على سبيل المثال، كذبتا «حكّام» عرب وأعراب في باقة واحدة. سورية تعيد تأكيد منع نظام الجنرال السيسي، الذي صار يعرف بين المصريين بـ «الشاويش عطية»، مرور الناقلات الإيرانية التي تحمل النفط لسورية عبر قناة السويس، بعدما نفى الجانب المصري ذلك من قبل وفضح كذب «حكام» قطر الذين نفوا دعمهم للإخوان المسلمين بعدما تبين أن المشيخة تحوّل ألف دولار يومياً لمحمد رمضان حفيد حسن البنّا.وهناك أمر طريف حقاً، مع أنه ليس بجديد علينا، صورة تاريخية لأعراب الخليج وهم يحملون الضباط الإنكليز على ظهورهم. الأمر لم يتغيّر اليوم، فأعراب الخليج مازالو أتباعاً للسيد الأبيض المستعمِر. لذلك نجد أنهم يعاملون مواطنيهم كما يُعاملهم «السيد» في لندن وواشنطن وتل أبيب.
طبعاً هناك أمور أخرى يمكن الالتفات إليها ومنها تذكير من وجب تذكيرهم بعرف اجتماعي/سياسي هو أن الهدية لا تُرَد ولا تباع، ولا تهدى في المقام الأول، خاصة إذا كانت من رئيس دولة إلى رئيس دولة! المستشار مرتضى منصور شخصية «مشوقة»، في ظني، لكن الأمر الأكثر تشويقاً لنا هو معرفة محتوى «السيدياهية» (كما يسمي المصريون السي دي/ القرص المرن) التي هدد بها حاكم مصر الجنرال السيسي علانية، والأخير لم يتجرأ، بل إن الدولة المصرية نفسها لم تتجرأ على التحرك لمعرفة محتواه، على الأقل من باب حفظ أمن الدولة المصرية!
ومن المثير أيضاً، وربما من المثير للشفقة في المقام الأول، الاستماع للشتائم المتبادلة بين مشيخات الخليج. هل لاحظتم أن عداوة المشايخ في تلك المحميات البريطانية موجهة فقط نحو العرب والمسلمين، وفي بعض الأحيان «يتسلون» بمناكفة بعضهم بعضاً. هل علم أي منكم بعداوة كنّها مندوبو «مكتب الهند» في الخليج لأعداء أمتنا العربية! مستحيل، فـ«مطبخ» عداواتهم ومؤامراتهم مقره لندن وواشنطن وتل أبيب، ولذلك فإن كل ما يخرج منه سموم لشعوب أمتنا.
ما من إقليم أو دولة دخلها الإسلام السياسي إلا واستحالت خراباً


وثمة أمر آخر وجبت ملاحظته وهو أنه ما من إقليم أو دولة دخلها الإسلام السياسي إلا واستحالت خراباً، انظروا إلى الجزائر وليبيا وتونس ومصر واليمن والسودان والعراق وسورية ونيجيريا ومالي وتشاد وبنغلاديش، ويمكن إضافة تركيا إلى القائمة، وغيرها.
ومن المفيد أيضاً الالتفات إلى تقليد تلتزم به المؤسسات الجدية، أو التي تدّعي ذلك وهو ترك أهل الاختصاص يتحدثون في المواضيع التخصصية أياً كانت، سواء كانت في العلوم الطبيعية أو العلوم الإنسانية. فعندما تقرر مؤسسة إعلامية تحترم نفسها وجمهورها الحديث في موضوع محدد، في الذرة أو الطب على سبيل المثال، تتصل بالجهات المختصة وتطلب إليها ترشيح عدد من المتحدثين لتختار منهم. وعندما يتعلق الأمر بموضوع تاريخي، على سبيل المثال، تتصل بالمؤسسات العلمية ذات الصلة وتطلب منها ترشيح عدد من الأسماء للحديث في موضوع معين. هكذا تتصرف المؤسسات الجدية، ولا تترك أمر اختيار المتحدث لمذيع أو لمدير لا علاقة لأي منهما بالمادة المنوي الحديث فيها، ولا يفقهان فيها سوى أنهما معجبان بكلام «بحر العلوم» وبمواقفه السياسية وربما بطلعته البهية. لكن في بلادنا، كثير من المنابر الإعلامية مفتوحة على مصاريعها لكل جاهل ومدّع وكذاب.
والمعايير الجدية تنطبق أيضاً على كيفية اختيار المتحدثين في السياسة. فمن الطبيعي أن يكون ثمة معيار محدد للمتحدثين في المواضيع السياسية وغيرها طبعاً، ومنها، بعد المقدرة، حسن الهندام والمظهر والصوت الهادئ وغير ذلك. لكن في بلادنا ترى أن قنوات إخبارية مرئية أو مسموعة مفتوحة لأشخاص لا علاقة لهم بما سبق من معايير عالمية، يبدو أنه صدر حكم علينا مشاهدتهم وسماعهم مدى الحياة. المشكلة تكمن في أن تحليلات أولئك الأشخاص، الذين يمكنك أن تعرفهم عبر ادعاءاتهم معرفة أسرار اجتماعات دولية أو إقليمية حتى قبل انفضاضها، وهم على بعد آلاف الأميال من المجتمعين أو عبر تأكيد أنهم لا ينطقون إلا بمعلومات... قليل من التواضع لا يضر.
لقد تابعت لفترة تحليلات من هذه النوعية الرديئة التي تدفع المشاهد أو المستمع إلى النفور من قضايانا الوطنية والقومية، فتبيّن لي ظهورهم المستمر في القنوات والمنابر إياها، رغم ثبات خطأ ادعاءاتهم وتحليلاتهم ومعلوماتهم لألف مرة. ثم تحتجون على انفضاض المشاهدين والقراء والمستمعين!
لذلك أكمل عنوان المقال بالقول: . . . سوى أنه لم يعد أي أمر يفاجئني.