أما وقد حدث، داخل الحزب القومي، ما كان متوقّعاً حدوثه، منذ مدّة، حيث انتقل الصراع، من السر إلى العلن، بين أسعد حردان ومجموعته التي انشقّت عنه، في ليل 13 أيلول / سبتمبر الحالي، بعدما تحكّمت بإمرته بالحزب على مدى عقدين من الزمن، فإنّ القوميين الاجتماعيين، من مستقلّين، ومعارضين، معارضة داخلية أو خارجية على السواء، مدعوون جميعاً، اليوم، إلى التحرّك الفوري لاقتناص هذه الفرصة التي قد تكون الأخيرة، واسترداد الحزب من مختطفيه، ولن يشفع لهم أحد، إذا لم يقوموا، بما عليهم القيام به، في هذه الظروف المصيرية التي تمرّ بها الأمّة، وحزبها ــــــ للأسف ــــــ غافل عنها، منهمك بمغامرات صبيان الأزقّة في صفوفه.في قراءة أولية لنتائج الانتخابات التي حصلت منذ أيام، مع أنّها غير شرعية وغير قانونية، بحسب دستور الحزب المعمول به حالياً، فإنّ الذين فازوا فيها، باستثناء فائز أو اثنين، كعامر التل مثلاً، هم غير مؤهّلين، ثقافياً ونضالياً ومناقبياً، لعضوية المجلس الأعلى (على اعتبار أنّ أعضاء المجلس يُختارون من الأمناء)، وبالتالي لتنكب أية مسؤولية حزبية مركزية، فأكثرهم أميّون، ولا يمتلكون من شروط الأهلية القيادية أي شرط، إلا إذا كانت الأهلية في عرفهم، تعني التحزّب الأعمى، واصطناع المحاور على أساسٍ كيدي أو فئوي، وانتهاز الفرص للكسب المادي، والتسلّل إلى مواقع قيادية تمكّنهم من الحفاظ على مكاسبهم التي حصلوا عليها بالخداع والرشوة، والتزلّم لزيد أو لعمرو من «قبضايات» هذا الحزب المنكود الحظ.
إنّ ما يشفع لعامر التل ليس مؤهلاته العلمية أو النضالية، فهو لا يمتاز كثيراً عن «رصفائه» الستة عشر، ما يشفع له أنّه أردني، أي غير لبناني، وقد ملّ القوميون الاجتماعيون، بل «قرفوا»، من العناصر اللبنانيين الذين تحكّموا بالحزب، منذ استشهاد سعادة، أولئك الذين عرفوا، تاريخياً، بـ«الشمالكة» أي الذين تخرّجوا من مدرسة شارل مالك الفكرية ومدرسة كميل شمعون السياسية.
إنّ ما يشفع لعامر التل ليس مؤهّلاته العلمية أو النضالية فهو لا يمتاز كثيراً عن «رصفائه» الستة عشر، ما يشفع له أنّه أردني


بناءً على ما تقدّم، ونظراً إلى عدم توفّر شخص بين المجموعة التي فازت بالانتخابات غير الشرعية، مؤهّل لتسلّم رئاسة الحزب، أقترح الأخذ بما كنت قد اقترحته في نداء سابق إلى القوميين الاجتماعيين، بتاريخ 28 أيار / مايو الماضي (جريدة الأخبار، العدد 4059) ودعوت فيه إلى إنشاء قيادة مؤقتة من خمسة أعضاء مؤهّلين، مفوّضة كلّ السلطات، لمدة سنة، وتقود الحزب بموجب قانون مؤقّت، على أن تُصدر القوانين التي تحتاج إليها لإدارة الحزب، وتبدأ عملها بإلغاء كل التشريعات الصادرة عن المجالس العليا، منذ 8 تموز / يوليو 1949، وإلغاء كل الأمانات الممنوحة، قديمها وجديدها، وصياغة قانون انتخابي جديد يُجرى على أساسه انتخاب مجلس أعلى جديد، ورئيس حزب جديد.
وعليه، يُحلّ المجلس الأعلى الحالي المنتخب حديثاً ــــــ إذا بقي ــــــ نفسه، ويثبّت المجلس الأعلى الجديد المنتخب على أساس هذه المبادرة، بقانون دستوري دائم يحمل العدد ثمانية (8)، على أساس أنّ المراسيم ــــــ القوانين التي أصدرها سعادة في حياته، بلغت العدد (7) وهو المرسوم الذي حدّد بموجبه شروط منح رتبة الأمانة، الرتبة الأعلى في الحزب.
لقد أنشأ سعادة الحزب لغرض سامٍ، هو جعل الأمة السورية صاحبة السيادة على نفسها ووطنها، ولذلك فإنّ دعوتي إليكم، اليوم، غرضها استرداد الحزب من مشغّليه بالسخرة، مقابل ثلاثين من الفضّة!
إنّ حزبكم، أيها القوميون الاجتماعيون، ليس حزباً سياسياً بالمعنى الاعتيادي للكلمة، أي حزب يتكتّل فيه أشخاص يعملون لبلوغ غاياتهم الشخصية، بل هو حزب يشكّل قضية خطيرة هي قضية الآفاق للمجتمع الإنساني الذي نحن منه والذي نكوّن مجموعه.
لقد أرسى الحزب، في هذه البلاد وفي محيطها العربي وإقليمها المتوسطي، ثقافة جديدة، لا عهد لها بها من قبل، ثقافة خلقت تياراً فكرياً ومعرفياً وأخلاقياً واسعاً طبع السوريين، وتردّدت أصداؤه، ولا تزال، في مختلف المنابر القومية والعربية والإقليمية، فلا تحرموا الأمة من إشعاعه... لا تحرموا الأمة من إشعاعه...!

* أستاذ جامعي

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا