تنظر إلى تعيين أشرف ريفي في وزارة العدل أو نهاد المشنوق في وزارة الداخليّة من كل الزوايا: من فوق، ومن تحت، ومن أعلى ومن اليمين ومن اليسار ومن الجانب الملتوي وبنظّارات طبيّة أو شمسيّة فلا تتحسّن الرؤية أبداً. المشهد هو نفسه في البشاعة. والتي أفرجت عن عملاء للعدوّ الإسرائيلي مدانين ومحكومين أصبحت وزيرة، ومن حصّة رئيس الجمهوريّة المقتدر والواثق والمُصلح.
من دون أمل شعبي أو اكتراث تشكّلت حكومة لبنانيّة بعد أن أتت الموافقة الرسميّة من الرياض. ميشال سليمان، الذي ينافس السفير السعودي في لبنان على خدماته للمصلحة السعوديّة العليا، قرّر أن الوزارة «صُنعت في لبنان»، وهو الذي اعترف في حديث إلى جريدة «الحياة» قبل أشهر أن الحكم السعودي يتدخّل في تشكيل الحكومة اللبنانيّة، وإن أضاف (مُعجباً) أنها لا تتدخّل في التفاصيل الصغيرة (أوّاه). (لكن هل كان ميشال سليمان ليصل إلى سدّة قيادة الجيش لو لم يتدخّل النظام السوري وبصفاقة لمصلحته؟ كانت أيّام). تمام سلام دخل نادي رؤساء الوزراء وحمل عن والده مشعل التحالف مع أمراء آل سعود. والحكومة وُلدت لأن الأطراف الإقليميّة الراعية ــ إضافة إلى حزب الله الذي يريد أن يتجنّب الحرب الأهليّة بقدر ما تسعى إليها المُخابرات السعوديّة ــ قرّرت أن تشكيلها يخفّف عن كاهلها (وبطرق مُختلفة ولأسباب مختلفة). لا يعلم الشعب اللبناني ظروف تشكيل الحكومة أو ظروف إعاقتها، لأن العلم والمعرفة السياسيّة يحتجبان وراء أثقال من الدعاية السياسيّة ومن لغة النفاق السياسي الذي أتقنه اللبنانيّون كما أتقنوا الحروب الأهليّة المُتكرّرة.
تستطيع أن تدرك حجم التفجّر الكامن في هذه الحكومة من كلام محمد رعد الذي يقيس كلامه وخطابه بـ«بيض النمل» (حسب قول لينين) عندما قال: «نحن لا نتخلّى عن شراكتنا لهم. نحن نريدهم شركاء لنا رغم ضلالتهم، رغم غفلتهم، رغم تآمر بعضهم». كيف يتحالف حزب عريق ــ ومُقاوم ضد الاحتلال والعدوان الصهيوني ــ مع من يرى (وعن حق) أنه يتآمر عليه (وعلى الوطن أيضاً وعلى شعبه)؟ كيف تستقيم حكومة بين فرقاء لا يثق بعضهم ببعض (وعن حق)؟ ثم، هل هناك حدود لقدرة حزب الله ورغبته في التعاون والتنسيق مع من يعرف أنه مُتحالف مع أعدائه ومع أعداء الشعب؟ كيف تكون شراكة إذا انضمّ إليها من يصفهم محمد رعد نفسه بـ«المتآمر»؟ إن هذا النمط من التسويات السياسيّة يكشف حقيقة فشل أداء حزب الله في القيادة السياسيّة (على عكس أدائه في قيادة المقاومة، ما دفع الرفيق رائد شرف إلى التعليق على «فايسبوك» بأنه قد يجوز الأخذ بالتصنيف الأوروبي الذي يفرّق بين الجناح السياسي والجناح العسكري لحزب الله ــ والأوّل متعثّر بقدر ما برع الثاني).
إن أداء حزب الله في الحكومات ــ بات لزاماً القول ــ كان أداءً فاشلاً. لم يتميّز وزراء الحزب أبداً، وكانوا لا يردّون حتى على الحملات الدعائيّة المستمرّة على مدار الساعة، ما حقق لها نجاحات عظيمة. لم يتميّز الحزب بالتشريع في مجلس النواب، ولم يتميّز الحزب بمواجهة مخطّطات معادية للمقاومة في مجلس الوزراء، كما مرّرت الحريريّة السياسيّة المحكمة الدوليّة وغيرها من القرارات الخطيرة أمام أنظار وزراء الحزب من دون أن يلاحظوا. والوزير محمد فنيش في وزارة الطاقة لم يختلف في أدائه عن وزراء الحريريّة، لا بل قدّم مشروع خصخصة فاق مشروع الحريريّة في تفلّته الرأسمالي. هل من محاسبة؟ هل من مجال لتقديم كشف حساب بين الحزب وبين جمهوره العريض؟ ثم هل كان تسويغ «التكتيك السياسي» (المُستقى من خطاب حركة «فتح») مرّة غير مقدّمة لارتكاب حماقة سياسيّة؟ وهل فشل الحزب منذ 2005 (والذي لم يأخذ على محمل الجدّ حتى تجمّع 8 آذار) في إقامة جبهة عريضة لمُساندة المقاومة سبب لتقييد خيارات الحزب السياسيّة وتقلّصها؟ هل يظنّ الحزب أنه بالمشاركة في الحكم مع فريق من أعوان العدوان يكسب هذا الفريق ويأمن جانبه؟ أم أنه يعرّض عنقه وظهره للطعن في كل مفصل، خصوصاً أن فريق 14 آذار يستعين في تآمره بالوسطيّين الذين كانوا السلاح السرّي للتيّار الحريري منذ 2005؟
كذلك فإن أسماء الوزراء لا تبشّر بخير أبداً. المحاصصة الطائفيّة (المُتنازع عليها بين الفريقيْن الطائفيّين المُتحاربيْن) سيّدة المواقف والتشكيلات والتعيينات. ماذا يعني الإصرار على الحفاظ على وزارة الطاقة من قبل الفريق العوني العائلي، وما هو المغزى؟ وماذا يمثّل تبوّء جبران باسيل (الذي يحتاج إلى دروس ودروس في تاريخ القضيّة الفلسطينيّة بالرغم من عبقريّته التي لا يشكّ هو فيها قط) وزارة الخارجيّة؟ هل يستطيع أن يردّ على المزاعم الصهيونيّة في المحافل الدوليّة وهو الذي يؤمن أن الشعب الفلسطيني (أو «الفلسطيني» في خطاب العنصريّة اللبناني) باع أرضه لليهود؟ وهو يمثّل تقرّبه من الحكم السعودي سياسة منتهجة من كامل فريق 8 آذار؟ وهل يستطيع وزير الخارجيّة، حتى لو أراد، أن يمثّل السياسة الخارجيّة للبنان وفق اتفاق الطائف؟ هل يستطيع هذا الوزير أن يتحدّث عن عروبة لبنان وعن مقاومته للعدوّ الإسرائيلي؟ أم أن الوزير سيتمثّل بتجربة شارل مالك الذي (وفق رواية عادل مالك) كان لا ينفك عن تقديم النصح العلمي لألبرت أنشتاين.
أما الوزير العوني الجديد، إلياس بو صعب، فهو دشّن تولّيه وزارة التربية بتصنيف المقبور بشير الجميّل بـ«الشهيد». وبو صعب الذي كان قائداً في لجنة الصداقة اللبنانيّة الإماراتيّة (أي لجنة الصداقة بين رجال الأعمال اللبنانيّين في دولة الإمارات وبين نظام أولاد زايد) كان دافع عن حكم آل زايد عندما بدأ بطرد مواطنين لبنانيّين بسبب انتمائهم الطائفي الشيعي. قال يومها إنّ الإعلام يُبالغ في التغطية، وإن الطرد لا يطال طائفة واحدة فقط (هو لم يقل إن تلك الطائفة هي «مْرِتّة» وتستحق الطرد ــ للأمانة).
لكن هناك وجوهاً جديدة في الوزارة. أراد ميشال سليمان (الذي يتنافس مع حركة «أمل» في اختيار أسوأ الوزراء) أن يكافئ أليس شبطيني على تضلّعها في الفقه الجزائي، فأتى بها وزيرة. أما ان اسمها ارتبط بإطلاق سراح عملاء لإسرائيل محكومين، فهذا ليس بذي بال، لأنها قالت إن هناك من وافقها في قراراتها، وهذا صحيح. قيادة جماعيّة في القضاء اللبناني النزيه، أو الفائق النزاهة. وميشال سليمان بعد توثيق علاقته مع الحكم السعودي وإتقان الهتاف بحياة آل سعود في خطب رسميّة أراد أن يسدّد ضربة في مرمى حزب الله. من كان يدري أن حزب الله الذي أتى به رئيساً سيصبح هدفاً لتلقّي النصال من هذا؟ لكن كان للحزب أن يتمثّل بتجربة شارل رزق (الوسطي أيضاً) مع إميل لحّود.
أما وزيره عبد المطلب حناوي فهو قريب من رئيس الجمهوريّة مثل ظلّه. وقد عرّفنا عن كفاءته في المنصب بالقول: إنه يحبّ الرياضة والرياضيّين حبّاً جمّاً. ماذا يعني هذا؟ أن حب اختصاص الوزارة يؤهّل لتولّيها؟ هل على وزير العدل مثلاً أن يكون من الذين يحبّون المجرمين حبّاً جمّاً، فيما يكون وزير الزراعة من محبّي الزراعة والخضروات والدواجن على أنواعها؟ ماذا عن وزير الصحّة؟ هل عليه أن يحبّ الأمراض أم الأطبّاء أم الاثنيْن معاً؟ وهل يجب على وزير البيئة أن يحب الكسّارات حبّاً جمّاً كي يتولّى تلك الحقيبة؟ ووزير الخارجيّة، ماذا يحبّ... السفارات الأجنبيّة؟ التبس الأمر.
أما وزير الصحة الجديد، فهو يكثر من العبوس أمام الكاميرا كي يظهر في منتهى الجديّة في مهمات يكلّفه بها البيك التقدّمي (والاشتراكي ــ إياك أن تنسى). والمكتب الإعلامي لوزير الصحة الجديد ــ على طريقة سلفه علي حسن خليل ــ أصدر بياناً جاء فيه أن الوزير ــ دام ظلّه ــ «أوعَزَ» إلى المستشفيات كي تستقبل الجرحى على اثر الانفجار الأخير. لكن لماذا يوعز (مِن «أوعزَ») المكتب الإعلامي لوزير الصحّة عند كل انفجار؟ لماذا لا يوعز مرّة واحدة أن كل المصابين من جراء الانفجارات يُستقبلون على نفقة وزارة الصحة في كل المستشفيات. من الأفضل توفير بيانات «أوعز» حتى إشعار آخر.
وقد انتقلت وزارة الماليّة إلى حركة «أمل» ــ أي حركة المحرومين، وهذا سيجعل الشعب اللبناني هانئ البال أن أمواله الوفيرة باتت في أيد أمينة ــ، لكن هل سينتقل بعض المال إلى المحرومين، يا ترى؟ وهل ستنساب الأموال في عهدة حركة «أمل» كالجداول؟ وهل سيصدر المكتب الإعلامي لوزير المالية الجديد بياناً عند وقوع انفجار في مكان ما ليعلن فيه أن الوزير أوعز إلى المصارف كي تعتني بالمصابين؟ وهل ستصبح سيطرة «أمل» عرفاً طائفيّاً من أعراف الدولة العليّة؟ ثم لماذا يكتفي حزب الله بوزارات هامشية وكأنه يشارك في الحكم بنصف قدم؟ إذا لم يكن في وارد الانخراط في العمل السياسي المُباشر، فالأفضل له ولقضيّته التفرّغ لعمل المقاومة، خصوصاً أن العمل السياسي كلّفه الكثير من رصيده الشعبي (على المستوى العربي) وحتى من قدراته العسكريّة أو حريّة عمله على الأقلّ. لم تكن المشاركة في الحكم إلا فخّاً نصب له أو أسراً.
الطريف في التشكيلة أن حركة 14 آذار (على عادتها) غافلت حزب الله (بعلم أو من دون علم نبيه برّي) وحصلت على ما تريد، زائداً مقعداً إضافياً. ماذا تقول عن حنكة حزب الله السياسيّة عندما تقرأ أن الحزب فوجئ بأن حركة 14 آذار حصلت على مقعد وزاري إضافي من دون أن يلاحظ الحزب ذلك من قبل؟ وأصرّ جمهور 14 آذار على توزير أكثر عناصره استفزازاً للطرف الآخر، وحصل على ذلك. لتوزير أشرف ريفي (الذي يلوم حزب الله على إرهاب العصابات التكفيريّة) أكثر من مغزى، محلّي وإقليمي. هو مباركة من رئيس الوزراء ورئيس الجمهوريّة لرعاية ريفي لعصابات سلفيّة في طرابلس، وهو أيضاً ردّ جميل للنظام السعودي الذي اختار ريفي كي يكون عضواً مؤسّساً لجامعة الأمير نايف للعلوم الأمنيّة (لا يزال ريفي يشغل ذلك المنصب بالرغم من توليه الوزارة). أما تعيين نهاد المشنوق فهو أيضاً تسديد حساب للنظام السعودي وضربة مقصودة لحزب الله. إن الإمساك بوزارتيْ العدل والداخليّة من قبل الفريق السعودي في لبنان هو بمثابة تسليم رقبة المقاومة للقصّاب المعادي. إلى أي مدى يذهب الحزب في تنازلاته وبأي غرض؟ هل تعلّم الحزب من تجربة خديعته عندما أقنعه فريق الحريري بأن محكمة الحريريّ الدوليّة ليست محكمة دوليّة بل هي «محكمة ذات طابع دولي» (وكأن هناك شيئاً اسمه محكمة ذات طابع دولي أو إقليمي)؟ لا يبدو ذلك. على العكس. إن الإدارة السياسيّة لحزب الله تتّسم بطابع بالغ السذاجة وسهولة الانجرار وراء خدع لفظيّة وغير لفظيّة من قبل الفريق الآخر. يكفي أن خدعة الوسطيّة (وهي من اختراع وليد جنبلاط ونجيب ميقاتي وميشال سليمان لتمرير مشاريع 14 آذار مموّهة أو صفيقةً) انطلت على الحزب. هل بقي شكّ يساور الحزب في أن كلّ من سُوّق له على أنه وسطي كان ولا يزال في 14 آذار؟ ولماذا لم يمل وسطيّ واحد إلى 8 آذار في كل هذه السنوات؟ ما سرّ هذه الوسطيّة التي تميل مع حركة 14 و«كلّما مالت تميلُ»؟
ثمّ، هناك احترام من قبل تيّار الحريري لفريقه، فيما يتعامل فريق 8 آذار باستهتار وفوقيّة مع قاعدته الشعبيّة. إذا أصرّ تيّار الحريري على عناصر وزاريّة استفزازيّة فلماذا لم يصرّ الحزب على عناصر له استفزازيّة؟ كان يستطيع كجزء من اللعبة السياسيّة مقابلة الوزراء الاستفزازيّين بوزراء استفزازيّين من عنده، لكنه أصرّ على وزراء من دون لون أو طعم أو رائحة أو صوت أو جلبة أو صخب.
والخلاف على صياغة البيان الوزاري أحاله نبيه برّي (العائد لتوّه من تيرانا حيث جهد لتصويب العلاقة بين لبنان وألبانيا بعد أن بلغت حدّاً غير مسبوق من التوتّر) على اللغة العربيّة وأفتى بأن ثراء اللغة كفيل بحلّ المشكلة. كأن الخلاف بين فريق يريد أن ينزع من الشعب اللبناني، والجنوبي خصوصاً، حقه الطبيعي المُشرّع في ميثاق الأمم المتحدة في المقاومة وفريق يريد أن يدعو العدوّ الإسرائيلي إلى غزو لبنان متى شاء هو خلاف لغوي محض. ثراء اللغة العربيّة لا يحلّ مشكلة بين أعوان إسرائيل وبين أعدائها في لبنان، لكن ثراء اللغة كفيل بحلّ مشكلة من نوع آخر: هو كفيل بالتستّر على عيوب من يتحالف مع العدوّ الإسرائيلي ومن يمنع على أهل الجنوب حقّهم في الدفاع عن أرضهم بوجه عدوّ تاريخي لهم، حتى لو التزم لبنان الحياد أو «النأي بالنفس» عن احتلال إسرائيل لفلسطين. إن ثراء اللغة العربيّة في المعنى الذي تناقلته الصحف على لسان نبيه برّي هو ذروة الإمعان في التغطية على الخلافات والصراعات اللبنانيّة بتوريات وصياغات وإطنابات مصطنعة. إن اللغة العربيّة هي أيضاً لغة العلم والعناية والمعنى المُحدّد الذي تقتضيه مصلحة مسخ الوطن في تحديد العدوّ وطرق مواجهته.
لقد وقع حزب الله في فخّ الديمقراطيّة (المُزيّفة حكماً في عصر هيمنة رأس المال العالمي والمحلّي وفي عصر التدخّلات الدوليّة الصفيقة) عندما وافق على الانخراط في «اللعبة السياسيّة» التي أُريد لها أن تكبّله وتقيّده وتدجّنه بأمر من رعاة رفيق الحريري آنذاك. أراد أعداء حركة مقاومة العدوّ الإسرائيلي في لبنان أن يجعلوا من المقاومة عرضة لإجماع سياسي، وهذا لم يتحقّق في أي حركة مقاومة احتلال عبر التاريخ وحول العالم. وهؤلاء ليسوا أعداء حزب الله كحزب سياسي، لأن جلّ الاعتراض على حزب الله من أعدائه في لبنان له علاقة بمقاومته للعدوّ، وهم مُستعدون أن يتحالفوا معه وأن يتعاونوا معه لو تخلّى عن المقاومة، كما تحالفوا مع صبحي الطفيلي الذي قاد أسوأ مرحلة في تاريخ الحزب، على الأقل في علاقاته الداخليّة وفي أعمال عنفيّة خارج نطاق المقاومة.
إن صيغة «الشعب والجيش والمقاومة» صيغة تكاذب مفضوح، لأنّ الجيش فشل في امتحان 2006 عندما تخاذل عن فعل المقاومة (وإن أعان بعضه المقاومة سرّاً، وكأن الدفاع عن الوطن من قبل الجيش يجب أن يبقى سرّاً من الأسرار)، وأما الشعب فقد وقف نصفه إلى جانب العدوّ الإسرائيلي. ثم، ماذا تعني هذه الصيغة على أرض الواقع؟ إنّ الثلاثي المرح هذا سيهرع إلى ميدان المعركة حالما تعتدي إسرائيل على لبنان؟ متى حدث ذلك كي نسترشد بالتجارب التاريخيّة أو المعاصرة؟ إن المقاومة هي فعل إرادة لشعب رازح تحت الاحتلال والعدوان من جيش إرهابي لم يتوقّف لبرهة عن الإرهاب الإقليمي (والعالمي لو حسبنا عمليّات اغتيال وتفجير قام بها حول العالم).
لكن في المقابل، عندما يعترض فريق 14 آذار برمّته على صيغة «الشعب والجيش والمقاومة»، وهذا فريق شعار «إسرائيل عدو، ولكن»، فإنه يفصح الكثير عن مكنونات لا يجاهر بها. هو يقول بصريح العبارة إن مقاومة العدوّ لا تحظى ولا تستحق الإجماع أو التأييد، وإن عليها أن تكفّ يدها عن إزعاج المُحتلّ والمُعتدي الإسرائيلي. أكثر من ذلك، إن فريق 14 آذار في الحكومة يعترض حتى على عبارة حق المقاومة في ردّ العدوان. إن صراحة فريق الحريري باتت غير مسبوقة، إذ إنه يُطمئِن العدوّ الإسرائيلي إلى أنه يؤيّد عدوانه واحتلاله مهما كان، وأن العدوّ لا يستحق الردّ أو المعاقبة (حتّى الديبلوماسيّة) إذا ما قرّر الاعتداء على لبنان، أو احتلال بعض من أراضيه.
لن تتبنّى هذه الحكومة المُؤتمرة من الرياض عقيدة مقاومة العدوّ الإسرائيلي، وقد تستنبط صيغة لفظيّة مائعة لتغطّي على تحالف أكثر من نصفها مع التحالف السعودي ــ الإسرائيلي. لكن الحكومة ستبصق كلاماً عن محاربة الإرهاب، وخطاب محاربة الإرهاب صار مُعتمداً من قبل حزب الله نفسه، مع أن هذا الخطاب ابتُدع في الغرب الصهيوني ضدّه هو في الثمانينيات. والظن أنّ الغرب أو غيره سيقبل أو سيصدّق بجدارة أو أهليّة حزب الله في محاربة الإرهاب هو أضغاث أحلام.
لكن العدوّ الإسرائيلي اعتدى على لبنان هذا الأسبوع. كيف سيردّ ميشال سليمان في عقيدته الدفاعيّة التي يريدها بديلاً من عقيدة وممارسة المقاومة الفعّالة؟ هل سيهتف بحياة الملك السعودي لردّ العدوان؟ أم أن الحكومة ستطلع بصيغة أن الجيش والشعب والمقاومة تنأى بنفسها عن الردّ؟
* كاتب عربي (موقعه على الإنترنت:
angryarab.blogspot.com)