نذكر جيداً، أن قوات المستعمرين الإسرائيليين صبّت في حرب تموز 2006، جام غضبها على ضاحية بيروت الجنوبية، قصفاً جوياً ومدفعياً من البوارج البحرية، بقصد ترويع الناس وتهديم العمران. برغم أن هذه الضاحية هي في الأصل محلة سكنية، بل مكتظة بالسكان، وأن المقاومة لم تتعامل مع العدوان الإسرائيلي مباشرة، انطلاقا منها.
وبينما كانت الضاحية تتعرض للقصف، كان الرئيس فؤاد السنيورة يقوم بالدور نفسه الذي يؤديه اليوم بالتلازم مع تواتر السيارات الملغمة. أي إنّه ألصق في تموز 2006 المسؤولية عن القتل والتهجير والتدمير، في الضاحية وفي قرى وبلدات جنوب لبنان، بحزب الله. في ذلك الوقت لم يستقو السيد فؤاد السنيورة، بالرئيس المصري وبآل سعود، إضافة إلى بعض حكّام دول الخليج فحسب، بل بالسيدة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية أيضاً، التي جاءت أثناء العدوان الإسرائيلي إلى بيروت لتضبط إيقاع خطوات حكومته بنفسها.
لا أعتقد ان أبناء الجنوب والضاحية يمكنهم أن ينسوا، مشهد أقطاب جماعة 14 آذار/ مارس ضيوفاً على الطعام إلى مائدة الوزيرة الأميركية في سفارة بلادها في بيروت، في الوقت الذي كانت فيه القنابل تنهمر عليهم مثل زخات المطر!
لا شك في أنّ السيد فؤاد السنيورة والجماعة التي تسلك نهجه، يعتقدان أنّ لهما من الحقوق والامتيازات في لبنان، ما ليس لغيرهما. أو بكلام أكثر صراحة ووضوحاً، يتضح من فحوى خطابه أنه يتصرف كما لو كان صاحب البيت، أنه الملك والقاضي فيه، أما البقية الباقية، فأهل ذمة. أي إننا حيال نزعة إلى الفوقية والاستعلاء. عبثاً نطلب السلام حيث لا يكون الناس متساوين!
يتهم الرئيس فؤاد السنيورة حزب الله ويصدر الأحكام ضده فور سماعه أو علمه بوقوع حادثة لا تروقه، صغيرة كانت أو كبيرة. ما حدا به بعد حرب «الرصاص المصبوب» ضد قطاع غزة، إلى الانتفاض والانتفاخ على حزب الله، متهماً اياه «بالتطاول» على هيبة مصر، التي كان يتسلط عليها آنذاك الرئيس حسني مبارك.
فتوالت بالمناسبة وفود من جماعة 14 آذار إلى مصر للإعراب أمام مبارك عن استنكارها لضلوع عناصر من حزب الله في إدخال السلاح إلى قطاع غزة. كان ذلك بنظر الجماعة المذكورة تهديداً لأمن مصر.
تجدر الإشارة هنا إلى أنّه ليس مستبعداً أن نظام الحكم المصري كان متواطئاً مع المستعمرين الإسرائيليين، إذ يعدّ المؤتمر الصحافي الذي دعا اليه وزير الخارجية المصري آنذاك أحمد أبو الغيط برفقة وزيرة المستعمرين الإسرائيليين تسيبني ليفني عشية العدوان على قطاع غزة، إلى جانب مؤتمر حوار الأديان الذي أعدّ له آل سعود وظهر أثناءه شيخ الأزهر والإسرائيلي شيمون بيريز، جزار قانا، يداً بيد، من العلامات الفارقة للفترة التي سبقت مبادرة التحالف الثلاثي: الإخوان المسلمين ـ مشيخات النفط ـ الولايات المتحدة الأميركية، الى ضرب بعض الدول العربية تحت راية الثورة والحرية والديمقراطية، وتطبيق الشريعة!
من البديهي في هذا السياق أن الكثيرين في لبنان، وهم موزعون على كافة الأفرقاء، لا يريدون الاعتراف بأنّ مردّ المأزق الذي وصلوا إليه جميعاً، على الأقلّ في جزء كبير منه، إلى الإشكال الذي تمثل ليس فقط في نهوض مقاومة قادها حزب الله ضد احتلال المستعمرين الإسرائيليين في 1982، لكن في الاستقبال الذي لقيه الغزاة الإسرائيليون من جانب السلطة في لبنان أيضاً.
أكتفي من هذا الاستطراد بالتذكير بأنّ هذه الأخيرة أخلت مواقعها العسكرية والإدارية، أمام تقدم جحافل المستعمرين، الذين لم يمنع انتشارهم في بيروت انعقاد مجلس النواب في 23 آب/ أغسطس 1982 وانتخاب بشير الجميل رئيساً للجهمهورية، إضافة إلى هذا كله وقّعت الحكومة اللبنانية، قبل أن تتراجع، في 17 أيار 1983 اتفاقية صلح وتعاون مع المستعمرين الإسرائيليين!
مجمل القول إنّ السيد السنيورة منكِر لجميل المقاومة التي تصدت للمحتلين الإسرائيليين، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، فهو لا يؤاخذ السلطة التي عجزت وقصرت ليس فقط في الدفاع عن البلاد، بل التي أخفقت أو أحجمت عن تحشيد اللبنانيين أيضاً، بما هم مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، من أجل إخراج المستعمرين من أرضهم.
من المرجح أنّه رغم هذا كله لم يكتمل بعد مشروع الرئيس السنيورة، فليس مستبعداً أنّه يريد فوق ذلك ربط لبنان بآل سعود وإلحاقة بمنطقة نفوذهم وسياستهم. وما يزيد الطين بلة أنّ المقاومة لم تعلن صراحة مطالبتها بمحاكمة أعوان المستعمرين الإسرائيليين، الذين تقاعسوا عن مواجهتهم حتى لا تتكرر كارثة الغزو والاحتلال مرة ثانية، بل على العكس تمدّ يدها لهم في بعض الأحيان. وهذا يدعو إلى الأسف.
في هذا السياق، نستحضر ذكرى الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين، الذي كان يرى أن هناك فرقاً بين إسلام الفقراء من جهة، وإسلام الأغنياء من جهة ثانية، إشارة إلى ما يمثله آل سعود في مضمار الفقه وتحريف النصوص الدينية تطويعاً للدين لملاءمة شراكتهم مع الاستعمار في تقاسم الثروات الوطنية.
يجدر التذكير أيضاً، بأنّ آل سعود أنشأوا سنة 1965، الحلف الإسلامي الذي ضمّ إضافة إليهم، شاه إيران (الشيعي) وملك الأردن حسين (الهاشمي، حفيد خصمهم ملك الحجاز سابقا الشريف حسين)، أي إنهم لم يترددوا في عقد حلف مع «الشيعي» و«الهاشمي» لمحاربة جمال عبد الناصر. ما حمل هذا الأخير على أن ينعت هذا الحلف بأنه ضد حركات التحرر العربية، لكون الغاية الحقيقية من انشائه هي «إبقاء الدول العربية تحت نفوذ الامبريالية».
استناداً إليه، فإنّ الخطورة التي تبطنها سياسة الرئيس السنيورة وجماعة 14 آذار، بإلحاق لبنان بمملكة آل سعود، تتمثل في أن هؤلاء حرفوا النص الديني كما لمحنا إليه أعلاه، بحيث أخرجوا مفهوماً مشوّهاً عن هذا الدين، بل أكاد أن أقول منفراً.
فأنا على يقين من أن المسلمين أينما كانوا سوف يرفضون في غالبيتهم العظمى، محاولات إكراههم على الالتزام بدينهم على طريقة آل سعود، كما أنهم لن يقبلوا بالقطع، سياسة الأخيرين التي تقضي بمكافحة «الجاهلية» وتطهير البلاد من «الكافرين والمشركين».
بمعنى آخر، فإن إدخال آل سعود و«إخوانهم» إلى أي من بلدان المعمورة هو في جوهره مشروع حرب أهلية لإسقاط الدولة وتفريق شمل سكانها.
* كاتبة لبنانية