يلفت النظر إلى أنّ هناك حلفاء أوروبيين لواشنطن وإقليميين ليسوا على الخط ذاته مع الأميركيين في الموضوع الليبي
في يوم6 / 6 / 2020، قال حفتر العبارة التالية في القاهرة، وكان بجواره الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وعقيلة صالح: «التدخّل العسكري التركي يقود إلى استقطابات داخلية في ليبيا، وكذلك إلى استقطابات إقليمية ودولية». عبارة حفتر صحيحة، ولكن يمكن الانطلاق منها لرسم الزاوية الثانية، عندما قاد الانقسام الليبي الداخلي السياسي ـــــ المجتمعي، منذ صيف 2014، إلى استقطابات إقليمية (مصر والسعودية والإمارات) ودولية (فرنسا ــــ روسيا) مع حفتر، في وجه استقطابات إقليمية (تركيا ـــــ قطر ـــــ الجزائر)، ودولية (الولايات المتحدة ـــــ بريطانيا ـــــ إيطاليا)، وقفت مع حكومة السرّاج. يلفت النظر في هذه الاستقطابات، إلى أنّ هناك حلفاء أوروبيين لواشنطن، مثل باريس، وإقليميين مثل القاهرة والرياض وأبوظبي، ليسوا على الخط ذاته مع الأميركيين في الموضوع الليبي، كما الخلاف الليبي بين باريس وروما التي كانت تستعمر ليبيا فيما سيطر الفرنسيون على إقليم فزان بعد هزيمة الإيطاليين في الصحراء الليبية، بين عامي 1943 و1951، وكذلك الخلاف الروسي ـــــ التركي في ليبيا، فيما موسكو وأنقرة على توافق في الأزمة السورية. الجزائر التي حاربت سلطتها الإسلاميين في مواجهات دموية، بين عامي 1992و2002، تتحالف مع حكومة السرّاج التي يساندها الإسلاميون، في صورة لا يمكن تفسيرها سوى بالتوجّس الجزائري من أن تتحوّل ليبيا، عبر حفتر، إلى امتدادٍ للنفوذ المصري، وهو ما يفسّر قول الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في يوم 5 كانون الثاني / يناير 2020، عقب استقباله السرّاج، بأنّ «طرابلس خط أحمر»، وذلك عندما كانت قوات حفتر على أبوابها. في الصورة الليبية، هناك مشهد يجب التنقيب فيه، يتمثّل في واشنطن التي فكّت تحالفها مع الإسلاميين، وهو ما ظهر مع تأييدها لانقلاب السيسي على الرئيس المصري السابق محمد مرسي، عام 2013، وفي التباعد الأميركي ـــــ التركي، منذ ذلك الانقلاب القاهري للعسكر ضد حكم الإسلاميين المصريين، ولكن التي نراها في ليبيا تدعم حكومة السراج التي تستند إلى الإسلاميين، ولم تقل كلمة ضد التدخّل العسكري التركي في ليبيا، منذ خريف 2019، الذي قلب الطاولة العسكرية ضد حفتر المدعوم من حلفاء واشنطن المصريين والسعوديين والإماراتيين، وضدّ حلفاء حفتر الروس الذين رضيَت واشنطن بوجودهم في سوريا، ولكن على ما يبدو لا ترضى بامتدادهم إلى الشواطئ الليبية، التي لا تبعد إلا قليلاً عن بلدان «حلف شمال الأطلسي» الجنوب أوروبية. أيضاً، هناك اللغز التركي، الذي يريد القول، من خلال اتفاق 28 تشرين الثاني / نوفمبر 2019 مع السرّاج، الخاص بالحدود البحرية التركية ـــــ الليبية، إن المنطقة البحرية الفاصلة بين جزيرتي قبرص وكريت، هي حدود بحرية تركية ـــــ ليبية، حيث سيمر خط الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر قبرص وكريت، ومن ثم اليونان حتى إيطاليا. وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قد وقّع الاتفاق المتعلّق به مع القبارصة واليونانيين، يوم 2 كانون الثاني / يناير 2020، فيما كانت تركيا تريد ربطه مع «توركيش ستريم»، الذي ينقل الغاز الروسي عبر تركيا إلى أوروبا، من خلال مسربَين، واحد من اليونان وآخر عبر بلغاريا، وهو ما رفضه الإسرائيليون والقبارصة. يمكن، أيضاً، أن يكون هدف رجب طيب أردوغان، عبر ليبيا، إسقاط السيسي في القاهرة، من خلال إعادة الإسلاميين إلى مصر، عبر الشبّاك الليبي، بعدما أُخرجوا من الباب القاهري، من خلال انقلاب العسكر المصري في 3 تموز / يوليو 2013. السعودية تدعم حفتر، من خلال صراعها ضد الإسلاميين بعد الانشقاق الوهابي ـــــ الإخواني، الذي بدأ في عهد الملك عبدالله، ثم تكرّس مع صعود الأمير محمد بن سلمان. في 22نيسان / أبريل 2020، قال فتحي باشاغا وزير داخلية حكومة السراج، الكلام التالي في تفسير الدعم الإماراتي القوي لحفتر: «الإمارات ترى في صالحها عدم استقرار ليبيا، كونها تشكل خطراً اقتصادياً كبيراً عليها، إذا استقرّت وحصل فيها نمو»، بما يذكّر بتفسيراتٍ عن أنّ الحرب الأهلية اللبنانية 1975 ــــــ 1990قد نقلت العاصمة المالية للشرق الأوسط من بيروت إلى دبي. ولكن لتفسير كلام الوزير باشاغا، يجب القول إنّ النفط الليبي يمكن أن ينافس نفط دول الخليج، وهو الذي لا يحتاج للوصول إلى الغرب الأوروبي، المرور بمضيقَي هرمز وباب المندب، حيث طهران وحلفاء إيران اليمنيون. لكل ما سبق ولأسباب أخرى ستبقى ليبيا محور إستقطابات استراتيجية خطيرة.
* كاتب سوري