أُعلن اندلاع الحراك الشبابي الغاضب في العاصمة بغداد، في مطلع تشرين الأول/ أكتوبر، وبعدها انتشر في محافظات الوسط والجنوب، بالتتالي والتوازي. وكانت القطاعات التي نزلت إلى «ساحة التحرير» في بغداد والميادين الأخرى، من جيل الشباب ومن الجنسَين، والغالبية بينهم من العاطلين عن العمل، من الخرّيجين أو الشغيلة من الفقراء اجتماعياً، أي من أبناء الطبقات العاملة والفلاحين، والطبقة البرجوازية الصغيرة، والمتوسطة. أمّا الغالب سياسياً، فمن خارج الأحزاب المتنفّذة والمشتركة في العملية السياسية، التي نشطت بعد الغزو والاحتلال أي بعد عام 2003. وبعد الأيام الأولى والتضحيات الجسيمة وسيل الدماء في الشوارع، توسّع الحراك أفقياً وجغرافياً، وأصرّ المشاركون فيه على الاحتجاج بشتى السبل وتطويره إلى اعتصامات في «ساحة التحرير» في بغداد وبناية المطعم التركي، كما انتقل إلى الميادين الأخرى، وتوضّح من خلال انضمام قطاعات اجتماعية ومهنية كبيرة له، من نقابات مختلفة وطلاب الجامعات والثانويات. وكانت الشعارات الرئيسية ملخّصة في شعارين رئيسيين: «نازل آخذ حقي» و«أريد وطن». وإذا كان الأول مفهوماً وواضحاً بلفظه ومعناه، فإن الثاني احتاج إلى شرح ودلالة ثقافية وعدم حصره بتقسيم وطن، وجاء الحراك لاسترجاعه كاملاً، والتأكيد على أهمية الانتماء إلى وطن وإعلان مفهومه وهويته التي غُيّبت. واستمرت الشعارات في الانطلاقة الثانية بعد هدوء مؤقت، في 25 تشرين الأول/ أكتوبر، وتوسّع الحراك أكثر عددياً وفي مساحات أخرى داخل بغداد والمحافظات الأخرى. وظلّت الشعارات الرئيسية هي الرائدة، كما ازدادت بعد عمليات الكر والفر، والقمع والاغتيال، وسقوط الدم في الشوارع. وارتقت المطالب الأساسية التي اعترف بها كل من صرّح حولها وبشرعيتها، من الرسميين وشركائهم أولاً، واعترف بحق الشعب بالتظاهر والاحتجاج دستورياً، إلى مطالب سياسية مرافقة للمطلبية التي بدأت بها. وفاق الارتقاء إلى المطالب بإسقاط النظام والعملية السياسية برموزها وأسسها. ومع التطورات الميدانية، اتّسمت الشعارات والأهداف بما يميزها عن غيرها ويضعها في طريق انعطافة شعبية تتحوّل إلى مرحلة جديدة من الاحتجاج والغضب والتظاهر والاعتصام. ونشرت عبر وسائل إعلام مختلفة ما عنون بـ«مطالب الثوار المنتفضين في ساحات التحرير»، من دون توقيع محدّد، كما نشرت نسخ متعدّدة باسم مطالب الحراك، بعد أيام من اندلاعه، وتحديداً بين عشرة وعشرين مطلباً، ركزت على المسائل الأساسية، بدءاً من «استقالة الحكومة فوراً، وتشكيل حكومة انتقاليّة مؤقتة لمدة ثلاثة أشهر فقط، وتتألف الحكومة الانتقالية المؤقتة من شخصيات تتوافر فيهم أربعة شروط:أ) أن يكونوا مستقلين ولم يسبق لهم العمل في أي حزب سياسي سابقاً.
ب) لم يسبق لهم العمل في أي حكومة أو مجلس نواب سابق، ولا في أي حكومة محلية أو مجلس محافظة.
ج) أن لا يتقدموا للترشيح في الانتخابات المقبلة ولا يشاركوا في الرعاية أو الترويج لانتخاب أي مرشّح.
د) أن يكونوا من المشهود لهم بالنزاهة والشجاعة والوطنية.
وانتقلت إلى القوانين المختصة بالانتخابات وتشكيل مفوضية مستقلة جديدة للانتخابات بنفس شروط أعضاء الحكومة الانتقالية. ومن ثم تفعيل قانون الأحزاب لكشف مصادر تمويلها ومنع وجود سلاح بيدها، وعلى أن تكون انتخابات جديدة تحت «إشراف الأمم المتحدة طبقاً للقانون الجديد، (!) ويكون موعدها قبل نهاية فترة الحكومة الانتقالية، وأن يقوم مجلس النوّاب الجديد بتعديل الدستور بفترة لا تتجاوز ثلاثة أشهر. ويكون ضمن التعديلات إلغاء مجالس المحافظات والمجالس البلدية، وتحديد نوع نظام الحكم طبقاً لإرادة الشعب.
وأكدت المطالب تعهّد الحكومتين، الانتقالية والدائمة، بإجراء تحقيق عاجل حول الجهات والأشخاص الذين تسبّبوا بقتل المتظاهرين، وإنزال حكم القضاء العادل بهم، وتعويض أسر الشهداء والتكفل بعلاج الجرحى وتعويضهم. كذلك طالبت مجلس القضاء الأعلى بأن يتمّ فوراً إطلاق تحقيق «من أين لك هذا؟» بحق المسؤولين الحاليين والسابقين، وسائر موظفي الدولة، واسترداد الأموال من السرّاق مهما كانت الجهة التي تقف خلفهم.
كذلك، نشرت وكالات أنباء مطالب موسّعة باسم الحراك الشعبي العراقي، تتعلق بضمان الحقوق العامة والخدمات الأساسية، جاء في بيان إنه «بعد الاتّكال على الله، والتشاور مع معظم الأخوة المتظاهرين، والمعارضين لحكومة المحاصصة والتوافق، فقد أجمع المظلومون والمهمّشون والمعطلون عن العمل والمضطهدون على توحيد مطالبهم لإعادة العراق إلى مصاف العالم المتحضر، ليلعب دوره التاريخي في الحياد الإيجابي بعيداً عن النزاعات الإقليمية والصراعات الدولية». وأضاف أنه «لكي ينهض بالعراق أبناؤه ليكون كما هو حاله على مدار العصور مناراً ومركزاً حضارياً فاعلاً في المنطقة، فقد أجمعنا على توحيد مطالبنا لما فيه خير لبلدنا وعزة عراقنا ومستقبل أبناء شعبنا المجاهد الصابر». شملت المطالب كما ورد في البيان: «تشكيل لجنة وطنية لتعديل الدستور، بعيداً عن الكتل والأحزاب التي شاركت في إدارة البلد منذ عام 2003، والإعلان عن انتخابات برلمانية مبكرة، يحظر فيها مشاركة الشخصيات من الأحزاب السياسية التي شاركت في حكم العراق من النظام الصدامي القمعي إلى نظام الكتل المتحاصصة، ليُتاح للمستقلين المخلصين من انتشال العراق من وضعه السياسي والاقتصادي والثقافي المتدهور».
ونُشرت تفاصيل أخرى أكثر عن المطالب الأساسية أيضاً، أو يمكن القول عنها خرائط طريق متعدّدة، ولكنها كما تبدو تصبّ في مجرى التغيير الشامل، أو تدعو إليه. وهي وفي ضوء ما أعلنته، هي بحاجة إلى التفكير الجدي بكل خطوة من الخطوات التي تنجز، من أيّ طرف موجود، وبآليات ما يليها وتحقيقها، وبواقعية كل خطواتها العملية، في إطار الانعطاف والتحوّل من جهة، وفي معرفة طبيعة الأوضاع الداخلية والخارجية، والصراعات على أرض العراق والتدخلات الإقليمية والدولية، من جهة ثانية. هذا فضلاً عن إعادة النظر بدروس فترة الغزو والاحتلال والمتخادمين فيها، ودورهم في إعادة أو صياغة العملية السياسية بعد اعتراف أغلبية منهم بفشلها خلال تلك الفترة الممتدة إلى اليوم، مع النظر إلى قدرات الحراك على تجاوز الاعتماد من جديد على أية قوى خارجية وتحت أيّ اسم يُراد أن يكون بديلاً، كالمجتمع الدولي أو الأمم المتحدة، أو المنظمات الممولة أو وكلائها. فهذه المؤسسات هي نفسها التي أدارت ما سبق وجاء الحراك الشعبي ردّاً وغضباً على ما قامت به عملياً، وما خطّطت له ومارسته فعلياً في العراق.
تحققت خطوة أولى، أول مطلب، بتقديم استقالة الحكومة ويتطلّب بعدها الاستمرار بالحراك، والتحوّل نحو إنجاز الخطوات والمطالب الأخرى مع إعلاء الشعارات الأولى وتحقيقها عملياً.

*كاتب عراقي