ثمّة وشائج قوية وعلاقات عديدة تجمع شخصية خوسيه ماريا أزنار، رئيس الحكومة الإسباني السابق، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان: تمرَّد الرجلان على تقاليد بلديهما من أجل أميركا. وقف أزنار مع الغزو الأميركي للعراق رغم المعارضة المطلقة للشعب الإسباني. يقتفي أردوغان، من دون أن يدري، سياسات أزنار. كلّما غادر الأميركي مكاناً في سوريا، هرع إليه الأتراك... يحتاج الأميركي دائماً إلى كومبارس… واجه كلا الرئيسين أوضاعاً مماثلة لقصة الغراب ومشية الحمامة! يقول الفيلسوف الألماني كارل ماركس: «التاريخ لا يعيد نفسه، إلا في شكل مأساة أو مهزلة!». يتكرّر في تركيا اليوم ما وقع في إسبانيا خلال فترة أزنار.سجّل الاقتصاد الإسباني نمواً مفاجئاً بنسبة 4%، خلال السنوات الأربع الأولى لحكومة أزنار، وسرعان ما تراجع إلى نسبة 2 %. استثمر أزنار في مجال العقار، فدفع الإسبان من جيوبهم الثمن. لم تتأثر الشركات العائلية، التي يملكها أزنار وزوجته آنا بوتيلا، بالأزمة الاقتصادية الإسبانية (2008 ــ 2014) مطلقاً! أثّر ارتفاع الأسعار في الطبقة المتوسطة. وطرح «الحزب الشعبي الإسباني»، وقتها، مشروع زيادة ضريبية بنسبة %13، فخرج الإسبان إلى ساحات مدريد، حيث تظاهروا عراة ضد المشروع! لوحق أزنار في ما بعد في قضايا فساد، واعترف باستفادة نافذين في «الحزب الشعبي» من أموال الحزب، وتهريب وتبييض أموال، وهو ما عُرف في الصحافة الإسبانية بشبكة «غورتيل».
أطلق أردوغان، منذ وصوله إلى الحكم في عام 2014، مشاريع كبيرة: تمّ بناء مطار إسطنبول الثالث بتكلفة بلغت 23 ملياراً و399 مليون يورو. وكان بناؤه وتصميمه، مثار جدل ونقاش بين خبراء الطيران المدني التركي. سَبَّبَ هطول المطر في توقّف العمل في جزء كبير منه، وفي أضرار مادية كبيرة بممتلكاته، واستحق بذلك تسمية أكبر مطار عائم في العالم! وتمّ إحداث مدينة أنقرة الطبية، التي تحوّلت إلى قبلة عالمية للصناعات التجميلية. زد على ذلك صناعة الأفلام: وصلت مداخيل المسلسلات التركية إلى أكثر من 350 مليون دولار سنوياً، فيما تسعى الحكومة للوصول إلى رقم «ملياري دوﻻر »، عام ٢٠٢٣.
نشرت صحيفة «بيرجون» التركية تحقيقاً خاصاً عن إصدار النسخة التركية من Blackwater الأميركية


لعب الاستثمار دوراً أساسياً في تطوّر الاقتصاد التركي. تُقَدّر الإحصائيات الرسمية قيمة الاستثمارات الخليجية في تركيا بنحو 19 مليار دولار. ففي الفترة الممتدة بين عامي 2015 ــ 2019، تمّ بيع ما يزيد على 143 ألف منزل للأجانب. وبفضل تطوّر العلاقات المتصاعد بين قطر وتركيا، استثمر القطريون في الاقتصاد التركي 20 مليار دولار! وقد خطّط الحزب الحاكم لكي يظلّ النمو السنوي في الفترة الممتدة بين عامي 2017 و2020، محافظاً على نسبة 5.5 %. في هذا الصدد، صرّح أردوغان في بدايات عام 2017 بأنّ: «النمو الاقتصادي سيصل إلى 7% بحلول نهاية العام، ويجب ألا يندهش أحد إذا حصل ذلك». لكن «مَا كُلُّ مَا يَتَمَنَّى الْمَرْءُ يُدْركُهُ!»، إذ توضح بيانات البنك الدولي كيف فشل المخطط. سجّل مؤشر النمو السنوي للاقتصاد التركي، عام 2014، نسبة 5.1 %، وارتفع في عام 2015 إلى نسبة 6.09 %، وهبط في عام 2016 إلى نسبة 3.18 %، وارتفع في عام 2017 إلى نسبة 7.47 %، كما نزل في عام 2018 إلى نسبة 2.83 %... وفي عام 2019، سجّل تعثّراً جديداً و نزل إلى نسبة 2.81%. يمارس النظام سياسة مزاجية، تنعكس مباشرة على مؤشّر النمو. يعلّل الرئيس التركي سبب السرعة الفائقة، فيقول: «نسرع الخطى حتى نحسن الأداء»!!
أطلق أردوغان عام 2017، مشروع إحداث بوسفور جديد وموانئ بحرية مكان إسطنبول: يعتزم مشروع قناة إسطنبول المائية شقّ المدينة إلى نصفين! يذكر أن رئيس بلدية إسطنبول الجديد أكرم أوغلو، قد وقف ضد تمويل البلدية للمشروع. كانت تلك أول نتائج خسارة الحزب الحاكم لانتخابات الإعادة في إسطنبول.
كذلك، تمّ الاستثمار في القطاع الأمني، إذ نشرت صحيفة «بيرجون» التركية تحقيقاً خاصاً عن إصدار النسخة التركية من Blackwater الأميركية: أسس ضبّاط متقاعدون مقرّبون من حزب «العدالة والتنمية»، في عام 2012، شركة «صادات للاستشارات والتدريبات العسكرية». تدخّل عناصر الشركة فأوقفوا الانقلاب! وإثر ذلك، عيّن الرئيس التركي، رئيس إدارة الشركة المذكورة، عدنان تانريفردي، في منصب كبير مستشاريه. وقد ذكرت بعض التقارير أن الحكومة التركية تستعد لإرسال عناصر من شركة صادات للقتال في ليبيا، تفعيلاً لاتفاق فايز السرّاج وأردوغان. هل تفلح الشركة في تسويق منتجاتها؟؟ أم تصبح عبئاً ثقيلاً على النظام؟
ربطاً بكل ما تقدّم، فقد أكد تدهور الليرة التركية وفقدانها نسبة 30% من قيمتها، أَنَّ الأَزْمَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا: يكشف ارتفاع سعر البصل، وسعر الغاز، ست مرّات في سنة واحدة، بأنّ الازدهار والنمو في تركيا ليسا إلا دعاية سياسية. صرّح بعض المشترين في سوق كاديكوي في إسطنبول لقناة ألمانية، بأنّ «البصلة كانت من أكثر الخضراوات المتوفرة على طاولة الطعام، بيد أنها هذا العام تحوّلت إلى منتج فاخر»!. زد على ذلك، ارتفاع الدين الخارجي، وفقدان الدولة الثقة في قدرتها على سداد هذه الديون على المدى القصير. حدث ذلك بعدما تمّت صفقة الـ«إس 400 عام» 2018. عانى المواطن التركي من أعباء اقتصادية مع ارتفاع سعر المحروقات! وبدأ المعارضون لسياسات أردوغان يتساءلون: هل يتحمّل الشعب التركي أعباء تلك المشاريع؟ كشف أردوغان وقتها أنّ «قوى خفية، هي من تقف وراء (الإرهاب الغذائي)». تتبخّر فقاعات الصابون، فتظهر في الأفق بوادر أزمة خانقة، ستكون نتائجها على ما يبدو، سقوط حزب «العدالة والتنمية» التركي!
ترتبط الأزمات الاقتصادية، غالباً، بقضايا الفساد. فقد صرّحت رئيسة فرع حزب «الشعب الجمهوري» المعارض في إسطنبول، جانان أوغلو، بأن «الفساد يمكن رؤيته في العديد من الأمثلة، كالشركات الحكومية التي كلّفت الدولة خسائر ضخمة إلى جانب نفقات الاحتياجات غير الضرورية والمكافآت الموزّعة على الشركات المرتبطة بحزب العدالة والتنمية». وأضافت: «أكبر ملفات الفساد المتعلّقة بالبلديات التي كان يسيطر عليها حزب العدالة والتنمية الحاكم، بالإضافة إلى سوء استخدام الموارد العامة، باتت مكشوفة ومتوافرة لدى محكمة خزينة الدولة».