لقد بات واضحاً للجميع أنَّ لبنان يعيش، في هذه الأيَّام، اللَّحظات الأخيرة من مرحلة ما قبل الانفجاراتِ السِّياسيَّةِ والاقتصاديَّةِ والماليَّةِ والاجتماعيَّةِ، وكلّ ما سيلحق بها جميعها، من تَردٍّ أخلاقيٍّ وبؤس وطنيٍّ وانهيارٍ تربويٍّ، واندِحارٍ للقِيَمِ والمفاهيم النَّاهضة بالبلد. ومن هنا، فإنَّ «ندوة العمل الوطني» تذكّر بالأساسيّات الآتية: 1) إنَّ الوعي بالمسؤوليَّة الوطنيَّة العُليا، يتطلَّبُ من جميع السياسيين اللُّبنانيين، ضرورة التَّوقُّف النِّهائيِّ والمسؤولِ عن جميع المساجلاتِ الإعلاميَّة في ما بينهم، القائمة على الجدل السِّياسيِّ البحت؛ إذ أثبتَ هذا الجدلُ عدم جدواه في خدمة القضيَّة الوطنيَّةِ العامَّة؛ ولعلَّه ساهم، إلى حدٍّ كبيرٍ، في الوصول إلى هذا الدَّركِ المؤسِفِ والمُظْلِم من مستويات الحياة السِّياسيَّةِ في لبنان.
2) إنَّ كلَّ ما بات يُحيقُ بالوطن والمواطنين، مِن خرابٍ ينذر بمزيدٍ مِن الخرابِ والعُنفِ؛ إنَّما هو نتيجة التَّنازع السّياسي، بين القيِّمين على شؤونِ البلاد والعباد؛ ضمن مفاهيمِهم للتحاصص الطَّائفي، والتناتش المذهبيّ والمكاسِبِ الضَّيِقةِ القائمة في ما بينهم، على أُسسٍ من المصالحِ الخاصَّة والرُّؤية العاجزة عن فهمِ جوهرِ السِّياسة الوطنيَّة ومغزاها.
3) إن الخلاص الوطني الفعلي، من هذا الوضع، المُنْبِئ بمزيدٍ مِن العَسَفِ السِّياسي والاحتضار الوطني والخراب الشَّامل، لا يمكن أن يتحقَّق إلاَّ بالتَّلاقي الوطنيِّ الفعليِّ بين جميع اللبنانيين؛ على اختلاف توجُّهاتهم السِّياسيَّة وتنوُّعاتهم الطَّائفيَّة والمذهبيَّة وتعدُّد مناطقهم الجغرافيَّة.
4) إنَّ التَّلاقي الوطني بين اللبنانيين، وبعيداً عن أيِّ تدخُّلٍ دوليٍّ، رغم كلِّ اختلافٍ سياسيٍّ في ما بينهم، ورغم جميع العناصر الخارجِيَّة والدَّوليَة الضَّاغطةِ، يبقى هو مفتاح الحَلِّ، للخلاصِ من المأساة المفجعة التي يعيشها اللبنانيون قاطبةً؛ هو الكفيل بخلاصِ لبنان من كلِّ إجحافٍ يعانيه ناسه، ومن كلِّ فتنةٍ تُرْمَى بين أبنائه للإطاحةِ بوجودهم، ومن كلِّ اضمحلالٍ يهدِّد كيان الوطنِ، كما يبقى مفتاح القوة في مواجهة أي افتئات صهيوني على الحدود البحرِيَّة للبنان، وحقِّه في الإفادةِ مما تحويه من خيرات.
5) إنَّ لُبّ مأساةِ لبنان، وجوهر ما يعانيه من انكفاء ويقاسيه أهله من خراب، إنَّما هو ثمرةُ تَغَلْغُلِ فهمٍ طائفيٍّ استغلاليٍّ لحقيقةِ وجوده المعطاء، ولطبيعة رسالته الحضاريَّةِ والدَّولِيَّةِ السَّامية، ضمن هذا الوجود؛ وكذلك، لطموحِ أبنائه الذين برهنوا عن جدارتهم في العيش وقدراتهم في العطاء ومقدراتهم على الإبداع والتَّجديد.
6) إنَّ التلاقي الوطني الفعلي المنشود لا يكون، حقاً وفِعلاً، سوى باعتماد «المواطنة» مبدأً أساساً للعيش المشتركِ بين اللبنانيين؛ وفي هذا الاعتماد ما يؤكِّد عدم استغلال الدِّين، بدعوى الطَّائفة والمذهب، وسيلة لبثِّ التَّفرقة بين اللبنانيين، وذريعةٍ لاستغلالهم لمآربَ أبعد ما تكون عن حقوقهم الوطنية، وأداة لتفريغ البلد من وجودهم الفعليِّ ودفعهم إلى الهجرة عن أراضيه والابتعاد عن خيراته.
7) إنَّ تشكيل حكومةٍ اليوم، وليس غداً، على أسس التَّلاقي الوطني، غير السِّياسي، بين جميع اللبنانيين، على تعدُّد طوائفهم وتنوُّع أحزابهم وتخصُّصِ نقاباتهم؛ هو خشبة الخلاصِ المطلوبة، والتي لا بديل منها على الإطلاق.
8) تعلن «ندوة العمل الوطني»، انطلاق جهودها العمليَّة في الدَّعوة إلى تلاقٍ وطنيٍّ شامِلٍ، بين جميع اللبنانيين؛ مهمته التَّأكيد على أن «العيش المشترك»، الذي تنصُّ عليه مقدِّمة الدستور اللبناني، هو عيش بين المواطنين جميعهم، بحكم مواطنيتهم، وليس عيشاً طائفياً على الإطلاق؛ وأن المستند الدستوري للبنانيين في فرض هذا الفهم وإعطائهم الحق في اعتماده، إنّما يعودُ، كذلك، إلى مقدِّمة الدستور اللبناني، التي تنصُّ بوضوح وجلاء وحُسْنِ بيان وفصاحة تعبيرٍ، لا لبس فيها على الإطلاق، على «أنَّ الشَّعب مصدر السُّلطات».
* البيان الصادر عن اللَّجنة التَّنفيذيَّة لـ«ندوة العمل الوطني»، بعد اجتماعها الدوري المنعقد برئاسة الدكتور وجيه فانوس

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا