ليسيه عبد القادر
يس مبالغاً فيه القول إن ليسيه عبد القادر هي آخر ما تبقّى من بيروت التي اندثرت وتحوّلت غابة من الباطون لجشع التجار الذين هجّروا أهلها خارجها مقابل الفتات، ليتنعموا بأرضهم. ليسيه عبد القادر هي آخر الفُسَح التي لا يزال التنفّس فيها ممكناً بعدما خنق التلوث بيروتنا الحبيبة. هي جزء من تراث بيروت وتاريخها ومسقط ذكرياتنا، نحن الذين درسنا فيها أيام الزمن الجميل، وتفيأنا أشجارها الباسقة، وتنزهنا بينها وبين قصر السفير البريطاني وغيره من القصور، التي كانت تزين المنطقة قبل ان تتحول الى خرائب، وتمشينا في الشوارع التي كانت حتى الأمس القريب تنعم بهدوء يريد أن يسلبهم اياه اليوم من يريدون أن يُحلّوا محل هذا الصرح التراثي والثقافي مجمّعاً تجارياً بشعاً.

عندما اشترى الرئيس رفيق الحريري ليسيه عبد القادر، قرر دعمها مالياً، وفي الوقت نفسه الحفاظ على مستواها الراقي، كواحدة من أهم المدارس اللبنانية، من التدهور الذي أصاب شقيقتها المواجهة لها، المدرسة الانجيلية، لكن بعد استشهاده، هناك من تغوّل على أهالي الطلاب، الذين تحمّلوا رفع الأقساط أضعافاً مضاعفة مؤثرين الحفاظ على مسيرة هذا الصرح التربوي.
للأسف الشديد، فإن ورثة الرئيس الشهيد، الذين نحب ونجلّ، لم يحفظوا للراحل وصية. تيار الرئيس الحريص على العلم والتعليم بات همّه، على ما يبدو، منحصراً في الاستيزار والاستيناب وتوظيف الأزلام و«تشحيد» أهالي بيروت الوظيفة. أهالي بيروت الذين تحمّلوا الكثير منذ استشهاد الرئيس الرفيق، ودفعوا من أعصابهم واستقرارهم للحفاظ على إرث الرئيس الحريري. الإرث الذي لا يألو الورثة جهداً في تضييعه والتعامل معه من منطلق تجاري بحت. كنا نتمنى لو أن السيدة هند الحريري حافظت على هذا الصرح، أو لو أن الرئيس سعد الحريري تدخّل في الأمر (هل فات الأوان؟) للحفاظ على هذه الذاكرة البيروتية. وبما ان الشيء بالشيء يذكر، فإن هذه الذاكرة ليست قصيرة، وصبح الانتخابات قريب.
قديماً قيل: «مين خلّف ما مات»... رحم الله الرئيس الشهيد.
س. شهاب