الباريسية الطويلة ليطرح نفسه كزعيم قادم لسورية. ولكن يمكن التخمين أن الأمر له علاقة بالانتخابات الرئاسية التي يفترض أن تحصل في وقت لاحق من هذه السنة. ولعل مناف يأمل أن يُقنع روسيا باعتماده كبديل مقبول للرئيس بشار الأسد,، وخصوصاً مع خلفيّته العسكرية وتاريخ أبيه – صاحب أطول فترة يشغلها وزير دفاع في تاريخ سوريا الحديث (32 سنة). وفي هذا السيناريو يكون الحزب الذي ينوي أخوه فراس تأسيسه وتمويله مكمّلاً لتحركه – لمنحه صبغة مدنية سياسية. وهذا التحرك من الأخوين طلاس يفترض طبعاً أن السوريين سيقبلون بهما باعتبارهما من «رجال العهد الجديد – رجال المستقبل – رجال التغيير».
يريد آل طلاس أن يكونوا رجالَ كل العصور كالمنشار ذي الحدّين، يغيّرون أقنعتهم كلما لزم الأمر ليأكلوا فيها بلَحاً وعِنباً... ولكن هيهات فتاريخهم معروف والشمس لا تُغطى بغربال.

* كاتب وباحث من الأردن

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا