أصبحت العقوبات من أبرز أدوات السياسة الخارجية الأميركية التي تحتاج لضبط المزيد من المنافسين، لا سيما من غير الدول، بأدوات غير عسكرية مستفيدة من أفضليتها الهائلة في النظام المالي والاقتصادي الدولي. فيمكن للولايات المتحدة أن تبدأ حروباً تجارياً ولا أحد سيقوم بالرد لأنه، بحسب كلمات بيتر نافارو مدير المجلس الوطني للتجارة في إدارة ترامب، «نحن أكبر سوق وأكثرها ربحية في العالم». تندرج العقوبات ضمن ما يسميه الأميركيون استراتيجية «المنطقة الرمادية» (أي بين السلم والحرب التقليدية) ومفهوم «الإرغام من دون حرب»، وكلها تعمل وفق افتراض أميركي أن الوقت يعمل إلى جانب أميركا بمواجهة أعدائها ما عدا الصين.
«رابطة العدل الأميركية» عمل للفنان الألماني أسلان ماليك

ساد الشك لفترة طويلة في فعالية العقوبات ضمن مجال السياسة الخارجية وقدرتها على تحقيق أهدافها. يرى فرانسيسكو غيوميللي (أستاذ جامعي متخصص في العقوبات) أن هذه التقديرات تستند إلى مغالطات تربط النجاح بتغيير المستهدف لسلوكه وهو ما يحصل كي يتجنب المستهدَف تحمّل دفع التكاليف المفروضة عليه بالعقوبات. وتنحصر تقديرات نجاح العقوبات ربطاً بهذا التعريف الضيق بين 5% و 34 % فقط. إن نقطة ضعف هذه المقاربة أنها تقوم على افتراض أن هدف العقوبات ينحصر بتغيير سلوك المستهدف.

أولاً: مقاربة متعددة الغايات
لذلك يطرح غيوميللي ما يسميه المقاربة المتعددة الغايات التي تضمن فهماً أشمل وأعمق للعقوبات وأهدافها. يطرح غيوميللي ثلاث غايات محتملة للعقوبات:
1- إكراه المستهدف على تغيير سلوكه، وهو ما يمثل الفهم الشائع للعقوبات.
2- تقييد قدرة المستهدف على الاشتراك في بعض الأنشطة الموصوفة، خاصة إذا كان من يفرض العقوبات يعتبر أن المستهدف لا يرغب أو غير قادر على تغيير سلوكه. وهنا يمكن أن يكون المراد إما شراء الوقت (مثلاً بانتظار تغيير نظام ما)، أو التوصل إلى تسوية، وإما رفع كلفة إشتراك المستهدف في الأنشطة الموصوفة، أو إجباره على إجراء تغيير مكلف في استراتيجيته.
3- إرسال إشارة قوية إلى المستهدف، وتكون قوتها مرتبطة بالجهة الصادرة عنها وبما تفرضه من تكاليف على المستهدف، وهي عادة ما ترمي إلى وجيه إلى أشارة لأطراف أخرى غير مستهدفة مباشرة إلا أنها تقوم بأنشطة مماثلة لتلك التي لأجلها فُرضت العقوبات على المستهدف. ومن أبرز الإشارات تلك المعرفة ب «سمّي وألحق العار» و «تلطيخ السمعة».

ثانياً: تطور الحرب المالية الأميركية
يقدم كتاب «حرب الخزانة: إطلاق العنان لحقبة جديدة من الحرب المالية» الصادر عام 2013 عرضاً مفصلاً لتطور هذه الحرب انطلاقاً من موقع مؤلفه خوان زاراتي أول مساعد لوزير الخزانة لشؤون تمويل الإرهاب والجرائم المالية بين عامي 2001 – 2005. شنت الولايات المتحدة منذ 2001 نوعًا جديدًا من الحرب المالية غير المسبوقة في قدرتها على التأثير والاختراق. وقد ألحقت هذه «الحرب الخفية» ضررًا شديدًا بالنظم المالية والتجارية لأعداء واشنطن وقيّدت تدفّق الأموال وسبّبت ألمًا حقيقيًا لهم. وقد تنبّه الأميركيون إلى أن «المال هو ما يغذي عمليات المارقين حول العالم، لكنه في الوقت عينه أيضًا يخلق لهم عيوبًا»، فهو بمثابة «كعب أخيل» أعداء واشنطن. ركّزت الحرب المالية على سلوك المؤسسات المالية (مصارف – شركات تأمين) التي هي «أربطة النظام العالمي» وليس العقوبات التقليدية، فمركز الجاذبية هو القطاع الخاص. بالمحصلة أصبحت « كلمة وزارة الخزانة تستطيع أن تحرّك الأسواق».

