عندما أصدرت شركة «ميكروسوفت» العملاقة برنامج «ويندوز 98» قام عالم كومبيوتر كندي بعقد مؤتمر صحافي عاجل. وقال إنّه بعد دراسة مستفيضة توصّل إلى قناعة أن اللغة التي كُتب بها برنامج «ويندوز 98» تتضمّن مفتاحاً يرمّز لـ«وكالة الأمن القومي» بأحرفها المرمّزة. لم تصدر ردّات فعل قويّة في أميركا: كالعادة، توالت الأكاذيب. لكن أوروبا تعاملت مع الموضوع بجديّة. شكّلت الحكومة الألمانيّة لجنة مختصّة لدراسة الأمر. لم تنشر ما توصّلت إليه، لكنها قرّرت ألا تستخدم برامج «ويندوز» في حواسيب المكاتب الحكوميّة الألمانيّة.
هناك رجال أو نساء يستحقّون من مطبوعات أميركيّة (أو عربيّة نفطيّة) ألقاب «رجل العام» (قلّما تحظى النساء بهذا «الشرف»). درجت مجلّة «تايم» الأميركيّة على تخصيص عدد سنوي لـ«رجل العام» (تم تغيير الاسم في الثمانينيات إلى «شخص العام» أو «شيء العام» عندما نال الحاسوب المنزلي هذا «الشرف» ذات سنة). ولم تتورّع المجلّة (المنحدرة المستوى والمبيعات) عن إطلاق صفة «رجل العام» على أشخاص أعداء للولايات المتحدة مثل هتلر أو الخميني في عقود ماضية: تشرح المجلّة باعتذاريّة جبانة أن معايير الصفة تعتمد على أفعال أو أعمال غيّرت خيراً أو شرّاً مسار العالم (أو الوطن الأميركي). لكن الرأي العام الأميركي بات أقل رحابة وتسامحاً مع الإعلام الأميركي، عندما يحيد عن ضوابط اتجاهات الرأي العام أو توجّهات السياسة الخارجيّة للحكومة الأميركيّة. لا يتحدّى الإعلام الأميركي «الثوابت الوطنيّة» للبلاد: ممنوع انتقاد أداء القوّات المُسلّحة وممنوع أيضاً إبداء التعاطف مع ضحايا القنابل والصواريخ الأميركيّة المُنهمرة على أكثر من مكان في العالم. ممنوع أيضاً الحيد عن اعتناق أميركا للصهيونيّة منذ وعد بلفور المشؤوم. كما بات من الممنوع على مجلّة «تايم» اختبار عدوّ للولايات المتحدة كـ«رجل العام». مجلّة «تايم» لم تجرؤ على تخصيص عدد «رجل العام» لـ«جوليان أسنانج»، ولم تجرؤ أيضاً وأيضاً على منح إدوارد سنودن صفة «رجل العام» - وهو كذلك من دون منازع. لا، هو أكبر من ذلك بكثير. يتربّع على أخبار القرن.
لكن الإعلام العربي يتحفّظ عن نشر الكثير (أو القليل) عن الرجل. قرّرت اختباراً أن أقارن بين تعداد الإشارات إلى سنودن وبين تعداد الإشارات إلى «كيم كارداشيان» على كشّاف غوغل، ووجدت أن الأخيرة حازت أكثر من ضعف إشارات سنودن. الإعلام العربي لا يريد أن يغطّي ما يمكنه أن يُحرج الإدارة الأميركيّة أو ما يضرّ بمصالحها القوميّة. نذكر أنّ الحكومة الأميركيّة أنشأت مكتباً خاصّاً بالإعلام العربي في دبيّ بعد غزو بغداد من أجل تنسيق التغطية الإعلاميّة لحروبها وسياساتها في الإعلام العربي. إعلام النفط والغاز مطيع ولا يريد أن يثير غضبة حكومة ترعى سلالات النفط والغاز وتحميها من غضب شعوبها. يظهر مندوبو الحكومة الأميركيّة، ومن دون مناظرة من معترضين معهم، كي يتقيّأوا دعاية أميركيّة (ممنوعة وفق القانون الأميركي الذي يسمح بضخ الدعاية الفجّة خارج حدود أميركا) وبلا كيف. تتلقّى محطة «الجزيرة» تقريراً أسبوعيّاً من السفير الأميركي في الدوحة يتضمّن نقداً شاملاً لأداء ومضامين المحطة من وجهة نظر أميركا و... حليفتها الإسرائيليّة. أنشأت الحكومة الأميركيّة محطة تلفزيونيّة بالعربيّة لكنها لا تُشاهد بالرغم من إنفاق عشرات الملايين عليها، كذلك فإن تهم الفساد والتسيّب لاحقت مسارها. (محطة «سوا» الإذاعيّة تحظى ببعض المستمعين في دول الخليج لكن بسبب الموسيقى لا السياسة). و«نيويورك تايمز» نشرت في 2004 أنّ الحكومة الأميركيّة تنسّق مع الصحف العربيّة الصادرة في لندن للحصول على تغطية إيجابيّة للحروب الأميركيّة (والحق يُقال، نفع أميركا هذا التنسيق، إذ إنك لا تجد مقالة واحدة تنتقد الحروب الأميركيّة وقتلها للأبرياء في العالم الإسلامي - الصحف الباكستانيّة أجرأ من الصحف العربيّة في انتقاد أميركا).
لكن تجاهل إدوارد سنودن هذا، يعود لأسباب أخرى. الرجل فضح التجسّس العالمي اللامحدود للحكومة الأميركيّة، وهذا يطال حكومات الدول العربيّة. عمل سنودن في «وكالة الأمن القومي»، وهي أهم وكالة تجسّسيّة في العالم. يجهل الرأي العام الأميركي والعالمي الكثير عن هذا الجهاز الأخطبوطي، لأنّ وجوده نفسه كان سرّاً من الأسرار قبل سنوات قليلة. لم يُكتب عنها الكثير، وتخصّص في شأنها صحافي واحد، اسمه جيمس بامفورد، الذي كتب أوّل كتاب عنها اسمه «قصر الأحاجي» عام 1983، وتلته كتب أخرى عن الموضوع. لم تكن الحكومة الأميركيّة تعترف حتى بوجود الوكالة، لأنها لم تكن تريد أن يعلم العالم (وحتى الشعب الأميركي) الكثير عن حقيقة أجهزة التجسّس الأميركيّة. يعلم العالم بـ«وكالة الاستخبارات الأميركيّة» لكن «وكالة الأمن القومي» كانت تنفق أضعاف ما تنفقه الوكالة. فقد تخصّصت في شؤون التجسّس الإلكتروني، فيما تخصّصت الوكالة في شؤون التجسس البشري. والتجسّس الإلكتروني يكلّف الكثير لأن أثمان أجهزة التجسّس التي تعتمد على أقمار اصطناعيّة تكلّف المليارات. يصدّق المخدوعون والمخدوعات في أميركا وحول العالم أن رحلات الفضاء الخارجي لـ«ناسا» كانت من أجل رفعة العلم ومن أجل إلهام الشعراء عن القمر والمجرّات، فيما كانت المراكب الفضائيّة تنشر أقماراً اصطناعيّة، وأجهزة متطوّرة في رحلات لا يُعلن عن هدفها الحقيقي (يقول المُفكّر اليساري، نوم - أو نعّوم أو عبد المنعم كما يرد اسمه في العربيّة - إن شركة الفضاء الأميركيّة «ناسا» هي أكبر عمليّة دعاية سياسيّة في القرن العشرين).
وليست «وكالة الأمن القومي» والـ«سي. آي. إي» الوحيدتين في مجال التجسس البشري والإلكتروني، إذ إن هناك 16 وكالة تجسّس أميركيّة تعمل في مجالات مُختلفة أو الحقول نفسها أحياناً. لكن معظم ميزانيّة التجسّس تُنفق على الوكالتيْن المذكورتيْن (تحظى الـ«سي. آي. إي» بنحو 14 مليار دولار، فيما تحظى «وكالة الأمن القومي» بنحو 10 مليار، وفق تقديرات الإعلام الأميركي لأن الأرقام الحقيقيّة سريّة ومحجوبة خلف ستر من تفاصيل الميزانيّة الأميركيّة. وقد زاد الإنفاق على الـ«سي. آي. إي» بعد 11 أيلول ليس فقط للتركيز على التجسّس البشري، بل أيضاً بسبب إشراف الوكالة المذكورة على إدارة برامج الطائرات من دون طيّار التي تضرب ذات اليمين وذات اليسار، في دول مختلفة من آسيا وأفريقيا).
كان عمل «سنودن» الذي لم يتخرّج من جامعة (المهارة الإلكترونيّة في حقل الحاسوب وأمن الحاسوب، مرغوباً في حقل العلم الاستخباراتي الأميركي ومن العالم الصناعي الأميركي إلى درجة أن الشهادة لا تهم كثيراً). هال سنودن ما رآه من اختراق للحريّات الفرديّة لمواطنين أميركيّين وأميركيّات، بالإضافة إلى سائر البشريّة. ويحظّر القانون الأميركي منذ السبعينيات (مع استثناءات دائمة) على الوكالات المذكورة أن تتجسّس داخل البلاد الأميركيّة. لكن سنودن اكتشف غير ذلك. رأى أنّ خرق الحريّات الفرديّة للأميركيّين لا يستند لذرائع قانونيّة أو سياسيّة. أصبح عملاق التجسّس الأميركي وحشاً لا يشبع، القدرات الإلكترونيّة وخنوع الشركات الإلكترونيّة والتواصليّة العملاقة مدّه بكم هائل من المعلومات التي بات لا يعرف ما يفعل بها. أصبح الابتكار التكنولوجي في هذا المجال يسعى لاستحداث برامج للمساعدة على التنقيب في البحر الهائل من المعلومات. (وعمليّة التنقيب - وهي تتضمّن التسجيل والترجمة وفك اللغة الكوديّة والتحرير والتحليل والتقويم السياسي - قد تستغرق أشهراً حتى أن الحكومة الأميركيّة عثرت بعد 11 أيلول في خزائن «وكالة الأمن القومي» على معلومات كان يمكن أن تمنع حدوث التفجيرات لو أن ترجمتها وتحليلها لم يتأخّر إلا ما بعد 11 أيلول).
لم يستطع سنودن أن يكتم في سرّه ما رآه، واستطاع بفعل عبقريّته في الحقل الإلكتروني أن يرى أكثر مما كان مسموحاً أن يراه. حزم أمره وقرّر فضح أسرار الإمبراطوريّة الاستخباراتيّة حول العالم. عند الحديث عن نظام توتاليتاري فإن (كلمة «شمولي» لا تفي بالغرض) إذ لم يسبقه نظام (نازي ولا شيوعي زائف). أميركا تتجسّس على العالم بأسره. ويجري التلاعب بعقول الأميركيّين والأميركيّات عبر إقناعهم أن وكالة الأمن القومي لا تريد منهم إلا الـ«ميتا داتا» (وهذا الخطاب استعمله الفريق الحريري، من أجل أن يفتح لبنان مشرّعاً أمام التجسّس الأميركي والإسرائيلي، وعمليّة التحقيق والاتهام في اغتيال الحريري، والدليل الظريف عن شبكة الاتصالات ما هي إلا من صنع وإعداد الجهاز الاستخباراتي الأميركي، رغم الكلام الدعائي عن عبقريّة أفذاذ في «فرع المعلومات») مع أن الـ«ميتا داتا» تتعلّق بخصوصيّة الأفراد وهي ملك لهم وليست ملك أيّ حكومة. القانون الأميركي يمنع على أجهزة الاستخبارات الأميركيّة التجسّس على أميركيّين، لكن إدارة بوش (وبموافقة من الحزب الديمقراطي الخانع في أمور «الأمن القومي» الذي يحتكر الحزب الجمهوري وجناح المحافظين الجدد فيه تعريفه العويص) عدّلت في قانون المنع عام 2007، وسمحت بالتجسس على المواطنين تحت عنوان محاربة الإرهاب (أنشأت الحكومة محكمة خاصّة لكنها ترفض طلبات الحكومة للتجسسّ على مواطنين بمعدّل مرّة واحدة من كل 2000 طلب). والتيّار الحريري سوّق لفتح خزائن خصوصيّة الشعب اللبناني بلغة الحكومة الأميركيّة التجسسيّة نفسها، لأن لغة هذا التيّار ليست ملكاً له، كذلك شعاراته وقراراته ومواقفه ليس ملكاً له أيضاً.
كذبت شركات التواصل والاتصالات الكبرى عندما زعمت أنها ذهلت عندما اكشتفت مدى التجسّس الحكومي الأميركي على ملفات زبائنها. هي كانت تعلم. وحدها شركة «آي. بي. إم» لم تصدر بياناً توضيحيّاً لأن أمنها على شبكة التواصل من أمتن وأصلب الأنواع. الشركات الأخرى سهّلت عمليّة التجسس على مواطنين حول العالم. عرف سنودن أن الإعلام الأميركي سيغطّي تلك الفضيحة، فاختار أشجع صحافي أميركي لنشر ما حصل عليه. عنيت الرفيق غلن غرينوود، الذي تخطّى كل الممنوعات في تغطيته لجرائم الحكومة الأميركيّة حول العالم (وهو يعيش في البرازيل كي يكون بمنأى عن الملاحقة الحكوميّة، كذلك تعرّض صديقه لمضايقة في لندن بسبب مواقف غلين). عرف غرينوولد أن الصحافة العاديّة التي تسلّم بحق الحكومة في تقرير ما يجب نشره وما يجب حظره في مجال «الأمن القومي» - هذا العنوان الفضفاض والذي باسمه تُتركب جرائم الحرب حول العالم - لن تجرؤ على كشف المستور، هي تتستّر. هذا الأسبوع نشرت «واشنطن بوست» وثيقة لسنودن عن قيام وكالة الأمن القومي بتسجيل كل مكالمات بلد ما، لكنها لم تسمّ البلد بطلب من الحكومة (يبدأ أوّل حرف من اسم ذلك البلد بـ«لام»، لعمري؟).
كشف سنودن أن الاستخبارات الأميركيّة تتعامل مع سكّان الكرة الأرضيّة على أنهم عبيد للإمبراطوريّة، لا تحترم لهم خصوصيّة أو حقاً من حقوق الإنسان. في هذا الأسبوع بالذات، وفي مفاوضات حول اتفاقيّة دوليّة، رفضت أميركا، ومعظم الدول، أن تعترف بتطبيق قوانينها حول حقوق الإنسان على بلاد خارج أميركا. هي بمعنى واضح حافظت على حقّها في ارتكاب جرائم حرب حول العالم، وهذا الحقّ تصرّ عليه الإدارات الأميركيّة، الجمهوريّة والديمقراطيّة على حدّ سواء.
نشرت الولايات المتحدة أقماراً اصطناعيّة وقواعد عسكريّة وتجسسيّة حول العالم، مع تركيز واضح على منطقة الشرق الأوسط. في هذا الأسبوع، كما ورد، كشف تقرير جديد صادر عن سنودن أن أميركا سجّلت كل المكالمات الهاتفيّة (وعددها بالمليارات) في بلد معيّن، وتستطيع أن تحتفظ بتلك المكالمات لمدّة شهر كامل، كذلك تستطيع أن ترجع إلى تلك التسجيلات لتنتقي منها ما تشاء.
ليس ذلك فقط، إن خروقات الإنترنت حول العالم صغيرة جداً مقارنة بما تفعله أميركا (مع حليفتها إسرائيل) من أجل نشر الفيروسات وغيرها من أمراض الإنترنت الفتّاكة. تستطيع الوسائل الاستخباراتيّة الأميركيّة أن تشغّل الكاميرا داخل جهاز الكومبيوتر من دون إشعار المشاهد أمام الشاشة بذلك. كذلك فإن بعض الوثائق في حوزة سنودن تضمّن أنساقاً من الحروب النفسيّة. تقوم بعض الأجهزة بانتقاء ما تشاء من صور «فايسبوك» وتضع صوراً أخرى، وتعمل بما أسمته في وثيقة على «تدمير الشخصيّات». تنشر الشائعات على الإنترنت لخدمة قضيّتها الدعائيّة، وتروّج لأكاذيب عن أعداء لها. لا، لم يصل جهاز الأمن في ألمانيا الشرقيّة إلى هذه الدرجة من خرق حقوق وحريّات وخصوصيّات المواطنين والمواطنات.
وعندما انفجرت فضيحة سنودن هنا، لم يكترث الشعب الأميركي بها. ولم تقم قائمة عضو مجلس الشيوخ، دايان فاينشتاين، من ولاية كاليفورنيا - وهي رئيسة لجنة الاستخبارات وبهذه الصفة تساهلت مع أجهزة الاستخبارات ودعتها إلى فعل ما تشاء دون رقابة تذكر، إلا بعد أن علمت أن الـ«سي. آي. إي» قامت بالتجسّس على موظّفي لجنتها وبالتالي على عملها هي. وهذه مخالفة للقانون الأميركي (الذي لا يسمح بالتجسّس الداخلي من قبل الوكالة) وللدستور (الذي يشدّد على فصل السلطات وعلى الموازنة بينها - وهذا صلب الفارق بين النظام الجمهوري الأميركي وبين النظم البرلمانيّة المعتمدة في أوروبا). لم تتعاون الوكالة مع تحقيق طويل عن أعمال تعذيب قامت به الوكالة في عهد بوش حول العالم، وحاولت أن تعيق عمل اللجنة (كلّف عمل اللجنة نحو 50 ميلون دولار لكن نتائجه لم تُنشر، ومن الأكيد أن أعمال التعذيب التي قامت بها الوكالة فاقت كل التوقّعات والتخمينات). أوباما يتستّر على جرائم حرب عهد بوش للتستّر على فضائح قد تطاله هو بالتهم نفسها. ولكي يحاول تخفيف النقمة، لم يعد أوباما بوقف تجميع الـ«ميتا داتا» للشعب الأميركي، لكنه عرض أن تخزنها له شركة خاصة وتستطيع الحكومة الأميركيّة ان تنقّب فيها متى شاءت. هذا هو الإصلاح الديمقراطي الشفاف الذي وعد به أوباما في 2008.
لم يتورّع الرئيس الأميركي عن التجسّس على الهاتف الخاص لأنجيلا ميركل، الحليفة القويّة للامبراطوريّة الأميركية. لكن هذا هو الصلف الإمبريالي. ليس هناك من أصدقاء خلّص أو من مبادئ عليا. هناك خمس دول (أميركا وأستراليا ونيوزلنده وكندا وبريطانيا) تسمّي نفسها بـ«العيون الخمس»، وهي مجموعة تحالف استخباراتيّة تتشارك في التجسّس وفي تبادل المعلومات، وتخفي عن العالم ما تعلم. ويقول الخبراء هنا إن تلك الدول هي وحدها الحصينة أمام التجسّس الأميركي. قرأت ذلك وارتبت في آراء الخبراء: من المحتّم أن أميركا تتجسّس حتى على العيون الأربع. ليس هناك من سيادة لأي دولة ولا حصانة أمام الغزو العسكري والاستخباراتي الأميركي.
إن ما كشفه إدوارد سنودن عن التجسس الأميركي العالمي سيغيّر في طبيعة عمل الإمبراطورية. كما ألحق بها ضرراً فظيعاً. إن أصرار دول العالم على تخلّي أميركا (غير الطوعي) عن السيطرة الإدارية جاء بناء على الاحتجاج على الاستغلال الاستخباراتي. وهذا الأسبوع جرى الإعلان الرسمي عن إنهاء احتكار أميركا لإدارة الإنترنت. كل هذا من نتائج عمل سنودن الشجاع. هو بحق رجل القرن. ساهم في عمليّة البدء بالتحرر من سطوة الاستخبارات الأميركيّة على العالم برمّته.
في العالم العربي، تقوم أميركا برصد المليارات للتجسّس على كل شؤون تلك الدول. ووكالة الأمن القومي لا تنظر بعين الاحترام إلى صف قادة الدول العربيّة الذين ينحنون أمام كل موظّف أميركي بسيط يمرّ في المنطقة العربيّة. الملك السعودي لا يلتقي إلا برؤساء الدول، لكنه يتيح الاستثناء لكل موظّف أميركي يمرّ في المملكة.
هناك من تساءل عن سبب عدم نشر وثائق إدوارد سنودن عن العالم العربي.
هذا الأمر أثار استغرابي. سألت الرفيق غلين غرينوولد هذا الأسبوع عن السبب. أجابني أن هناك وثائق بحوزته (من ملفات سنودن) عن عمليات تجسّس مشتركة بين الولايات المتحدة وبين حكومات عربيّة. حان وقت نشرها، قال لي، قريباً جدّاً. تلك الوثائق بالعربيّة وهناك مطبوعة عربيّة تجرؤ على نشرها.
* كاتب عربي (موقعه على الإنترنت:
angryarab.blogspot.com)