لم يكن غريباً أن تسارع وزارة الخارجية البحرينية إلى إصدار بيان يندد بتصويت 633 عضواً في البرلمان الأوروبي بنعم حول مشروع قرار ينتقد الحالة المزرية لحقوق الإنسان في البحرين؛ حيث اعتبرت الخارجية أنَّ القرار كان يستند إلى مصادر مناوئة وغير نزيهة، تسعى إلى تشوية سمعة المملكة بحسب تعبيرها.لكن، كيف نستطيع تقييم الأداء الدبلوماسي في الملف الحقوقي عند مراجعة مثل هذا الموقف؟؛ للإجابة على هذا السؤال، من المهم بداية معرفة أنَّ ثلاث شخصيات رئيسية في وزارة الخارجية البحرينية هي من خلفية أمنية، وهم: وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف الزياني، والذي تنقّل في مواقع قيادية متنوعة ما بين قوة دفاع البحرين ووزارة الداخلية قبل أن تتم ترقيته إلى رتبة فريق ركن بعد رئاسته للأمن العام، عبدالله الدوسري مساعد وزير الخارجية والمعني بإدارة شؤون حقوق الإنسان في الوزارة حيث عمل في وزارة الداخلية لمدة 25 سنة، بالإضافة إلى الشيخ عبدالله أحمد آل خليفة وكيل وزارة الخارجية للشؤون الدولية والمعني بإدارة المنظمات والذي كان مستشاراً في مجلس الدفاع الأعلى (وهو المجلس الذي يمتلك سلطة إقرار الاستراتيجيات الأمنية المتكوّن حصراً من شخصيات من الصفين الأول والثاني من آل خليفة وقد يعمل فيه بعض الأفراد من العوائل الموالية للعائلة الحاكمة).
معرفة هذا التفصيل يختصر علينا تفسير الإيقاع الأمني في لغة البيانات الدبلوماسية التي تصدر وتتشابه مع البيانات الصادرة عن وزارة الداخلية إزاء الرد على أي انتقاد لسجل البحرين الحقوقي، وأيضاً يؤشر بوضوح إلى أي حد توسّعت السلطة في تثبيت أركان الدولة الأمنية؛ فأبرز الوزراء الحاليين القادمين من خلفية عسكرية هم كالتالي: باسم الحمر وزير الإسكان، علي الرميحي وزير شؤون الإعلام، ماجد النعيمي وزير التربية والتعليم، عبدالله النعيمي وزير شؤون الدفاع وراشد آل خليفة وزير الداخلية.
قبل التصويت على مشروع القرار في البرلمان الأوروبي، كان وزير الخارجية البحريني في زيارة الشهر الماضي لبروكسل والتقى بالدكتورة هانا نيومان رئيسة الوفد المعني بالعلاقات مع شبه الجزيرة العربية في البرلمان الأوروبي، وهي ذاتها التي قالت في الجلسة البرلمانية: أطالب (حكومة البحرين) بالارتقاء إلى مستوى التصريحات التي يدلون بها عن كون البحرين (مدافعة عن حقوق الإنسان)، أطالبهم بوقف جميع عمليات الإعدام والعودة إلى حظر عقوبة الإعدام، لا شك وأنَّ وزير الخارجية سيتذكر هذا الاجتماع جيداً فهو الفشل الثاني له منذ تولي حقيبة وزارة الخارجية قبل عام؛ حيث فشل في تحشيد التأييد لدعم ترشيح البحرين لرئاسة مجلس حقوق الإنسان في يناير/كانون الثاني الماضي، والآن فشل في تخفيف لغة مشروع القرار الصادر عن البرلمان الأوروبي.
صحيح أنَّ بيانات الشجب والاستنكار من قبل منظمات «الغونغوز» واللجان الشكلية التابعة للحكومة قد بدأت تتوالى رفضاً للقرار الصادر عن البرلمان الأوروبي؛ إلا أنَّ حفلات البيانات هذه يجب أن تذكرنا بما تستند إليه وزارة الخارجية في إدارة الملف الحقوقي، فهي تعتمد بشكل أساسي على اللجان البرلمانية، وعدد من المؤسسات مثل: المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، الأمانة العامة للتظلّمات، وبعض منظمات «الغونغوز» التي تنشط حصراً في استصدار بيانات إدانة المواقف التي تنتقد الأوضاع الحقوقية في البحرين؛ بالإضافة إلى الصحافة الرسمية التي ستضخم أي تصريح يصدر من البرلمان الأوروبي وأي جهة دبلوماسية أو برلمانية ولن تتورّع عن مهاجمة ذات الجهة لو انتقدت الوضع الحقوقي، بالإضافة إلى اللجان والشخصيات الوزارية التي تكون مشاركة في الوفود الرسمية في خارج البحرين التي تنشط في متابعة الملف الحقوقي كالتمثيل الدائم لوزارة الداخلية في هذه الوفود أثناء فعّاليات مجلس حقوق الإنسان؛ إضافة إلى الدعم الدبلوماسي الخليجي وبعض اللوبيات من المنظمات التابعة لدول الخليج.
الحقيبة الدبلوماسية لا تحمل إلا ادّعاءات كاذبة حول الواقع الحقوقي في البحرين


أمام كل هذه الصورة الإدارية للدعم السياسي والأمني والحقوقي الذي تتلقاه وزارة الخارجية؛ فإنّ جهاز الأمن الوطني لم يوفِّر فرصة لتقييد نشاط منظمات المجتمع المدني في الداخل؛ حيث فرض بعد حملة شنّها في عام 2016 تجريم التواصل الدبلوماسي والبرلماني وتعرّض النشطاء في الداخل للتهديد بالملاحقات القضائية والأمنية واستهداف أقاربهم وأرزاقهم إن واصلوا نشاطهم في العلاقات الدولية؛ هذا فضلاً عمَّا تم توثيقه من تعرض بعض النشطاء للتعذيب بالتحرش الجنسي أو الصعق الكهربائي الذي باتت البحرين تتسم بسمعة خاصة به كما يُظهر قرار البرلمان الأوروبي؛ فمراكز الاحتجاز لا تخلو من أسلاك الصعق الكهربائي التي يلجأ إليها ضباط التحقيقات الجنائية كلَّما تأخر عليهم توقيع الضحية على اعترافاته المنتزعة تحت وطأة التعذيب.
إذاً، أمام هذه الحصيلة من تكتيم أنفاس المجتمع المدني وحل الجمعيات السياسية ومضاعفة تطبيق قانون العزل السياسي وانفلات القضاء في استصدار الأحكام السياسية: (إسقاط الجنسية، الإعدام، الأحكام ذات المدد الطويلة)، خطابات الكراهية التي لا تتوقف في الإعلام الرسمي ومنصات التواصل الاجتماعي تجاه المعارضة السياسية، الحراك الدبلوماسي الكثيف للدولة، يأتي مثل هذا القرار –وإن كان تأثيره السياسي محدوداً- ليقول بأنَّ كل ما تحمله الحقيبة الدبلوماسية من ادّعاءات حول الواقع الحقوقي هي كاذبة، ألا يعد ذلك فشلاً كبيراً للدبلوماسية الأمنية التي تتحرك وهي مرتاحة بالنظر إلى السجون مليئة بسجناء الرأي والضمير؟.

* رئيس منتدى البحرين لحقوق الإنسان

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا