تُطرح فكرة التضامن مع سوريا بهدف رفع الحصار عنها جملة من الحقائق والوقائع والمبررات. في الحقائق، إنّ سوريا في القلب من أمّتها ومن هذه المنطقة، وقد أثبتت أحداث التاريخ المعاصر، منذ ما قبل الانتداب الفرنسي، أن من يسيطر عليها يحمل مفتاح الشرق العربي، ولهذا كان التآمر عليها لا تغمض له عين.في الوقائع، تتعرّض سوريا اليوم لحملة هائلة من التحدّيات عبر ثلاثي مستحكم:
التحدي الأول متمثل بالاحتلالات:
أ. الأميركية في الشمال الشرقي.
ب. التركية في الشمال الغربي.
ج. الإسرائيلية في الجنوب.
التحدي الثاني: الإرهاب التكفيري وما نجم عنه من نزوح داخلي وخارجي، وتدمير للبنية الاجتماعية والاقتصادية السورية.
التحدي الثالث: حصار غربي مدعوم عربياً، أو عربي مدعوم غربياً، في واحدة من أبشع صور الارتهان للقرار الأجنبي الذي يتحرّك بوحي من الحركة الصهيونية.
ورب قائل: دائماً ما تلقون باللائمة على الخارج، فماذا عن الداخل؟ ومع علمنا بمشاكل الداخل، فإنّ الجواب يكمن في مراجعة أدبيات قادة الكيان الصهيوني وتصريحاتهم واستجابة أميركا والغرب لطلباتهم. ويخطر على البال سؤال: أي نوع من التحديات الداخلية أو الخارجية لم تشهده سوريا؟ وأي نوع من المؤامرات لم تتعرّض له بعد؟ وهل بقي نوع واحد من الضغوط عليها لتركيعها لم يمارس عليها حتى اليوم؟
في المبرّرات، يحق لنا القول إنّ السوري الذي أعطى منزله أو غرفة منه، إلى نازح عراقي جراء الحرب الأميركية على العراق هو اليوم نازح في خيمة. ويحق لنا التذكير أنّ من أعطى منزله أو غرفة منه، إلى نازح لبناني جراء الحرب الصهيونية على لبنان، هو اليوم نازح في خيمة. ويجب أن يبقى حاضراً في الوجدان أن من فتح مخازن سلاحه للمقاومة في حرب تموز 2006، أصبح نازحاً في خيمة بفعل مؤامرة «تدفيع الثمن» للموقف السوري التاريخي عن تلك اللحظات التي كان يُكتب فيها مصير المنطقة، على ما قالت كوندوليسا رايس وزيرة خارجية أميركا، التي فتحت مخازنها للكيان الصهيوني في حرب جديدة، لا على لبنان فحسب بل على الأمّة جمعاء.
تتعرّض سوريا اليوم لحملة هائلة من التحدّيات عبر ثلاثي مستحكم


وفي تصوّري ـــ كمواطن عربي ـــ لو أن سوريا قبلت أن تقدّم تنازلاً في الصراع العربي الصهيوني، اعترافاً بالكيان، أو تنازلاً في قضية الجولان، هل كان سيحلُّ بها ما حلّ بها اليوم؟ أم أنها ستكون الدولة ذات الأفضلية والرعاية بين كل دول المنطقة ـــ طبعاً باستثناء الكيان الصهيوني ـــ وأنّ رئيسها سيكون رئيس القمم العربية سلماً في كل دوراتها العادية والاستثنائية (مهما كانت جداول أعمالها). هذا طبعاً بعدما يكون رئيسها قد وُلّي تداولي (إمارات)، سوريا، والأردن، ولبنان. ألم يفعل ذلك البريطانيون مع شرق الأردن ومع عرش العراق؟
يا لقمّة السخرية والنكد، من وضع عربي بائس، سُرقت فيه مصر تنتظر سلماً، وأُخذ العراق حرباً، ودُمّرت فيه باقي أقطار الأمّة بنهج أطلسي محبوك ومدروس، كما قُسم السودان، ومن الأسف فإن باقي الأقطار تنتظر دورها، وأصبحت فلسطين عند البعض ساعة عتيقة معلّقة على حائط، بعدما كانت بوصلة تهدي التائهين.
وقد يعلّق عربي آخر من المغرب أو السودان أو الأردن، أو أي بلد عربي، قائلاً: إنها الصورة ذاتها نراها في بلداننا، وإنه المذاق المرّ ذاته نلعقه في أفواهنا. لهؤلاء الأحبة نقول: كلّنا في الهم شرقُ. وللمناسبة، فإنّ الغرب هذه الأيام له همّه الخاص به، ينهار اقتصاده وعلاقاته البينية وقيمه الفردية والجماعية، بجشع رأسماله الجبان الذي لا يوظَف في الحرب الكونية على الإنسان، المتمثلة بفيروس «كورونا». وقديماً قيل: من يرى مصائب غيره تهون مصائبه. إنها لحظة الحقيقة على مستوى العالم، لحظة الإنسانية جمعاء من أجل ولادة جديدة لعلاقات دولية وإنسانية جديدة. لحظة التواصل والتضامن، لحظة الإيمان بالخالق الذي يمتحن عبده على أبواب رمضان المبارك.
ولمناسبة الدعوة لرفع الحصار عن سوريا التي أطلقها المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن، أوجّه التحية إليها وإلى شعبها العزيز، وإلى كل من وقف ويقف معها بالفعل والقول، أو على الأقل بعدم التآمر عليها، على ما قال الإمام علي (ع): من رأى منكم منكراً فليقوّمه بحد السيف، وإن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه وهذا أقل الإيمان.

*عضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي، العضو المؤسس في المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن