حضرة وزير التربية المحترمتحية وبعد.
في ظلّ ما نعانيه من مشاكل اقتصادية وأزمة الكورونا المستجد، لا تزال المعالجات التربوية تندرج في إطار التخبّط وتلمّس الطريق، بينما المطلوب قرار جريء وتاريخي على قدر الوضع المأساوي الذي نمرّ به والذي، بالرغم من أننا لم نواجه مثله في تاريخ وطننا، إلّا أنه يُحتّم علينا قرارات مصيرية مشابهة لما كان يُتّخذ في ظل الحرب الأهلية. لأننا اليوم في حالة حربٍ حقيقية في وجه عدوٍّ لسنا مؤهّلين الوقوف في وجهه لا اقتصادياً ولا طبياً ولا حتى نفسياً. نحن اليوم في حالة أسوأ مما كنا نعيشه أيام الحرب.
عندها لم نكن على أبواب المجاعة.
عندها لم تكن المدارس والمؤسسات في الوضع المزري الذي تتخبّط فيه الآن.
عندها كنّا نموت شهداء قضية كبرى، لأيّ طرف انتمينا، وكلٌّ حسب قناعته.
عندها لم تكن العائلة مفكّكة وكانت هي العمود الفقري للمجتمع.
نحن اليوم بعيدون كل البعد عن ذلك الماضي. شعبنا ينحدر بسرعة جنونية نحو المجاعة.
المدارس تتهاوى الواحدة تلوَ الأخرى في ظلّ عدم قدرتها على دفع مستحقات الأساتذة. وهؤلاء يجدون أنفسهم يعملون بشكل مضاعف حسب تقنيات لم يتم تدريبهم عليها، ومن دون الحصول على رواتبهم!
المؤسسات تُقفل أبوابها وتصرف موظفيها وتُعلن إفلاسها.
جشع التجار والمتموّلين ليس له من رادع في ظلّ غياب الدولة والمحاسبة.
نموت اليوم إما انتحاراً أو لعدم قدرتنا على الطبابة والاستشفاء بما يضمن لنا كرامتنا الإنسانية.
عائلاتنا مفكّكة ومهددة بالانفجار في ظل الحجر الصحي.
في ظلّ كل ما ذكرت تأتي المشكلة التربوية التي، بدل أن تساهم، بطريقة تربوية، بالتخفيف من الأزمة إنما تزيدها تعقيداً.
فالمدارس تستشرس باعتماد التعليم عن بعد في ظلّ عدم تكافؤ الفرص بين المتعلمين كافة. وكلّهم تحت شعارٍ واحد: إكمال المنهج وإنقاذ العام الدراسي بالرغم من أن بعضها إنما يقوم بذلك كي يحثّ الأهل على دفع الأقساط بحجة أن المعلمين يقومون بواجبهم من بيوتهم، والبعض الآخر للتباهي بقدرته أمام نظرائه وأمام الأهالي.
وفي خضمّ كل ذلك، يقع التلميذ والأهل والمعلم في آن معاً ضحيةً لهذا السباق المحموم. في وقت يعيش الجميع هاجس الدراسة والامتحانات وفي وقتٍ يجب أن ينصبّ فيه التفكير على الصحة الجسدية والنفسية لجميع مكوّنات العائلة التربوية كي لا نخسر الرهان على المستقبل، والذي يجب أن يكون هاجسنا الأهم.
ها نحن، في وسط هذا كله، نسمع اليوم أنه يتم البحث في تمديد العام الدراسي والإبقاء على الامتحانات الرسمية!
مع أنه كما بات معلوماً من الجميع، أنّ الوباء الذي نواجهه لن ينحسر قبل شهر أو أكثر وتأثيراته النفسية والاقتصادية على المواطنين، صغاراً وكباراً، لن تنحسر مع انحساره.

حضرة الوزير،
إن الظروف الاستثنائية تفرض قرارات استثنائية، والقرارات الاستثنائية تتطلب رجالات دولة استثنائيين.
لذلك أقترح عليكم ما يلي باسم الكثير من زملائي وطلابي وأهاليهم:
1- الإعلان فوراً عن انتهاء العام الدراسي، أسوة بالعديد من البلدان، والإعلان عن بداية العام الدراسي 2020 - 2021 في الأول من أيلول. بذلك نكون قد أعطينا الوقت للشعب أجمع بأن يتعافى من المأساة التي ألمّت به. ونكون قد ساهمنا في لمّ شمل العائلة بدل زيادة هموم التعليم وإلقائها على عاتق الأهل. ولن يكون صعباً على المعلم اللبناني القيام بدمج ما لم يتعلّمه الطالب هذه السنة ببرنامج السنة المقبلة! وهنا يهمنا أن نحذّر من عدم أخذ بعض المدارس هذا التدبير كذريعة لعدم دفع معاشات الأساتذة لأنّ الظرف طارئ ويجب على المؤسسات تحمّل مسؤولياتها كاملة.
2- استكمال المنهج الدراسي الذي لم يتم إكماله هذه السنة، خلال أوّل شهرين من افتتاح المدرسة، أي في أيلول وتشرين الأول. يتبعها امتحان تُضاف علامته إلى علامات السنة الدراسية الحالية، ويتم على أساسها ترفيع الطالب من عدمه.
3- السماح للمدارس، بالتوافق مع الأهل المعنيين بذلك، بمبدأ إعادة الصف إلى حدود التاسع متوسط وذلك لبعض الحالات المحددة ولأهداف تربوية. علماً أن الغالبية العظمى من الدول عادت وسمحت بالإعادة، لا بل فرضتها في بعض الحالات وعلى رأسها الدول الأوروبية، كندا والدول الاسكندنافية.
4- إلغاء امتحانات الشهادة الرسمية وإعطاء إفادات بعد الطلب من المدارس كافة لائحة شفافة، بعلامات الطلاب لتاريخ توقّف الدروس وإرفاقها بالإفادة، خاصة أن كبار الدول سبقتنا إلى ذلك. عندها يتم الاتفاق مع الجامعات لخلق خلية أزمة، تتضمن ممثلين عن القطاع الخاص والرسمي والجامعات، لتحضير دروس مختصرة وموجّهة، وتعويض ما خسره التلامذة في مدارسهم من مهارات يحتاجون لها في الاختصاص الذي يكونون قد اختاروه.
5- التواصل مع وزير المال وحاكم مصرف لبنان من أجل مساعدة المؤسسات التربوية الخاصة للحصول على قروض طويلة الأمد (لحدود العشر سنوات) بصفر فائدة تبدأ سدادها بعد سنة من وقت حصولها عليها، فيخف العبء على الأهالي ويستمر المعلمون بقبض مستحقاتهم.
حضرة الوزير،
نحن إذ نعوّل على إصغائكم لصوتنا، نأمل أن تأخذوا اقتراحنا في الاعتبار فننقذ الأهم على حساب المهم. مع العلم بأن ما اقترحناه يوازي بين الاثنين.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.

* أستاذة ثانوي
عضو في مجموعة نقابيات ونقابيون بلا قيود والتيار النقابي المستقل