ثالثاً: تطور العقوبات وقنواتها في حالة حزب الله
بدأت الولايات المتحدة بعد العام 2001 بفرض عقوبات على حزب الله سواء كأفراد ومؤسسات وشركات وجمعيات إما لتبعيتهم لحزب الله أو بزعم أنها تدعمه. وتنقسم هذه العقوبات إلى قسمين: أولاً، القوانين الصادرة عن الكونغرس فهي إما مخصصة لحزب الله بتهم الإرهاب أو الجريمة، وإما تكون موجهة ضد إيران ويذكر فيها الحزب عرضاً. ثانياً، القرارات التنفيذية الصادرة عن وزارة الخزانة الأميركية وهي حوالي 33 قراراً منذ العام 2011. وبحسب مسح للعقوبات الأميركية على حزب الله نفذه المركز الإستشاري للدراسات والتوثيق في العام 2019، يظهر الارتفاع المضطرد لهذه العقوبات لا سيما في ظل إدارة ترامب.
وقد شهد العام 2019 تطورين هامين وهما فرض عقوبات على أعضاء في الكتلة البرلمانية لحزب الله وهو إجراء غير مسبوق، وفرض عقوبات على مصرف «جمّال ترست بنك» بتهم مرتبطة بالعقوبات على حزب الله. وفي شهر تشرين الأول 2019 أعلنت وزارة الخزانة الأميركية عن إطلاق مبادرة «الشراكة الدولية لمواجهة حزب الله» لاستهداف شبكات التمويل الدولي للحزب ومنعه من استغلال النظام المالي الدولي، بحسب إعلان صحافي لوزارة الخزانة.

رابعاً: قانون منع التمويل
أقرّ الكونغرس الأميركي قانوناً بتاريخ 17/11/2015 يرمي إلى حظر التمويل الدولي لحزب الله، وفرض تطبيق قانون العقوبات الأميركية على الأشخاص الذين يرتكبون أو يشاركون أو يتدخلون أو يساهمون في مخالفة أحكامه. وقد حظر القانون على المصارف الأميركية فتح أو الإبقاء على أي حساب وسيط لإتمام معاملات أي مصرف أجنبي تورّط في تبييض أموال لحساب حزب الله أو القيام بأي تحويلات مالية أو تقديم أي خدمات مصرفية تساعد حزب الله في تحويل الأموال. كذلك تشمل هذه الإجراءات المصارف التي تتعامل مع الأشخاص والمؤسسات الواردة أسماؤهم على اللائحة السوداء بتهمة علاقتهم بحزب الله.
وفي 25 تشرين الأول 2018 وقّع ترامب قانوناً جديداً للعقوبات على حزب الله ذي الرقم (1595) بالتزامن مع إحياء البيت الأبيض الذكرى الـ35 لتفجير مقر «المارينز» في بيروت. وربط البيت الأبيض بين العقوبات على الحزب و «إعادة فرض كل العقوبات التي رفعت عن إيران في الاتفاق النووي الفظيع معها بقوة». كما أكد بيان البيت الأبيض أن العقوبات «ستعزل حزب الله عن النظام المالي العالمي وتخفض تمويله».

خامساً: النفاذ من خلال القطاع المصرفي
بما أن حزب الله قوة سياسية مندمجة داخل الدولة اللبنانية والمجتمع، وكونه يستفيد كحركة مقاومة في تسلحه وموارده المالية مباشرة من الجمهورية الإسلامية في إيران، فإنه من العسير إخضاع الحزب وأفراده لعدة أشكال من العقوبات التقليدية الموجّهة لدول مثل الحظر التجاري ومنع السفر وحظر بيع السلاح، والتي إن فرضت فتأثيرها محدود جداً. ولذلك كان الخيار الأميركي التركيز على خوض حرب مالية ضد حزب الله من خلال محاولة عزله عن النظام المصرفي اللبناني والعالمي.
وجد الأميركيون في القطاع المصرفي اللبناني قناة مؤهلة لممارسة الضغط من خلالها على حزب الله. أولاً، بالعموم أصبح لوزارة الخزانة الأميركية قدرة نفاذ إلى «وعي السمعة» للنظام المصرفي العالمي، فحين يصبح أي مصرف أو زبون مشتبهًا، بكلمة من وزارة الخزانة، يتحول إلى «سمعة سيئة مشعّة تلطخ أي جهة يتعامل معها». وثانياً، ليس لحزب الله نفاذ واسع ومصالح متشابكة مع المصارف اللبنانية التي تتبع لمراكز قوى سياسية ومالية بعيدة عن الحزب. وثالثاً إن أهمية القطاع المصرفي اللبناني في النظام الاقتصادي اللبناني يجعله «كعب أخيل» الذي يمكن من خلاله ابتزاز الدولة اللبنانية والقطاع الخاص.
شكّل تصنيف واشنطن للبنك اللبناني الكندي عام 2011 رسالة لكل النظام المصرفي اللبناني والنخبة السياسية والاقتصادية اللبنانية أن الولايات المتحدة تفتتح مرحلة جديدة في لبنان. على إثر ذلك سارع المصرف المركزي والبرلمان اللبناني إلى تطوير تشريعات وقرارات وتعاميم حول مكافحة تبييض الأموال لاستيعاب الهجمة الأميركية، وتطوير دور هيئة التحقيق الخاصة.

سادساً: تحليل العقوبات وأثرها
يمكن إيجاز الأهداف العملية للعقوبات على حزب الله بالآتي: محاولة تجفيف موارده، وعزله عن النظام المالي والمصرفي، وإخافة القطاعات الخاصة التي يحتمل أن يعمل معها الحزب، والضغط على بيئته اللبنانية الحاضنة وإيجاد شرخ معها، ومحاولة ضبط قدرته على التحرك حول العالم حتى على المستوى السياسي، والحد من تحويلات المغتربين الشيعة واستثماراتهم في لبنان، امتلاك أداة ضغط يمكن استخدامها للتهويل والمساومة عند الضرورة، وضبط التوازنات اللبنانية، ومحاولة تقييد اندماجه في البنى الرسمية للحكومة اللبنانية.
ولكن إلى أي مدى تحقق العقوبات نجاحاً ضد الحزب. هنا سيرتكز التقييم على «المقاربة المتعددة الغايات» أي على التغيير بالإكراه والتقييد وإرسال الإشارة. على مستوى التغيير بالإكراه، من الواضح أن العقوبات لن تكون قادرة على دفع الحزب بعيداً عن أجندة المقاومة التي هي جوهر هوية حزب الله. والثمن الذي يدفعه حزب الله جراء هذه العقوبات لا يزال أقل بكثير من دفعه لتغيير سلوكه المقاوم كما ترغب واشنطن. وتعود محدودية هذا الثمن إلى كون المصادر المالية لحزب الله مرتبطة بمعظمها بإيران ولعزلة حزب الله عن القطاع المصرفي اللبناني.
من الواضح أن الولايات المتحدة تدرك محدودية العقوبات في إحداث مثل هذا التغيير ولذا ينبغي أن ننظر للغايات الأخرى أيضاً. الغاية الثانية المحتملة هي التقييد، وبالتحديد رفع كلفة بعض أنشطة حزب الله للحد منها وضبطها أو إحداث تغيير غير مرغوب في استراتيجية الحزب. من خلال العقوبات الأميركية قد تتراجع بعض موارد الحزب ولو بشكل ضئيل وهو ما يدفعه لتقليص جزء من أنشطته أو التوسع في سياساته. كما تحرص العقوبات الأميركية على استهداف رجال أعمال مقربين من الحزب وربما من أعضائه سواء بسبب مشاريع داخل لبنان أو خارجه (مثل العراق) بذريعة أن هؤلاء يقومون بدور واجهة للحزب أو يمولونه بالتبرعات.
تراهن واشنطن أن تؤدي هذه الإجراءات برجال الأعمال الشيعة إلى أخذ مسافة عن حزب الله وكذلك الحذر من القيام بمشروعات في المناطق الشيعية أو الإنفاق في أعمال خيرية خوفاً من استغلال واشنطن لذلك ورميهم بشبهة العمل مع حزب الله أو من أن تقوم المصارف اللبنانية بمنعهم من فتح حسابات من باب الحذر. وهذا الأمر يمثل ضغطاً على البيئة الحاضنة لحزب الله التي ستخسر العديد من الاستثمارات والمصادر المالية وفرص العمل التي لن يكون الحزب قادراً على تعويضها. يعتقد الأميركيون أن هذه الأمور ستقيد حرية العمل لحزب الله داخل البيئة الشيعية وعلى جمع التبرعات والأموال الشرعية من رجال الأعمال وبالتالي ستتقيد قدرته على تقديم مزيد من الخدمات الاجتماعية التي تُعتبر أحد مصادر نفوذه وقوته.
كما أن العقوبات على المصارف اللبنانية مع إمكانية لتطبيق تفسيرات متشددة لها تراها واشنطن أدوات تعزز من ضغط المصارف على حزب الله وبالتالي تقيد قدرة حزب الله على محاولة إصلاح النظام المالي والاقتصادي اللبناني الذي يؤدي بصيغته الحالية إلى استتباع لبنان للولايات المتحدة والمؤسسات الدولية. كما تسعى واشنطن من خلال شمول العقوبات لنواب حزب الله في البرلمان اللبناني لتقييد دخول حزب الله إلى الدولة اللبنانية والاندماج فيها وهذا برز خلال تشكيل الحكومة اللبنانية الحالية حيث امتنع حزب الله عن تسمية وزير حزبي لمنصب وزير الصحة تجنباً لضغوط أميركة ضد وزارة الصحة.
الغاية الثالثة هي إرسال إشارة تستهدف الجمهور الشيعي واللبناني والعربي وذلك بهدف عزل الحزب، إما بالخوف أو بتلطيخ سمعته. فيما يتعلق بتلطيخ السُمعة ارتبط الكثير من العقوبات على حزب الله إما بادعاءات حول أعمال إجرامية مشينة مثل تجارة المخدرات وغسيل الأموال وعلاقات مع كارتيلات المخدرات في أميركا اللاتينية وإما تحت عنوان مشاركة حزب الله في الحرب السورية (دعم نظام الأسد الذي يمارس العنف على الشعب السوري كما يرد في النص) أو دعم أنصار الله في اليمن. وترتبط الادعاءات هنا بممارسات تتناقض مع قيم حزب الله الثورية والدينية بما يؤدي بالجمهور المؤيد لحزب الله إن صدّق تلك الادعاءات إلى النفور من الحزب وقضيته أي تقليص مشروعيته. مثلاً إن فرض عقوبات ربطاً بمشاركة حزب الله في الحرب السورية هو إشارة للجمهور العربي والإسلامي لترسيخ التأطير «الإرهابي والطائفي» لحزب الله.
أما فيما يتعلق بإرسال إشارة لنشر الخوف فتبرز من خلال شمول العقوبات لعدد كبير من رجال أعمال ومصرفيين لبنانيين وعدد من نواب حزب الله. فالجمهور المستهدف بشكل خاص هنا هم رجال الأعمال الشيعة تحديداً والقطاع الخاص والدولة اللبنانية. وتسعى واشنطن لعزل الحزب ورجال الأعماله المقربين منه عن الشبكات التجارية والمالية والحد من التحويلات المالية للمتمولين الشيعة نحو المجتمع المحلي. وكذلك إخافة القطاع الخاص والقطاع المصرفي من العمل مع أي رجل أعمال عليه شبهة الاتصال بحزب الله أو حتى من الطائفة الشيعية. ومؤخراً بدأ الخطاب الأميركي، التلويح بشمول العقوبات حلفاء الحزب السياسيين بمن فيهم من هم داخل الدولة اللبنانية. فالعقوبات على نواب حزب الله كانت إشارة إلى حلفاء الحزب داخل الدولة اللبنانية أنهم لم يعودوا محصنين من العقوبات. وتفترض واشنطن أن هذه الإشارات من شأنها تعزيز موقع حلفائها المحليين في لبنان بوجه حزب الله بالرغم من تراجعهم الداخلي وكذلك تضعف تحالفات الحزب الداخلية وتقلل من قدرته على المناورة.
أما على صعيد تقييد الحزب وإرسال الإشارات يمكن القول إن العقوبات الأميركية فعالة بنسبة ما من الصعب تقديرها الآن. وهذه الفعالية مرتبطة بكونها أداة غير مكلفة للولايات المتحدة، وأنها من أفضل البدائل الممكنة والمتاحة، كما أنها مركّب من ضمن استراتيجية أوسع للولايات المتحدة تشتمل على عناصر سياسية ودبلوماسية وأمنية وإعلامية وثقافية. لكن هذه الفعالية يمكن للحزب أن يتكيّف معها من خلال التعلّم والمناورة ولا سيما مع مرور الوقت. فضلاً عن أن الولايات المتحدة تعاني من اضطراب استراتيجيتها تجاه المنطقة ولبنان، ومن غياب استراتيجية بحد ذاتها أحياناً، ومن سطوة اللوبي الإسرائيلي على الأجهزة الأميركية المعنية بالعقوبات (مثل وزارة الخزانة، لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس). يضاف لما تقدّم سوء استخدام العقوبات من خلال عدم وضوح معاييرها والتركيز على كم الأشخاص المشمولين بالعقوبات.

خاتمة
هذا الاستخدام المفرط للعقوبات يهدد بتقويض تأثيرها على المدى البعيد وذلك من خلال ميل الدول لتقليص روابطها مع الاقتصاد الأميركي وتكيّف أعداء واشنطن مع تقنيات الحرب المالية، وتكتل المتضررين لإضعاف الضغط المالي الأميركي. ويتيح استخدام العملات والتكنولوجيات الجديدة فرصاً ناشئة لتحدي العقوبات المالية الأميركية. ولذا يحذر «زاراتي» من أن واشنطن إذا فشلت في الاستجابة لما يقوم به الآخرون على مستوى الحروب المالية فإنها تخاطر بأن تُترك مكشوفة ومتأخرة عن المنافسين في السباق نحو المستقبل».
أما من ناحية حركات المقاومة فهي أمام تحد من نوع مختلف لم تعتد عليه، ويفرض عليها قيوداً ومخاطر مستجدة. فحركات المقاومة تعاني سلفاً من الفجوة المادية مع منظومة الهيمنة الأميركية، وتتزايد احتياجاتها المادية نظراً لتوسع الصراع نحو مجالات جديدة مثل المجال التكنولوجي وتتزايد مسؤولياتها الاجتماعية في سعيها لتجذير مشروعيتها الشعبية. هذه الحركات لا تزال في طور التكيف والتعلم من هذه الحرب المالية، ولكنها ليست وحيدة في هذا المسعى بل تتشارك هذا الموقف مع أعداد متزايدة من الدول والجهات والمنظمات. وفي ظل تزايد الضغوط المالية عليها تحتاج قوى المقاومة إلى أن تعزز مصادر المشروعية التي لا تعتمد على المال كتطوير أدائها السياسي والانخراط في مشروع بناء دول وطنية وتعزيز صورتها الأخلاقية وإقناع الناس بقضيتها. أما مالياً فهي بحاجة لتقنيات واستراتيجيات معقدة منها على سبيل المثال تنويع مصادر أموالها وتعزيز القنوات الخفية والاستفادة من عالم الإنترنت والتكنولوجيا في التبادلات. الإفراط في استخدام الدولار كأداة إكراه، بدل القوة العسكرية، يمكن أن يحوّله «كعب أخيل» الإمبراطورية إن استسلمت لاغواء مكاسبه الآنية غير الحاسمة.

* أستاذ جامعي