ذات يوم صيفي، قبل ست سنين، جلس قيس سعيّد في استوديو إذاعي بصحبة الصحافي الهادي زعيّم. وتطرّق الحديث بين الرجلين إلى قانون الانتخابات في تونس. فشرع أستاذ القانون الدستوري يتحدّث، بصوته الجهوري ونبرته المفخّمة الرنّانة، في هذه القضيّة الأثيرة عنده. فجأةً، ارتجّ المكان رجّة خفيفة. لم يهتم سعيّد بالهزّة الأرضية، وواصل كلامه، كأنّ شيئاً لم يقع. ثم بعد دقائق قليلة، رُجّت الأرض رجّاً عنيفاً، واهتزّت جدران الاستوديو الصغير، وتكسّر زجاج النوافذ فيه، وتعالت الأصوات صاخبة في أروقة إذاعة «موزاييك» بالصراخ والبكاء والعويل. وأخذ الصحافي زعيّم يرتعش من الخوف والرعب. بيد أن سعيّد ظلّ رابط الجأش، يجلس على كرسيّه المهتزّ هادئاً. وارتسمت على محيّا الرجل ابتسامة واثقة، في ذلك الموقف الحرج، على الرغم من أنّه لم يكن مشهوراً بكثرة الابتسام.لم يكن الزلزال حقيقياً، بل كان مقلباً من مقالب الكاميرا الخفيّة. وقد صنع القائمون على البرنامج مؤثّرات خاصّة حتى تبدو الهزّات الأرضية وكأنّها حقيقية. وحينما عُرض برنامج «الزلزال» على شاشة إحدى القنوات التلفزيونية التونسية، في شهر رمضان 2013، نال متابعة واسعة من الجمهور. وقارن المشاهدون ردّود فعل المشاهير الذين وقعوا في الفخّ. كان من بين هؤلاء سياسي تونسي ترشّح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وقد سيطر الذعر والفزع والهلع على ذلك الرجل إلى درجة تدعو للرثاء. غير أن قيس سعيّد - بخلاف كلّ ضحايا البرنامج الآخرين - أظهر من الثبات والاتّزان والهدوء ما أدهش صانعي البرنامج أنفسهم. ويبدو أنه أدرك أن في مسألة الهزّات الأرضية المتتالية حيلةً، فلم تفقده المفاجأة نباهته، وفطنته.
لا شك أن كثيراً من التونسيين أعجبهم ما رأوه في قيس سعيّد من فطنة ورباطة جأش. ولم يكن معظم الناس يعرفون الرجل، قبل عَرْض برنامج «الزلزال». فكانت تلك مناسبة لهم لاكتشاف سلوك هذا الأستاذ الجامعي الوقور. ولكن موقفاً تلفزيونياً عابراً، شاهدَه الناس ثمّ نسوه، لا يمكن أن يفسّر - بالطبع - ظاهرة سعيّد، أو يوضح لغز شعبيّته، أو يشرح لنا لماذا تداعى التونسيون، في 13 تشرين الأوّل الماضي، من كلّ مكان لانتخاب الرجل رئيساً لجمهوريتهم. لقد كانت حماسة الناس لسعيّد، وإقبالهم عليه، وفرحتهم بفوزه مشاهد لم تألفها تونس في تاريخها. ولقد قيل الكثير حول أسباب اختيار التونسيين لقيس سعيّد بتلك الغالبية الكاسحة. وردَّ البعض الأمر لشمائل يتميّز بها الرجل كالصدق والجدّية والتواضع والعفاف والثبات على المبادئ والرصانة والهدوء والثقة بالنفس والاتزان في السلوك. والحقيقة أن التونسيين لم يختاروا سعيّد بسبب تمتّعه بتلك الخصال فحسب، وإنّما اختاروه لأنهم توسّموا فيه خيراً، وأملوا أن يكون عهدُه عهد قطيعة مع نظامٍ استنزفهم، ومع رهط من السّاسة استولوا على البلاد لأكثر من ستين عاماً، فلم يرَ الناس منهم إلّا العنجهية والسفاهة والحمق. ولم يشهدوا من عهودهم سوى مهانات تترى، وخيبات تتوالى، وفشل يتراكم بعضه فوق بعض.

الصفاقة والصلف
حكَم الحبيب بورقيبة تونس ثلاثين عاماً، وكان طرازاً عجيباً من الزعماء. ولم يكن الرجل يتردّد في الخوض في ما يعرفه، وفي ما لا يعرفه. ولم يتوقّف عن الهَذر والخطل واللغو في خطبه الكثيرة إلّا بعد أن أصيب بمرض باركنسون، فأفقده الشلل الارتعاشي القدرة على الكلام بشكل سلس. وكان بورقيبة رجلاً معتدّاً بنفسه، يفرط في الاعتداد. وظلّ فاحشاً في كلامه، يتجاوز كلّ حدّ. ولم يكن العجوز يتورّع عن ضرب وزرائه وإهانتهم والتهكّم عليهم أمام الملأ، إلى أن عُزل. سَبّ يوماً وزيره الأوّل الباهي الأدغم، ووصفه بـ«رأس البهيم» (رأس الحمار). وسخر منه، في مرّة أخرى، قائلاً إنه «نفس مومنة» (عبيط). ورضِيَ على أحمد بن صالح، وهو من حاشيته، فقلّده أربع حقائب وزارية دفعة واحدة (الاقتصاد والمالية والتخطيط والتربية)، ثمّ سخط على الرجل فعزله من مناصبه، ورمى به في السجن. وكان يحلو لبورقيبة أن يشتم الوزير أحمد بن صالح، ويصفه بـ«فأر بوطميرة» (الجرذ). أمّا وزير الخارجية محمد المصمودي فاتّهمه بورقيبة بأنه «لصّ». وذمّ وزير داخليته أحمد المستيري الذي انشقّ عن نظامه، قائلاً: «هذا جاهل، يتحدّث عن الديمقراطية، وهو لا يفهم ماذا تعني؟!». وهزأ من الباجي قايد السبسي، وقال إنّه «غير أمين يستلف المال من الناس، ولا يردّه لهم». وأمّا الوزير الأول محمد مزالي فقد حاكمه بورقيبة بتهمة «سوء التصرّف في الأموال العامة».
اختار التونسيون سعيّد لأنهم أملوا أن يكون عهدُه عهد قطيعة مع نظامٍ استنزفهم، ومع رهط من السّاسة استولوا على البلاد لأكثر من ستين عاماً


وكلّ هذه المسبّات التي قذف بها بورقيبة وزراءه، وهم أعمدة نظامه، لا تعدّ شيئاً أمام ما وصم به رئيس تونس الأسبق شعبه. وما زال الناس يتعجّبون من وقاحة السيسي الذي عيّر المصريين بفقرهم الشديد، لكنّهم لم يسمعوا ماذا قال بورقيبة عن التونسيين. خطب في جنيف، ذات يوم من شهر حزيران/ يونيو 1973، أمام منظّمة العمل الدولية، فقال أمام الملأ، بالفرنسية: «أنا من صنعتُ من التونسيين شعباً، وكانوا حفنة من غبار. وجعلت منهم أمّة، وكانوا قبلي خليطاً من القبائل المستسلمة للخنوع والمذلة». الحقّ، إنه لم يوجد رئيس عربي بلغ ما بلغه بورقيبة من الصفاقة والصلف. أخذه الغرور فصار يرى نفسه فوق تونس والتونسيين! ولم يتورّع عن ازدراء الناس، ولا استحى أن يقول إنّه «وجدهم مُقمّلين، وبفضله لم يعد القمل في رؤوسهم»(1). ودأب بورقيبة على استنقاص العرب فهُم عنده «عُربان جهّال متخلّفون». ولم يتحرّج الرجل من الطعن في الإسلام ونبيّه. وأخذه السفه والاستخفاف، ذات مرّة، وهو يخطب أمام الناس خطاباً طويلاً مرتجلاً، فجعل يعرّض بالنبي، ويقول عنه إنّه «كان رجلاً بسيطاً يسافر كثيراً في الصحراء، ويستمع إلى الخرافات الساذجة السائدة في ذلك الوقت، وينقل تلك الخرافات إلى القرآن»(2). وفي مرّة أخرى، قارن بورقيبة نفسه بالنبي، فقال: «إن الرسول شخص أميّ، عاش في الصحراء. لذلك كانت طريقته في دعوة الناس للدخول في الإسلام هي الترغيب بالأنهار والجواري. أمّا أنا فمطّلع على تراث الحضارة الإنسانية. وقد قمت بما قمت به بجهدي الخاص، وليس بواسطة الوحي، وعبر استعمال المادة الشخمة (يقصد أنّه يستعمل العقل والذكاء)»(3). ولو اكتفى الرئيس التونسي بأن يقارن نفسه بالنبي، لهان الأمر. ولكن الصلف والصفاقة بلغا به حدّاً جعله يطلب، ذات يوم، قلماً أحمر، ويقول لمن حوله إنّه سيصحّح الأخطاء الموجودة في القرآن! بل وصل به الاستهتار واستفزاز مشاعر الناس أن أفتى للناس بأنّه يبيح لهم الإفطار في رمضان، وأنه سيكون أوّل المفطرين. ثمّ تناول كأس عصير وشربه أمام الناس، في نهار رمضاني(4).
ولم يقتصر نزق بورقيبة على العبث بمسألة الهوية الإسلامية للتونسيين، بل عمل الرجل على تغريب تونس، وعزلها عن أمّتها العربية. ولم يكن بورقيبة يعترف أصلاً بوجود أمّة عربية، بل كان يعتبر تونس أمّة بذاتها. وكان الرجل لا يعتدّ أيضاً بلغتنا العربية ويحتقرها ويستهين بشأنها. وأمّا اللغة الفرنسية فكان يقول إنها «غنيمة حرب»، ولا بدّ للتونسيين أن يتشبّثوا ويتمسّكوا بها. ولقد عزل بورقيبة محمد مزالي عن الوزارة الأولى، لا لشيء إلّا لأنه عصى أوامره، وفرض اللغة العربية في التعليم المدرسي(5). ولم يقتصر ولاء بورقيبة لفرنسا على مسألة اللغة، وإنّما وصل به إلى حدّ تمجيد الاستعمار. خطب الرجل، في مدينة القصرين، في 29 كانون الثاني/ يناير 1963، فقال: «إن فرنسا دخلت هذه البلاد عندما وجدت بها أناساً متخلّفين. وبقطع النظر عن الصراع والكفاح، فقد كان من نتائج وجود الفرنسيين، في هذا البلد، تفتّح الأدمغة. وبعد أن خرجت فرنسا من تونس، تركت رجالاً متنوّرين، وقادرين على تسيير البلاد في طريق التقدّم والرقي. وهذا أمر يعتزّ به الفرنسيون، أنفسهم، ويفتخرون».

الجشع والفساد
أزيح بورقيبة، وخلفه زين العابدين بن علي. ولم يكن الخلف كُفؤاً للسلف، فلا هو زعيم وطني، ولا هو يتمتّع بقدر من الكاريزما، ولا هو يستطيع أن يخطب في الجماهير أو يحرّكها. ولم يحصل بن علي على تعليم جيّد سوى نزر قليل لا يؤهّل صاحبه إلى مرتبة عظيمة. ولم يكن للزين سابقة نضال، بل إن الشبهات حامت حول والده الذي اعتبره الوطنيون «قوّاداً» لفرنسا (يعني واشياً)، وحاولوا قتله. ولم يكن «الزين» طالب مجد كسلفه بورقيبة، بل كان قصارى حلمه أن يخلّص نفسه من الفقر، وأن يصبح ميسور الحال. ولقد منحته الأقدار ما تمنّى، وأكثر ممّا تمنّى! أمسكت الحظوظ الحسنة يد الشاب المغمور، وقادته في دروب نظام فاسد، وارتقت به حتى أوصلته أخيراً إلى سدّة الرئاسة. وانفتح باب السعد، أوّل مرّة، أمام زين العابدين، لمّا تعلّقت به ابنة الجنرال محمد الكافي، وتزوّج بها في سنة 1961. وبفضل حموه تمكّن الصهر من أن يرتقي بسرعة في صفوف الجيش، وأن يسبق زملاءه في الرتب، وأن يتولّى إدارة الاستخبارات العسكرية التونسية، ثمّ إدارة الأمن العام. وحينما قاد زين العابدين بن علي جنوده بنفسه ليقتلوا أربعمئة من المتظاهرين، في أحداث 26 كانون الثاني 1978؛ فإنه بذلك أثبت جدارته لنيل رتبة الجنرال التي قلّدها له بورقيبة، مكافأةً على دوره في يوم الخميس التونسي الأسود.
لم يكن صعباً، في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، أن يصعد رجل وصولي ماكر على سلالم نظام خرب، كنظام بورقيبة. ولم يكن عجيباً، بعد ذلك، أن يزيح المولى سيّدَهُ المتهالك الخرِف. وعلى الرغم من فساد زين العابدين بن علي وسوئه، فمن الحقّ أن يُشهد له بأنه لم يكن لئيماً جدّاً مع الرئيس المعزول. ولم يصنع ما صنعه بورقيبة بباي تونس، بعد أن خلعه عن عرش أجداده. كان عهد بن علي امتداداً طبيعياً لعهد بورقيبة، وواصل الرئيس الجديد نهج سلفه. بل إنّ بن علي توخّى سياسة أكثر تشدّداً في التضييق على نزعة التديّن في المجتمع التونسي، وقهر مظاهره. وأصبحت كلمة «مُصَلِّي»، في عهد زين العابدين، تهمة يخشى المرء أن يُسجن بسببها! وانتهز نظام بن علي فرصة الصدام مع تيّار الإسلام السياسي في تونس، ليحوّل تلك المعركة إلى محاولة اجتثاث التديّن نفسه، واقتلاعه من جذوره. وهذا خطب خطير، لأنّ التديّن ركن ركين في هويّة المجتمع التونسي. ثمّ لم يكتفِ النظام التونسي بحربه على التديّن، وسريعاً ما امتدّت يداه لتخنق الحريات العامّة القليلة في البلاد وتفترسها. ثمّ بعد ذلك شرّع الديكتاتور بلاده للنهب، فلم يترك النهّابون مجالاً أو قطاعاً إلا أغاروا عليه. وصارت الحاشية الصغيرة التي أحاطت بزين العابدين بن علي، عبر صلات القرابة المباشرة أو عبر صلات المصاهرة والنسب، بمثابة مافيا. ولم يبق شيء لم تمتد أيديهم إليه: البنوك، والفنادق السياحية، والأراضي الفلاحية، واحتكار تجارة المواد الغذائية، ومواد البناء، والاستيراد والتصدير، والاتصالات، والإنترنت، ووكالات السيّارات الفاخرة، وتجارة الملابس المستعملة... ثمّ لمّا توسع النهب، صار أمراً عادياً سلب الأراضي والعقارات القيّمة، والاستحواذ على الفضاءات التجارية الكبرى، والاستيلاء على الصفقات العمومية الضخمة، وابتياع أملاك الدولة ومؤسّساتها بأثمان زهيدة. وبعد ذلك امتدّت الأيادي إلى قطاعات حساسة كالتعليم، وشركات الطيران، وصفقات الصيدلة، والإذاعات، والصحف... وشيئاً فشيئاً ازداد الجشع، فامتدّ إلى التهريب (من السجائر، والعجلات المطاطية إلى المخدّرات، وتهريب الآثار). وأخيراً صارت الإتاوات تفرض فرضاً على الناس.

القويّ الأمين
ضجّ التونسيون بالشكوى. وحقّ لهم أن يضجّوا. ثمّ انتفضوا. وحقّ لهم أن ينتفضوا. وأسهموا في إسقاط الطاغية وعصابته. وذلك كان حدثاً جسيماً في تاريخ البلاد المعاصر. ثمّ عزموا أن يغيّروا نظام الحكم، وأن يبدّلوا دستور الدولة. لكنّ التونسيين فطنوا، في أثناء كلّ تلك الخطوات، إلا أنّ منظومة الفساد كلّما اجتُثّ منها فرع أنبتت فروعاً أخرى بديلة. وإنّهم ليريدون حقّاً اقتلاع نظام الفساد، ولكن أنّى لهم أن يقتلعوه، وهو ضارب بجذوره، في كلّ مكان؟! ملّ الناس، حتى كادوا أن ييأسوا من هزيمة هذه المنظومة الشيطانية. وظنّ آخرون أنهم يحتاجون في محاربة الفساد إلى قائد قوي أمين يندبونه إلى هذه المهمة المقدّسة، فلا ينشغل بسواها. هنا ظهر سعيّد خياراً أمام التونسيين، فانتخبوه.

بلغ الصلف والصفاقة ببورقيبة حدّاً جعله يطلب، ذات يوم، قلماً أحمر، ويقول لمن حوله إنّه سيصحّح الأخطاء الموجودة في القرآن!


لم ينتخب الناس قيس سعيّد لأنهم يرجون أن يغيّر انتخابه أوضاعهم المتأزّمة. إنّهم يدركون جيّداً أن ليس بوسع الرجل أن يحلّ أزمات اقتصادية وسياسية معقّدة. ولكنّ الناس اختاروه لأنهم رأوا فيه رجلاً قوياً وأميناً ومختلفاً وصادقاً، وهم ما عادوا يقبلون أن يحكمهم أوغاد. واختار الناس سعيّد لأنهم وجدوا فيه رجلاً أصيلاً، وهم ما عادوا قادرين على أن يحتملوا أن يرأسهم نغل جديد. واختار الناس سعيّد لأنه إنسان شريف وعفيف ونظيف، وهم سئموا من معشر الأنجاس والأنذال واللصوص. واختار الناس سعيّد لأنه مُنتمٍ لأمّته العربية، ومفتخرٌ بلغة قومه، ووفيّ لفلسطين، والناس عافوا وكلاء الأجنبيّ، المُنبتّين، التُبَّع. واختار أبناء الشعب سعيّد لأنهم كفروا بالرؤساء المتبجّحين المتكبّرين المجانين، ويريدون رئيساً بسيطاً متواضعاً يشبههم. إن الشعب التونسي اختار سعيّد رئيساً لأنّه يريد فعلاً إسقاط نظامٍ آن له أن يسقط ويزول.

الهوامش:
1) عمل بورقيبة حقاً، أثناء حكمه، على نشر الصحّة والتعليم في البلاد التونسية. ولكن هل كان من اللياقة أن يمنّ زعيم بهذه الأمور على شعبه؟! كرّر الرئيس بورقيبة، في أكثر من خطاب من خطاباته، قصّة القمل. ثمّ، في أواخر عهد حكمه، قال، ذات مرّة، للتونسيين إنّه لولاه ما عرفوا ما هو الياغورت (الزبادي)، وما طعمه؟ ومن المؤسف أنّ أتباع بورقيبة، إلى اليوم، ما زالوا يُهينون الناس حين يردّدون تلك الجملة المبتذلة: «بورقيبة هو الذي نزع القمل من رؤوس التوانسة».
2) استخفّ بورقيبة بالنبيّ في خطاب ألقاه يوم 19 مارس 1974، أمام المربّين ورجال التعليم، بمناسبة الملتقى الدولي للثقافة الذاتية والوعي القومي. وقد سمع التونسيّون خطاب رئيسهم الذي نقلته الإذاعة التونسية نقلاً مباشراً على موجاتها. ولم يكتفِ بورقيبة بالتطاول على نبيّ الإسلام واتّهامه بالسذاجة، والتزوير، ونقل خرافات مثل قصة أهل الكهف وعصا موسى إلى القرآن. بل إنّ بورقيبة مضى ليشكّك في صحّة القرآن نفسه، فاعتبر آياته متناقضة مستشهداً بالآية 51 من سورة التوبة {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} والآية 11 في سورة الرعد: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}. وقد نشرت صحيفة (الصباح) التونسية في عدديها الصادرين في 20 و21 آذار/ مارس 1974، خطاب الرئيس بورقيبة المذكور.
3) راجع كتاب لطفي حجّي «بورقيبة والإسلام: الزعامة والإمامة»، (دار الجنوب للنشر، تونس 2004)، ص 182.
4) أفتى بورقيبة، في خطاب ألقاه، في يوم 5 شباط/ فبراير 1960، بنبذ الصيام، وبالإفطار في رمضان. وعلّل دعوته بأنّ الإفطار يساعد في كسب المعركة الاقتصادية، وهي بمثابة الجهاد الذي حُلِّل فيه للمجاهدينَ الإفطار. ولم يستسغ التونسيون هذه «الفتوى البورقيبيّة»، فانطلقت في بعض مدن البلاد مظاهرات تندّد بما صدر عن بورقيبة. وتمّ قمع تلك الاحتجاجات بعنف، وصدرت أحكام قاسية ضدّ من تزعّموها.
5) انظر شهادة محمد مزالي، عن أسباب عزل بورقيبة له، في الحلقة الثامنة من برنامج «شاهد على العصر» الذي بثته قناة «الجزيرة» القطرية، في 13 أيار 2000.
* كاتب عربي