نعرض هنا أحد الكتب المهمّة، لجهة جمعه لهواجس النخب الأميركية تجاه الصين في عقدين (1979 - 1999)، حتى بزوغ القرن الواحد والعشرين، كما يشير إلى جميع المناقشات الأميركية بخصوص آفاق تطوّر الصين في القرن الواحد والعشرين وإمكانات التعاون - الصدام الأميركي الصيني، بما فيها خيار «فكّ الارتباط» مع الصين وقطع التعامل التجاري معها، والشروع في «حرب باردة» على طريقة الحرب الباردة مع السوفيات، بعد الحرب العالمية الثانية. كلّ ذلك يعكس القلق (والهاجس) الأميركي من صعود الصين وتصدّرها للاقتصاد العالمي.الكتاب من تأليف: دانييل بورشتاين وأرنيه دي كيزا، ترجمة شوقي جلال، العدد 271، تموز/ يوليو 2001 من عالم المعرفة - الكويت. الكتاب في 450 صفحة من القطع المتوسط.
العنوان الأصلي:Big Dragon: The Future of China: What It Means for Business, the Economy, and the Global Order Paperback – March 18, 1999
By Daniel Burstein, and Arne J.De Keijzer
يتمتع الكاتبان بخبرة أكثر من خمسين عاماً في السفر عبر أرجاء الصين والمشاركة في مشروعات الأعمال هناك. يقول المؤلّفان: يتحدّث هذا الكتاب عن أثر الصين مستقبلاً في الميزان الكوكبي للثروة والقوة، خلال القرن الحادي والعشرين. ونحن معنيّون، بوجه خاص، بكيفية التفاعل بين والولايات المتحدة والصين، ليس فقط خلال الأعوام القليلة المقبلة، بل وعلى مدى العقود الطويلة التالية. مثلما نحن معنيّون أيضاً بدلالة هذه التفاعلات بالنسبة للاقتصاد والأعمال والنظام العالمي.
ظهر الكتاب في لغته الأصلية الإنكليزية، عام 1999، على أثر أزمة النمور الآسيوية وانهيار عملاتها المحلية، وانهيار البورصات وأسواق الأسهم. واللافت هو القوة التقديرية والتنبؤيّة للكتاب، يقول الكاتبان: في تقديرنا إنّ الصين مهيّأة، إذا ما سارت الأمور رخاء كما هي الآن، لكي تصبح في حوالى العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين أكبر اقتصاد قومي في العالم.
لقد بدا واضحاً، منذ عقدين (منذ 1979)، أنّ تدفّقات التجارة ورأس المال وما ينجم عنهما من قوة وثروة، أخذت في الانتقال من العالم القديم المتمركز حول الأطلسي، إلى عالم آخذ بالتطوّر باستمرار متمركزاً حول الباسيفيكي (نهاية الغرب وبداية الشرق). والشيء الذي أصبح أكثر وضوحاً، منذ عهد قريب جداً، أنّ الصين تحتلّ مكان القلب من هذا التحوّل الآسيوي.
في عدائها الطبقي للصين، تحاول الطبقة الرأسمالية الاحتكارية في الولايات المتحدة الأميركية أن تشكّل ما يُسمّى وعياً أقصى، وعياً يرتفع عن وعي واقع حال المشروعات والأعمال، في محاولة للتنبؤ بمستقبل تحوّلات الصين، خصوصاً أنّ هذه الطبقة تضع نفسها في موقع العداء الاستراتيجي لنهوض الصين التاريخي، مدرّعة بإمبراطورية من النخب السياسية والصحف ووسائل الإعلام والكتّاب والمستشارين. وقد توصّلت عبر هذا الوعي الأقصى، إلى افتعال أزمة النمور الآسيوية عام 1997، عبر سحب كلّ الاستثمارات الأميركية في سوق الأسهم والبورصات الآسيوية، خصوصاً بلدان النمور (هونغ كونغ، سنغافورة، تايوان، وكوريا الجنوبية)، ما أدّى إلى انهيار العملات المحلية في هذه البلدان، وقاد إلى أزمة مالية في بلدان جنوب شرق آسيا (أي في بلدان نطاق الصين: اليابان، كوريا الجنوبية، أندونيسيا، تايلند، هونغ كونغ، تايوان، سنغافورة، ماليزيا). كان المستهدف الأساس هو الاقتصاد الصيني، إلّا أنّه صمد ولم يتأثّر إلّا لماماً بالأزمة السالفة الذكر.
