بلغت الأزمة درجة في غاية السخونة والخطورة والحساسية، من الانتفاضة الشعبية إلى أزمة الدولار، وصولاً إلى فيروس «كورونا»، ومروراً بالحصار والعقوبات، وليس انتهاء بأزمة الحكومة، بل أزمة الحكم، وربما أزمة الهوية... وليس هناك من بصيص ضوء أو بارقة أمل في المستقبل السياسي القريب أو البعيد المدى، بل إنّ الأمور ستزداد سوءاً وتعقيداً. وثمة قرارات لا بدّ من حسمها، وخيارات لا بدّ من تحديدها، وخطوات لا بدّ من اتخاذها، وذلك من ضمن رؤية أو استراتيجية وطنية، رسمية (أو حكومية) وشعبية، تكون شاملة وجامعة وعميقة. فما هو المطلوب منا؟إنّ المطلوب من الجميع - والمقصود جميع المسؤولين المعنيين في الدولة أو السلطة السياسية - البحث في الخيارات الأخرى، وكذلك الإسراع في عملية البحث هذه. فشروط صندوق النقد الدولي هي صعبة ومؤلمة أيضاً. وسياسة العقوبات الأميركية مستمرّة، وبوتيرة متصاعدة ومتشدّدة. وعليه، فإنّ المجتمع الدولي، في شقّه الغربي، بجناحه الأميركي بالدرجة الأولى، وجناحه الأوروبي بالدرجة الثانية، هو غير متعاون، وغير إيجابي حتى، ولا سيما الجانب الأميركي، ويتبعه في الاتجاه نفسه الجانب الأوروبي، وعلى رأسه الجانب الفرنسي، في فرض الحصار والضغوط كافة على اللبنانيين وفي ممارسة الابتزاز.
من هنا، قد يبدو من المفيد - وربما يكون من الضروري أيضاً - الاتجاه بأقصى سرعة ممكنة نحو بقية المجتمع الدولي، في شقّه الشرقي بصورة عامة، وربما المشرقي بصورة خاصة، في إشارة إلى كلّ من روسيا والصين وإيران على المستوى الشرقي، وكذلك سوريا والعراق على المستوى المشرقي، أو حتى الكويت. فقد يكون لدى هذه الدول - أو الحكومات القائمة فيها - النية والإرادة لمساعدة اللبنانيين في مواجهة هذه الأزمة، أو لنقل هذه الحرب، والمساهمة في التخفيف من هذه الأعباء. وهو مجرد خيار أو احتمال ممكن، بات من الواجب الحتمي الخوض فيه في محاولة لإنقاذ ما تبقى من الدولة والمجتمع والبلد.
والمطلوب أيضاً من كلّ اللبنانيين، على اختلاف انتماءاتهم الطائفية والمذهبية أو اتجاهاتهم السياسية والفكرية، الالتفاف حول الجيش، هذه المؤسّسة الوطنية الكبرى، لكونها الضمانة للوحدة الوطنية والسلم الأهلي والعيش المشترك. فالجيش هو المدماك الأول في أيّ مشروع أو مبادرة أو محاولة لإعادة بناء الدولة اللبنانية، وربما استكمال بناء الدولة المدنية والذهاب نحو الدولة الوطنية الحديثة. وهو جزء أساسي من المساحة المشتركة بين اللبنانيين. وعليه، لا يجوز الإمعان في التصويب على الجيش أو الغمز من قناته أو النيل من معنويات رجالاته بطريقة استنسابية، متقلّبة وغير مسؤولة، بحسب الظروف أو المواقف.
قد يبدو من المفيد الاتجاه بأقصى سرعة ممكنة نحو بقية المجتمع الدولي، في شقّه الشرقي بصورة عامة وربما المشرقي بصورة خاصة


كما أنّ المطلوب من الجميع في هذا البلد، ومن دون أيّ استثناء يشذّ عن القاعدة، في هذه اللحظة السياسية والتاريخية، المفصلية والمصيرية، الالتفاف حول المقاومة - وليس ضدها أو عليها - لمواجهة التحدّيات والتهديدات والأخطار الداخلية والخارجية على السواء، بمعنى المقاومة العسكرية وغير العسكرية ضد العدو الإسرائيلي أولاً، وضد العدو الإرهابي ثانياً، والمقاومة الشعبية ضد الفساد ثالثاً، والمقاومة المدنية ضد الطائفية السياسية والمذهبية السياسية لتجاوز العصبيات الفئوية رابعاً. فالمقاومة تبقى حاجة وطنية واستراتيجية ملحّة؛ وهي المدماك الثاني لإعادة بناء الدولة و«حمايتها» من الداخل والخارج.
كذلك، فإنّ المطلوب من الناس في المرحلة الحالية، وفي الفترة المقبلة، ممارسة الضغط الجدي والحقيقي - المقصود الضغط الشعبي والمعنوي والسياسي - للدفع باتجاه سلوك الخيارات الصحيحة على المستويين الاستراتيجي والتكتيكي. لا يجوز تضييع المزيد من الوقت في الدوران في الحلقة المفرغة ذاتها. كما أنّه من غير المعقول، ومن غير المقبول، الاستمرار أكثر في المهاترات والمزايدات والمناكفات من باب الكيد أو النكد السياسي الفئوي على الطريقة اللبنانية. فالوقت هو للعمل الحثيث من أجل المصلحة العامة والمصلحة الوطنية العليا، وفقاً لفلسفة الدولة ومنطقها، وليس لتسجيل النقاط أو الأهداف في ما بيننا.

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا