رومان كاييه*في 3 كانون الثاني ٢٠١٤، قامت مجموعتان من الجيش الحر، دُعمتا لاحقاً بتحالف من المتمردين «المعتدلين» وسلفيي الجبهة الإسلامية، بتنفيذ هجوم على الدولة الإسلامية في العراق والشام.
باء هذا الهجوم بالفشل، رغم التفوق العددي للمهاجمين. بدت الدولة الإسلامية بعد أكثر من شهر قادرة على المحافظة على عدد من مواقعها.
رغم التبعية المعلنة لجبهة النصرة لتنظيم القاعدة، فإنّ مختلف مكوّنات حركة التمرد العلمانية منها كما القومية _ الإسلامية أو حتى السلفية ركّزت انتقاداتها على الدولة الإسلامية في العراق والشام [1].

تتلخص هذه الاحتجاجات في ثلاث نقاط أساسية:
ــ الدولة الإسلامية في العراق والشام تقاتل الثوار حتى الساعة.
ــ الدولة الإسلامية في العراق والشام لا تواجه النظام السوري. 
ــ النظام السوري يتجنب مواقع الدولة الإسلامية.
يجدر أن نفرّق بين معارك الجنود على الحواجز، والتي يمكن أن تتطور إلى الأسوأ، وبين تصفية الألوية «العلمانية» الموالية للغرب، وهي الاستراتيجية التي أصبح من الواضح أن الدولة الإسلامية في العراق والشام تتبناها.
وفي هذا السياق، قاتلت الدولة الإسلامية لواء «عاصفة الشمال» المنتمي الى الجيش السوري الحر والمتمركز في مدينة «أعزاز» في الشمال الغربي من حلب، وطردته من المدينة منذ مطلع شهر تشرين الأول ٢٠١٣ [2].
بالمقابل، ولغاية إطلاق الهجوم على الدولة الإسلامية في العراق والشام، أول كانون الثاني، لم يكن بادياً أنّ هناك إرادة باستهداف قادة التنظيمات المتمردة الأخرى، على العكس كشف عديد الروايات أن العلاقات بين مختلف الفصائل كانت طيبة [3].
أغلب عمليات جبهة النصرة، قبل الإعلان عن قيام الدولة الإسلامية في نيسان ٢٠١٣، كانت موجهة من قبل قادة دولة العراق الإسلامية والذين التحقوا في ما بعد بجناحها في الشام. وبذلك يكون الدفاع عن الأحياء المتمردة في حلب، «تحرير» مطار تفتناز العسكري قرب إدلب ومدينة الرقة يحسب في قسم كبير منه لصالح الدولة الإسلامية في العراق والشام.
كذلك قام أغلب المقاتلين الأجانب في كتيبة المهاجرين الذين احتلوا اللواء ١١١ في محافظة حلب بإعلان بيعتهم للدولة الإسلامية في العراق والشام.
ويمكن إحصاء سيطرة جنود الدولة الإسلامية في العراق والشام على مطار مينغ العسكري قرب أعزاز في آب ٢٠١٣ وعلى اللواء ٦٦ في محافظة حماه في أيلول من العام ذاته، بالإضافة إلى قتال الدولة الإسلامية لقوات النظام في مقاطعة حلب، على جبهات شيخ سعيد، نبل والزهراء، كويرس، عين عرب، نقارين الحرارية، خان طومان، معارة الأرتيق، وعفرين وفي محافظة دير الزور حول اللواء ١٣٧ ومخازن الأسلحة في مقاطعة عياش.

تلاقي مصالح كل من النظام و«الدولة»

تبيّن مراجعة بسيطة لبرقيات وكالات الأخبار لشهر كانون الثاني ٢٠١٤ أنّ سلاح الجو قصف عديد المقار التابعة للفصيل «الجهادي»، ما تسبب بمقتل عشرات المقاتلين في ١٩ كانون الثاني في الرقة [4] ومقتل قيادي سعودي مطلوب لدى الأنتربول في ٢٤ كانون الثاني في مدينة الباب شمالي حلب. بالرغم من ذلك، فإن هناك تلاقياً حقيقياً للمصالح بين النظام وهذا التنظيم، حيث تعطي سيطرة الدولة الإسلامية على العديد من «المناطق المحررة» ورؤيتها حول التطبيق الصارم للشريعة، بالإضافة إلى استقرار آلاف الجهاديين القادمين من العالم أجمع (مع عائلاتهم أحياناً) حجة ذات وزن للنظام في مفاوضاته مع الغربيين الذين يخشون هذه الظاهرة. وبذلك لا يكون استئصال الجهاديين أولوية استراتيجية لدى النظام.
أما بالنسبة إلى أبي بكر البغدادي، أمير الدولة الإسلامية في العراق والشام، والذي تتمثل أولوياته في تأمين استمرارية «دولته» المؤقتة التي هي في طور البناء، فإنه واع تمام الوعي بأن انهيار نظام دمشق سيقود إلى تكوين حلف ضده بصفة فورية يضم أغلب المتمردين السنّة وبقايا النظام العلوي، وحتى تدخل الطائرات من دون طيار الأميركية.
هذا السيناريو يستند في جزء منه إلى تاريخ دولة العراق الإسلامية، التي حاربت منذ مطلع ٢٠٠٧ كلّاً من الجيش الأميركي والقوات الحكومية العراقية والميليشيات السنية المعروفة باسم «الصحوات».  

نموذج «الصحوات» العراقي 

سبّب إعلان قيام دولة العراق الإسلامية والبيعة السياسية التي أرادت أن تفرضها هذه الأخيرة على مقاتلي الاحتلال الأميركي رفضاً «للدولة»، حتى داخل الإسلاميين أنفسهم. وكنتيجة لذلك ظهرت «الصحوات» التي طورها ودعمها الأميركيون بقوة عام ٢٠٠٧.
بالرغم من أنّ عديد الثوار السوريين يرفضون أن يتم نعتهم بالصحوات الجديدة، فإن الشبه كبير بين الوضع السوري والعراقي.
العناصر التي أدت إلى ظهور الصحوات في العراق موجودة في سوريا: مقاومة قوية من «الثوار السوريين» للسياسة المتسلطة للدولة الإسلامية في العراق والشام؛ وجود لاعبين خارجيين يوفرون مصادر تمويل وترسانة لكل من يقاتل الدولة الإسلامية. في سوريا، كانت المملكة العربية السعودية وتركيا المساهمتين بصفة مباشرة في نشوء هذه الصحوات، حيث تقوم الرياض بتمويل وتأطير الجبهة الإسلامية، بينما تدعم تركيا على وجه الخصوص جبهة ثوار سوريا التابعة لجمال معروف.
وفي ٢٢ كانون الثاني الماضي، وخلال مؤتمر «جنيف ٢» في مونترو، أكد رئيس «الائتلاف» أحمد الجربا أنّ الجيش الحر، وبالتنسيق مع بلدان صديقة عدة، قام بملاحقة إرهابيي الدولة الإسلامية في العراق والشام في محافظات: إدلب، حلب وحماه.
هذه الحرب تجد شرعيتها لدى الرأي العام السوري بسبب مقتل القائد في الجبهة الإسلامية أبي ريان، وذلك على يد عضو في الدولة الإسلامية أراد الانتقام لسقوط عديد المقاتلين الذين تمت تصفيتهم من قبل كتيبة أبي ريان في مسكنة [5]. ورغم ذلك، فإنّ تصريحات الجربا عن الانتصار في هذه الحملة على الدولة الإسلامية تبيّن أنها لا تعدو أن تكون إلا فشلاً.

 انتصارات «الدولة»: انسجام أيديولوجي وتحالفات مع القبائل

بعد إعلان بدء هجوم «الثوار» مطلع كانون الثاني، قامت الدولة الإسلامية بهجوم معاكس ناجح، رغم التفوق العددي للمهاجمين ورغم دعم قوى المنطقة لهم. علاوة على ميزات مقاتليها وكفاءة قادتها العسكريين [6]، فإن الانسجام الأيديولوجي الداخلي للدولة الإسلامية يفسّر قدرتها على المقاومة. إذ تمثل الدولة الإسلامية فعلياً إلى جانب حزب الله القوة العسكرية الوحيدة الموجودة في سوريا، والتي رغم الاختلافات الثقافية واللغوية بين مقاتليها فإنهم ينتسبون إلى أيديولوجية واحدة وإلى البرنامج السياسي نفسه. هذه الوحدة تؤمن تنظيماً وانضباطاً على الأرض حاسمين عند المواجهة مع الجيش السوري الحر الذي يضم عسكريين منشقين وعصابات مافيوية وحتى عند مواجهة كتائب الجبهة الإسلامية التي يتقاسمها الإسلاميون المعتدلون والسلفيون [7]، حتى جبهة النصرة نفسها، لا تتمتع بهكذا تجانس أيديولوجي. 
إن تغلغل التنظيم الجهادي في القبائل السورية يفسّر أيضاً قدرته على المقاومة، ولا سيما في معاقله في الرقة وجرابلس: 
ــ في الرقة، بعض العشائر الطامحة إلى الاستقرار والمقتنعة باستحالة عودة نظام بشار الأسد لجأت إلى الدولة الإسلامية. وهذا أحياناً دون أي اعتبار أيديولوجي. حيث قامت عشيرة العفادلة، والتي كانت تتبع النظام، ببيعة الدولة الإسلامية في العراق والشام، بينما اختارت عشائر أخرى وضع أبنائها في كل الفصائل؛ من ضمنهم الدولة الإسلامية من أجل المحافظة على مصالحها. وعندما بدأ القتال في الرقة بين الدولة الإسلامية ومناهضيها، سحبت العشائر أبناءها من كلا الفريقين لتجنب الاقتتال في ما بينهم، وهو ما أجبر أعداء الدولة الإسلامية على الاستعانة بمقاتلين سلفيين من الجبهة الإسلامية من إدلب وحلب لدعم لواء ثوار الرقة المتحالف مع جبهة النصرة، التي لم تشارك بشكل مباشر في القتال ضد الدولة الإسلامية، رغم إعلان تصفية أميرها المحلي أبو سعد الحضرمي [8]. وقد استبق خسارة مواقع الجبهة الإسلامية انتصار الدولة الإسلامية في العراق والشام منذ التاسع من كانون الثاني والذي أصبح نهائياً بعد الرابع عشر من كانون الثاني بعد سقوط الرميلة آخر منطقة يسيطر عليها لواء ثوار الرقة. 
ـــ في جرابلس، المدينة الواقعة الى الشمال الشرقي من حلب، استلزم الأمر أكثر من ١٠ أيام للقتال حتى تسترجع الدولة الإسلامية في العراق والشام نفوذها الكامل على معقلها، معتمدة في ذلك على عداوات قديمة بين عشيرتي المدينة: الجيس والطيء. حيث كانت عشيرة الجيس _ المرتبطة قديماً بالنظام، ثم من بعده مع الجيش الحر والمعروف عنها بأنها قليلة الالتزام الديني _ تهيمن على عشيرة الطيء المشاع عنها بكونها محافظة والتي التحق أغلب أبنائها بجبهة النصرة، ثم بالدولة الإسلامية في العراق والشام [9]. وفي تموز ٢٠١٢، عندما غادرت قوات دمشق جرابلس، أضحت كل من العشيرتين تتمتع بمشروعية ثورية حيث تعتمد عشيرة الجيس على عائلة يوسف جادر الضابط المنشق، والذي التحق بالجيش السوري الحر، قبل أن يموت كـ«بطل» في معركة الأكاديمية العسكرية في حلب، بينما كان للشيخ أحمد مصطفى المنتمي إلى عشيرة الطيء، وأحد أكثر الأئمة شعبية في جرابلس، ٣ إخوة سقطوا «شهداء».  
لم يبايع الشيخ أحمد مصطفى رسمياً الدولة الإسلامية، إلا أن العديد من أبناء عائلته ومن بينهم أخوان له التحقا بالتنظيم مدعمين بذلك أحقية الطيء بتسيير مدينة جرابلس. انتهى الأمر باندلاع القتال بين العشيرتين بعد مقتل مجاهد أجنبي من قبل رجل من عائلة جادر من عشيرة الجيس. وقام أبناء عشيرة الطيء الموالون للدولة الإسلامية بطرد أعدائهم من جرابلس، وانتهى الأمر بهم إلى السيطرة على المدينة بالكامل في نهاية صيف ٢٠١٣.
وعلى ضوء هذه الأحداث، يجب مقاربة معارك كانون الثاني ٢٠١٤، التي كانت بين مقاتلي الدولة الإسلامية، التي تجمع كلاً من المتطوعين الأجانب وأبناء عشيرة الطيء من جهة، وبين عائلة الجادر الراغبة في الانتقام والمدعومة بجزء من عشيرة الجيس، بالإضافة إلى الأكراد من جهة ثانية. 
وبعدما فوجئوا بهجوم 5 يناير/ كانون الثاني الذي ترسخ في مركز جرابلس الثقافي، تمكّن مقاتلو الدولة الإسلامية من كسر الحصار الذي فرضه الثوار بفضل وصول التعزيزات من حلب واسترجع المقاتلون السيطرة على المدينة بالكامل.
وفي جرابلس، كما الرقة وعلى الأرجح في مدن أخرى، أضحى السكان الراغبون في عودة الاستقرار والنظام إلى مدنهم يتكيّفون بطريقة أو بأخرى مع وجود مقاتلي الدولة الإسلامية في العراق والشام. 
«في البداية، كان أبواي ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام، لكن اليوم هما يحبذان مواقفها المتسلطة على الفوضى التي تهيمن على المناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر، صحيح أنه مع الجيش الحر كنا أحراراً في فعل ما نريد، لكن المدينة لم تكن مؤمنة ويمكن أن نختطف من العصابات بين عشية وضحاها» [10])
كما حصلت الدولة الإسلامية في العراق والشام أخيراً على بيعة عشيرة الحديدين الموجودة في شرق حلب وفي البادية (صحراء سوريا) وعشيرة بوعز الدين ذات الصلة بقبيلة العقيدات.
في محافظة دير الزور، ليس بعيداً عن الحدود العراقية، مكّنت السيطرة على هذه المحافظة الدولة الإسلامية من تأمين استمرارية ترابية تمتد من الفلوجة حتى ريف شمال حلب. 
تجدر الإشارة إلى أنّ من المرجح أن يكون لتلك الولاءات القبلية أبعاد نفعية مادية، حيث تسبب استيلاء الدولة الإسلامية على حقل الغاز الطبيعي كونيكو في محافظة دير الزور بغضب قادة جبهة النصرة واندلاع المعارك بين الدولة الإسلامية وجبهة النصرة بصفة مباشرة لأول مرة. 
بعد أكثر من شهر على بدء الهجوم ضدها، بدت الدولة الإسلامية قادرة على المحافظة على مواقعها في الرقة، في وادي الفرات وربما كامل شمال محافظة حلب في حال تمكن الجهاديين من كسر حصار أعزاز. وقد دحضت القيادة العامة لتنظيم القاعدة في بيان نشر في ٣ شباط ٢٠١٤ كل علاقة لتنظيمه مع الدولة الإسلامية، مؤكداً أن جبهة النصرة هي الذراع الوحيدة للقاعدة في كل من سوريا ولبنان حيث قامت بعديد العمليات.

المراجع:

[1]  على عكس الفكرة السائدة، فإن الدولة الإسلامية في العراق والشام والقاعدة هما تنظيمان مختلفان لديهما استراتيجيات مستقلة وأجندات متباينة 
اقرأ رومان كاييه»:
http://islamonline.net/armed/5000
[2] الأسباب الرئيسية للصراع بين الدولة الإسلامية في العراق والشام ولواء عاصفة الشمال تم شرحها في رومان كاييه
http://www.islamion.com/kotap.php?post=11129   
[3] الاطلاع على مقابلة العقيد عبد الجبار العكيدي رئيس المجلس العسكري للجيش الحر في حلب والذي يكشف من خلالها عن علاقته الودية بالدولة الإسلامية في العراق والشام 
http://www.youtube.com/watch?v=reUUvuPwgGM
[4] برقية نشرت على موقع قناة الميادين اللبنانية على موقع التواصل الاجتماعي  تويتر
https://twitter.com/Almayadeennews/status/424920330483023872
[5] نشر مسؤول في الدولة الإسلامية في العراق و الشام نصاً طويلاً بخصوص حالة أبي ريان، إضافة إلى مسؤوليته في تصفية العديد من محاربي الدولة الإسلامية في العراق و الشام، اتهم القائد السلفي بأنه عميل للمخابرات التركية عندما كان يعمل في القرية الحدودية تل الأبيض في شمال الرقة.
http://sadaalsham.net/?p=16242
[6] عمر الشيشاني واسمه الحقيقي طرخان باتيرشفيلي كان رقيباً في الجيش الجورجي وشارك في الحرب الروسية الجورجية في أوسيتيا الجنوبية سنة 2008
[7] تعدّ حركة أحرار الشام الإسلامية، الفرع السلفي للجبهة الإسلامية، تياراً جهادياً أقلوياً ولكنه مؤثر يقوده أبو خالد السوري العضو السابق في تنظيم القاعدة والقريب من  أيمن الظواهري. اطلع على: «Syrian rebel leader was bin Laden’s courier, now Zawahiri’s representative ».
[8] راجع بيان فرقة الدولة الإسلامية في العراق والشام في الرقة الذي يعلن تصفيات أبي سعد الحضرمي لردّته، من دون أن يقدم تفاصيل أو مشاريع هذا الأخير للانقلاب على الدولة الإسلامية في الرقة.
[9] مقابلة أجريت في بيروت مع مهندس أصله من جرابلس ويقطن حالياً في لبنان، وقد غادر مسقط رأسه منذ شهر كانون الأول ٢٠١٣، بعد بضعة أسابيع من بداية المعارك.
[10] المصدر نفسه

* باحث فرنسي في شؤون الجماعات الإسلامية
(نشرت المادة بالتوافق مع الكاتب / المقال باللغة الفرنسية في جريدة Orient XXI)