نقرأ في «التنين الأكبر»: والملاحظ أنه بعد خمس سنوات من البيان الذي أعلنه بيجس Biggs نكاد نجد من لا يزال يشعر بأقصى قدر من التفاؤل في رواج السوق بشأن الصين، لقد أصبح المزاج السائد الآن أقرب ما يكون إلى المزاج الذي عبرت عنه مجلّة «ذي إيكونوميست» في ردّها على بيجس: «أقصى حدّ من المضاربة بالصعود». أمّا عن بيجس نفسه، فإنّه مع خريف 1997 تحوّل إلى شخص فظ للغاية بشأن المنطقة، إلى حدّ أنه كان يُلحّ على العملاء أن يفرغوا حوافظهم (المالية) بالكامل من أسهم هونغ كونغ والصين. وقد كانت نصيحة شديدة الوضوح، وسط الأسباب العديدة لانهيار السوق الذي بدأ في هونغ كونغ في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر 1997، وانتشر من هناك انتشار النار في الهشيم إلى جميع أسواق العالم.
وعشية الكوابيس الاقتصادية والمالية العديدة، التي جثمت على آسيا مع مطلع عام 1998 - حيث تزايدت المضاربات على العملة، وانخفضت قيمة العملات بشكل قياسي، وماتت أسواق الأسهم، وترنّحت المصارف تحت وطأة جبال من الديون المعدومة، وخيّم شبح الانكماش على كلّ المنطقة - حيث أكد هنا خبراء كثيرون أنّ المسألة مسألة وقت فقط، حتى تغرق الصين هي الأخرى في كل هذه الأحداث السلبية التي سيطرت على الإقليم.
كانت الآمال الأميركية تتجه نحو تحويل الصين عبر الاستثمارات المباشرة، إلى ديموقراطية ليبرالية تدور في فلك الإمبريالية الأميركية. لكنّ حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر، ولا تفتأ الأصوات تتعالى داخل الكونغريس داعية إلى وقف التعامل التجاري مع الصين، عقاباً لها على خطاياها السياسية. وكاد الأمر يصل إلى مرحلة الخطر من حيث إمكانية موافقة الأغلبية في مجلس الشيوخ، عام 1997، على رفض معاملة الصين معاملة الدولة الأولى بالرعاية. وذاعت داخل الكونغرس مذكّرات متطرّفة، تطالب باعتبار الصين العدو القومي لأميركا. إنّ تشدّد ترامب وفريقه اليوم تجاه الصين، ليس من دون سابقة استراتيجية وتقليد شائع في السياسة الأميركية.
لقد أخطأ المتفائلون المفرطون في تفاؤلهم، إذ افترضوا أنّ الصين سوف تتطوّر بشكل «طبيعي» لتصبح مجتمعاً ديموقراطياً - ليبرالياً رأسمالياً.
وعلى الرغم من أنّ الصين ليست يقيناً مجتمعاً ديموقراطياً تماماً بالمعنى الأميركي للكلمة، إلّا أنّها بحق أكثر ديموقراطية من أيّ وقت في تاريخها على مدى خمسة آلاف عام، كذلك فإنّ أسواقها أكثر انفتاحاً للتجارة والاستثمار من بعض البلدان الأخرى في الإقليم. ومع هذا كله، تعامل الولايات المتحدة الصين، اليوم، معاملة تنطوي على قدر من الامتهان أكثر من السابق، وتُدرج واشنطن بكين ضمن حوارات المستوى الأدنى للزعامات.
قد نجد على امتداد الطريق الإيجابي البنّاء لحركة تقدّم الصين، إجابة عن السؤال الخاص: أين ستحصل البلدان المتخلّفة في العالم على قوى الدفع لطاقاتها ونموّها، خلال النصف الأول من القرن الواحد والعشرين؟ خاصة أنّها جميعها تقريباً تملك اقتصادات بطيئة النمو وزيادة سكانية سريعة.
* كاتب وباحث سوري

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا