- «إن الطريقة الطبيعية للتحرير الوطني، المفروضة على الشعوب بواسطة القمع الإمبريالي، هي الكفاح المسلح».(أميلكار كابرال - 1924 -1973 القائد الثوري لشعب غينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر للتحرر من الاستعمار البرتغالي)

- «إذا قاتلت فإنك ستتمكن من أن تكون حراً، إذا لم تقاتل فقد خسرت المعركة الوحيدة التي تخسر فيها، هي المعركة التي تنسحب فيها».
( تشي غيفارا)

سنوات أربع، انقضت على تلك الساعات الأولى من يوم 6 / 3 / 2017 التي قطع سكونها صوت إطلاق الرصاص الغزير الذي أعقبه صوت انفجار ضخم نتج عن قذيفة "أنيرغا" أطلقتها قوات الغزو الصهيوني باتجاه الشقة التي تحصّن فيها "باسل الأعرج" وقاتل من داخلها حتى الرصاصة الأخيرة. لم يستسلم ولم يرفع الراية البيضاء، المطلوب الرقم 1 لجيش العدو، على خلفية اختفائه لأكثر من ستة أشهر ، بـ"تهمة" نشاطه ودوره في مقاومة الاحتلال.
لم يكن الباسل في هذا اليوم / الذكرى مجرد رمزية موسمية تَحْضُر في ذكرى الغياب، فالشهداء يُقيمون في الوعي والحلم والرؤى، داخل عقول ومشاعر المناضلين والمناضلات، وعند كتلة وازنة من الشعب، لأنهم بتضحيتهم يرسمون لجيل كامل، مسار الكفاح من أجل حرية الوطن وتحرر الإنسان. هنا، قَدَّم الباسل في حياته واستشهاده، نموذجاً لفدائي من طراز استثنائي، لأنه أكّد باستشهاده أن "الكلمات التي لا تتطابق مع الأفعال، غير مهمة" كما يقول الثائر الأممي "غيفارا".
تحضر الذكرى الرابعة لغياب الباسل هذا العام، وفلسطين القضية والأرض، تتعرّض لمذابح على أكثر من صعيد، نتيجة هجمة متعددة الأشكال والمسارات. فالقضية التحررية للشعب الفلسطيني التي كانت – وستبقى لدى قطاعات واسعة من الأمة – هي القضية المركزية في المواجهة العربية مع قوى الاستعمار والهيمنة والتقسيم، بدأت تتعرض في الأشهر الأخيرة لهجمة شرسة يقودها المركز الإمبريالي / الصهيوني، عبر أنظمة عميلة، انتقلت من التآمر السري داخل الغرف، والعلاقات المُخفاة مع كيان العدو إلى أبعد من التطبيع، لتُشكل تحالفاً استراتيجياً، تُصبح من خلاله، الامتداد الجيوسياسي والقاعدة / المستعمرة الاستخباراتية والعسكرية للكيان الصهيوني في أكثر من دولة عربية. كما تتعرض الأرض الفلسطينية إلى المزيد من التوسع الاستعماري / الاستيطاني من خلال بناء العديد من الوحدات السكنية الجديدة في المستعمرات، ومصادرة الأراضي المترافقة مع حملات هدم البيوت وطرد أصحابها، مع اشتداد حملات الاعتقالات شبه اليومية – 400 حالة اعتقال خلال شهر شباط / فبراير الفائت بينهم 39 طفلاً و 5 نساء، كما أعلن مركز فلسطين لدراسات الأسرى - ومن الواضح أن ما يجري داخل الوطن المحتل منذ عام 1948 من تصعيد واضح في السياسات العنصرية مع اتساع الجريمة المنظمة – التي تغضّ الطرف عنها قوات الشرطة، بل إن أجهزة الاستخبارات في حكومة العدو تعمل على تشجيعها - بشكل شبه يومي كما يظهر في حوادث القتل داخل المجتمع العربي.

الباسل مُتفرّداً
لم يكن استشهاد الباسل حادثاً خارج المألوف في مسيرة المقاومة في فلسطين الممتدة على قرن ونيف من المواجهة مع الغزو الإمبريالي / اليهودي - الصهيوني. لكن تَفرد الباسل في تلك المسيرة يأتي من البنية النظرية - الميدانية والسياسية التي عمل على بنائها وتطويرها، فكراً وممارسة على مدى عقد ونصف عقد من حياته – استشهد في عمر الـ 32 عاماً -. لن أبالغ إذا قلت إن شهيدنا كان موسوعة فكرية قلّ نظيرها بين أبناء جيله. في الحوار مع عمة الشهيد "شيرين الأعرج" المنشور يوم 20 مارس / آذار عام 2017 الذي أجراه موقع "بيلست الإخباري" تتحدث عن باسل، وهي الأكثر قرباً، روحياً وعائلياً له "لقد أتم قراءة 3000 كتاب، حتى الخامسة والعشرين من عمره، في كل المجالات من التاريخ والسياسة والاجتماع والفكر، والعسكرية التي ركّز عليها في الفترة الأخيرة" . وقد اقترن بهذه القراءات، خاصة التاريخ المكتوب عن المقاومة الفلسطينية والنضالات الشعبية، بحث ميداني على الأرض كانت أدواته ليست الكتابات – رغم أهميتها – بل المقابلات التي أجراها الباسل مع من اقترن اسمه بتلك التجارب الكفاحية : أفراداً وجماعات. وبهذا، فقد قَدَّم الباسل نموذجاً عن ماهية المثقف الثوري/ المشتبك الذي ربط بوحدة كاملة، الوعي النظري بالعمل والفعل الكفاحي المتعدد الأوجه : التظاهرات والاشتباك المسلح مع الغزاة المحتلين.
ارتقى الباسل شهيداً بعد أن "عاش نيصاً وقاتل كالبرغوث" كما كتب عنواناً لأحد مقالاته. قاتل من المسافة صفر، وهو المُعجب بعمليتَي "وادي عيون الحرامية" قرب بلدة سلواد 3/ 3 / 2002 ، و"زقاق الموت" الخليل 15 تشرين الثاني / نوفمبر 2002.

لا تكن محايداً
في وصيته التي افتتحها بـ (تحية العروبة والوطن والتحرير) تسجيل واختزال للأفكار التي أضاءت له دروب المقاومة. فقد كانت العروبة بالنسبة إليه، انتماءً ووعياً ومقاومة. لهذا كانت زيارته للبنان، تجسيداً لذلك الانتماء وترجمة لعمق الوعي المقاوم. أما الوطن والتحرير فقد تجسدا فكراً واستشهاداً، بالتوأمة بينهما. أما خاتمتها، فتحمل من كاتبها اعترافاً بالقناعة التامة لما وصل إليه، بوعيه وثقافته اللذين مارسهما على أرض الواقع (أنا الآن أسير إلى حتفي راضياً مقتنعاً وجدت أجوبتي، يا ويلي ما أحمقني وهل هناك أبلغ أو أفصح من فعل الشهيد. وكان من المفروض أن أكتب هذا قبل شهور طويلة إلى أنَّ ما أقعدني عن هذا هو أن هذا سؤالكم أنتم الأحياء فلماذا أجيب أنا عنكم فلتبحثوا أنتم. أما نحن أهل القبور فلا نبحث إلا عن رحمة الله).
بجانب أوراق الوصية، ترك الشهيد لرفاقه ورفيقاته ولشعبه، كُتُباً وسلاحاً ومقذوفات فارغة، ومخازن الطلقات التي أفرغ كل رصاصها وهو يتصدى لجيش القتلة المحتلين. وهل هناك أبلغ من كل ما تركه باسل: أفكارٌ وسلاحٌ ونهجٌ وشهادةٌ.
ارتقى الباسل شهيداً، كما أراد أن يموت، وهو النموذج الغيفاري المُعاصر، كما قرأه في عبارة "تشي غيفارا" الخالدة (في حبّ بلادك، لا تكن محايداً، كن متطرفاً حتى الموت).
أيها الباسل / سنبقى نردّد ما أكّدته: "لا تحلموا بعالم سعيد ما دامت "إسرائيل" موجودة".

*كاتب فلسطيني

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا