في 25 مارس/آذار 2020، غرّد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو على تويتر قائلًا: «طَرَد النظام الإيراني منظمة أطباء بلا حدود التي كانت تعكف على إنشاء مستشفى ميداني من أجل #مرضى_فيروس_كورونا الأكثر ضعفاً في إيران. الشعب الإيراني هو الضحية التي طالت معاناتها من هذا النظام».
هذه التغريدة التي تغاضت بالطبع عن الإجراءات الأميركية التي تُلحق الضرر أيضاً بالفئات الأكثر ضعفاً في إيران ما هي إلا خير برهان على مدى سرعة الدول في استغلال معاناة الآخرين لتسجيل نقاط سياسية، وما هي إلا خير دليل على محاولات منظمة أطباء بلا حدود لمدّ يد العون إلى هؤلاء. ومع ذلك، هذه التغريدة هي مجرد غيض من فيض مساعٍ تبذلها الحكومة الأميركية لتسييس هذه الجائحة، بدءاً من إصرار الرئيس ترامب على الإشارة إلى كوفيد-19 بأنه «فيروس صيني» وصولًا إلى مزاعم وزير الخارجية المبالغ فيها هذه، وذلك بهدف تقويض عدوهم الإيراني. وفي حين اضطرت منظمة أطباء بلا حدود فعلاً إلى وقف إنشاء مستشفى لمعالجة مرضى فيروس كوفيد-19 وتعليق نشر فرقها في أصفهان – وهي الأنشطة المُخطَّط لها والمُتفَق عليها مع السلطات الإيرانية – إلا أن المنظمة «لم تُطرد» من إيران، وهذا ما أكّدته أخيراً وزارة الصحة الإيرانية نفسها.

سعي بومبيو هذا إلى استخدام العمل الإنساني لتقويض عدو الولايات المتحدة ليس الأول من نوعه. ففي عام 2019 في فنزويلا، شجّعت الحكومة الأميركية على تغيير النظام وروّجت لخيار التدخل العسكري جنباً إلى جنب مع إيصال المساعدات الإنسانية إلى الحدود الفنزويلية. وعندما منعت حكومة مادورو المساعدات من دخول البلاد، دعا رئيس وكالة التنمية الدولية التابعة للولايات المتحدة الجيش الفنزويلي إلى الانقلاب على مادورو، بينما غرّد بومبيو على تويتر قائلًا: «إن الشعب الأميركي يقف إلى جانب شعب #فنزويلا الشجاع. ينبغي السماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إليه. #نحن_متحدون_فنزويلا (#EsamosUnidosVE)».

وبومبيو ليس أول شخصية سياسية بارزة، ولا الأخيرة بالطبع، تشنّ معركة توكيلية باللجوء إلى الشواغل الإنسانية. فغالباً ما تُستخدم الأزمات الإنسانية ومصير الفئات الأكثر ضعفاً لتقويض الأعداء أو دعم الحلفاء. من هنا، يتوجّب على منظمة أطباء بلا حدود أن تُتابع باستمرار كيف تُستَغل المساعدات التي نُقدّمها بما يخدم مختلف الأجندات السياسية. ولطالما بذلنا كل ما أوتينا من جهد لمنع إدماج عملنا في أجندات تُضرّ بقدرتنا على تقديم المساعدة الإنسانية الطبية.
وعلى المنوال نفسه، شهدت منظمة أطباء بلا حدود حدثاً مشابهاً في عام 2013 مع وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري. كانت المنظمة منذ عام 2012 تحاول العمل على جانبَي النزاع في سوريا، إلا أنها لم تتلقَّ يوماً تصريحاً من الحكومة السورية يأذن لها بذلك، ما أجبرها على العمل على جانبٍ واحد فقط من النزاع من خلال دعم الطاقم الطبي القائم على رعاية المرضى في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة. وفي عام 2013، صرحنا أن مرفقاً صحياً تدعمه منظمة أطباء بلا حدود في الغوطة الشرقية استقبل مرضى يعانون من أعراض تتوافق مع التعرّض إلى عامل ذي تأثير سمّي عصبي. لم نوجّه أصابع الاتّهام إلى أحد إذ أننا نعجز بكل بساطة عن الإتيان باستنتاج حيال المسؤول عن ذلك بناءً على الوقائع الطبية. ولكن سرعان ما اغتنم جون كيري الفرصة وأعلن أن منظمة أطباء بلا حدود تؤكّد حدوث هجوم كيميائي من تنفيذ ما أشار إليه بالنظام السوري. فما كان من المنظمة إلا أن ردّت على الفور ببيان مضاد كرّرت فيه الوقائع الطبية وما يستحيل استنتاجه منها، وحذّرت من إساءة استخدام هذه المعلومات لتبرير التدخل العسكري. ولكن الضرر كان قد وقع؛ فلا يزال بعض الناس حتى يومنا هذا يعتبرون، من دون وجه حق، أن منظمة أطباء بلا حدود تدعم التدخل العسكري الأميركي في سوريا.

ويتجسّد شكل آخر من أشكال التلاعب في الاستخدام المباشر للمساعدات الإنسانية لتحقيق الأهداف العسكرية. على سبيل المثال، في باكستان في عام 2011، زعمت وكالة المخابرات المركزية أنها نفذت حملة تطعيم مزيفة من خلال منظمة غير حكومية من أجل جمع الحمض النووي اللازم للتحقّق من موقع أسامة بن لادن، ما أدى في نهاية المطاف إلى اغتياله. أدانت منظمة أطباء بلا حدود ذلك بوصفه تلاعباً خطيراً وغير مقبول بالعمل الطبي، من شأنه أن ينسف الثقة في العاملين الصحيين في مناطق النزاع حول العالم.

وفي أفغانستان، عندما بدأ الغزو الأميركي، تم توزيع المساعدات الإنسانية كجزء من حملة تستميل القلوب والعقول لكسب دعم السكان للقوات الأميركية على الأرض. وفي ظلّ إدارة أوباما، تطوّرت السياسة من محاولة كسب الدعم للقوات الأميركية إلى كسبه للحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة. واعتُبر تقديم الخدمات وسيلة حيوية لتقويض الدعم للمعارضة المسلحة. من خلال تمويل الجهات الفاعلة الإنسانية والإنمائية للعمل تحت إشراف الحكومة الأفغانية، ضمنت الولايات المتحدة والمانحون الرئيسيون الآخرون أن أنشطتهم تتماشى مع جهودهم العسكرية في البلاد. حاولت منظمة أطباء بلا حدود النأي بنفسها عن أجندة بناء الدولة هذه من خلال إقامة أنشطة طبية مستقلة أثناء التفاوض على وصولنا مع جميع الجهات الفاعلة المسلحة مباشرةً، بدءاً من طالبان ووصولاً إلى الجيش الأميركي والحكومة الأفغانية.
لا يقتصر تسييس المساعدات الإنسانية على الولايات المتحدة وحسب. من نيجيريا إلى العراق واليمن وسوريا، يتوجّب علينا يومياً استكشاف كيفية إدماج الأطراف المتحاربة للعمل الإنساني في حساباتها السياسية.
علّمتنا هذه التجارب أن الثقة في العمل الإنساني تشبه قصور الرمال، صعبة البناء إنما سهلة الهدم. في سياق الجائحة الحالي، لا بدّ أن يكون واضحاً كل الوضوح أن الوقت الحالي ليس بالوقت المناسب لزعزعة الثقة في العمل الإنساني. تعتمد صحتنا الجماعية على قدرة الطواقم الطبية على العمل بغضّ النظر عن الانقسامات السياسية. بينما تحط الجائحة رحالها في البلدان ذات الأنظمة الصحية العاجزة والمُثقلة أصلًا، سيحتاج العالم إلى مزيد من التضامن الدولي، وأقل بكثير من محاولات تسجيل النقاط السياسية الثانوية.

* مدير قسم التحليل في منظمة أطباء بلا حدود - مركز بروكسل لإدارة العمليات