«إلى الأتراك: سوف نأتي من أجل القسطنطينية، سوف ندمّر كل مسجدٍ ومئذنةٍ في المدينة. سوف تتحرّر كنيسة القديسة صوفيا من المآذن وستعود القسطنطينية ملكيّةً مسيحيّةً من جديد»«سيتمّ نسياني بسرعة. هذا لا يزعجني. أنا، في نهاية الأمر، إنسانٌ تهمّه الخصوصية، وانطوائي عموماً. ولكنّ الهزات الارتدادية التي ستولّدها أفعالي سوف تفعل فعلها لسنواتٍ قادمة، وتوجّه الخطاب السياسي والاجتماعي، وتخلق مناخ الخوف والتغيير اللازم»
«عليك أن تتوقّع الموت، أن تتوقّع النضال، أن تتوقّع خسارةً لن تنساها أبداً. لا تتوقّع أن تنجو، الشيء الوحيد الذي يجب أن تتوقّعه هو حربٌ حقيقية، وأن تموت ميتة جنديّ حقيقيّ».
من «مانيفستو» برنتون تارَنت


حين تقرأ «البيان» الذي كتبه القاتل الأوسترالي برنتون تارَنت، قبيل ارتكاب جريمته (وقد أرسله قبل دقائق من بدء المَقتلة الى رئيسة وزراء نيوزيلندا ومسؤولين حكوميين ووسائل إعلامية)، فإنّ الأمر الأكثر دلالة هو ليس الحجج التي يقدّمها القاتل في حدّ ذاتها، أو محاولة تحليل دوافعه وشخصيته وما حوّله الى عنصريّ عنيف. الأكثر أهمية في النصّ هو أنّه «يعكس» ثقافة القاتل: ما هي مصادرها؟ أين اكتسبها؟ كيف بنى آراءه السياسية، وبرفقة من؟ وهنا، تحديداً، الجانب المقلق فعلاً في جريمة برنتون تارَنت.
ما تكتشفه هو أنّ تارَنت لا يشبه نموذج المتطرّف العنيف الذي يفاجئ العالم بإجرامه. هو ليس متطرّفاً معزولاً «معادياً للمجتمع»، بنى ثقافته وحيداً في غرفته وتبنّى آراء الهامشيين ونظريات المؤامرة، حتّى أصبح مهووساً يرى في العالم ما لا نراه. المشكلة هي أنّ تارَنت ينتمي، في الحقيقة، الى «تيّار عريض» وليس الى جماعة هامشيّة. كلّ فكرة في بيانه منتشرةٌ بين جماهير اليمين. هو يعدّد، إضافةً الى رموز العنصريين البيض مثل اندرس بريفيك، مثقّفين وإعلاميين بالغي الانتشار في صفوف اليمين أثّروا به. حتى لغة تارَنت و«الرموز» و«النكات» التي استخدمها في بيانه العنصري تحيل الى ثقافة منتديات الإنترنت اليمينية الواسعة الانتشار (والمجرم قد أوقع بعض النجوم في حرجٍ، قد يكون مقصوداً من جانبه، كإرساله تحيّة الى «بيو دي باي»، وهو شخصية على يوتيوب يتابعها عشرات الملايين ويركّز على نقاش ألعاب الكمبيوتر، ويعتبر البعض أنه شعبيّ بين جمهور «اليمين الجديد»).
لغة «البيان» وأفكاره ركيكة، وهو مليء بالأخطاء النحويّة، ولكن هذا سيزيد من انتشاره وتأثيره في أوساط اليمين الغربي، إذ إنّه مكتوبٌ بأسلوب بسيط، شخصيّ، يشبه الى حدٍّ بعيد سلسلة «بوستات» من تلك التي يكتبونها ويقرأونها على الإنترنت. بهذا المعنى، لم يكن برنتون تارَنت واهماً أو كاذباً حين زعم في بيانه أنّه ينتمي الى جماعة تُقاسمه معتقداته الأساسية وفكرة «القومية الإثنية البيضاء» و"أنها «تعدّ بالملايين» (أتابع، منذ ما بعد 11 أيلول، تطوّر هذه الحركات ومواقعها على الإنترنت وأدبياتها، وذلك بدأ لأسبابٍ عمليّةٍ بحت: كنت أقطن في الغرب، ولم أكن أريد أن تفاجئني ــــ وأنا غافلٌ في أمان الله ــــ فرق موتٍ نازيّة تجوب الشوارع).

حرب الديموغرافيا
من البداية، عنوان «البيان» («الإحلال العظيم») يحيل الى نظريّة شهيرة في صفوف اليمين الأوروبّي، وهي لم تظلّ ــــ في بلدها الأصلي، فرنسا ــــ محصورةً في حلقات هامشية أو أكاديمية، بل تبنّاها ــــ بدرجاتٍ مختلفة ــــ مثقّفون شهيرون، مثل أريك زمّور، وأصبحت لازمةً في كلام اليمين عن المهاجرين في الإعلام وعلى المنتديات. هذه الفكرة وجدت حتى تجسيداً أدبيّاً، في رواية ويلبيك الشهيرة «خضوع» (كتبت عنها مراجعةً في الماضي)، ومنطق الرواية فعلياً يماثل الى منطق المجرم في بيانه: «الولادات، الولادات، الولادات». الفكرة هنا بسيطة، وهي أنّ منسوب الولادات لدى المهاجرين «غير البيض» هو أعلى منه لدى «البيض» في المجتمعات الغربيّة، والبيض الأوروبيون لا يتوالدون كفايةً لتعويض كتلتهم السكّانية، فهم إذاً سيتناقصون، فيما يتزايد المهاجرون (السمر والمسلمون) في وسطهم حتى يصيروا أقليّة وتنتهي «الحضارة الأوروبية».
أيّ باحثٍ في الديموغرافيا سيشرح لك أنّ الأمور لا تحدث هكذا، وأنّك لا يمكنك أن تمسك بأرقام الولادات الحالية وتفترض ثباتها لقرنٍ الى الأمام، وأنّ السعي الى «الثبات الديموغرافي» في أي مجتمعٍ، أصلاً، هو هدف واهم. لكنّ هذه الفرضيّة أصبحت «صيحة الحرب» عند اليمين العنصريّ، والمسألة عند تارَنت، والكثيرين غيره، هي واضحة وميكانيكيّة: المهاجرون وأبناؤهم (تحديداً المسلمون) هم «محتلّون» بمجرّد وجودهم البيولوجي واختلافهم العرقي، وهم «أعداء» لأنّهم يتوالدون، والحرب ضدّهم هي حربٌ من أجل البقاء، تستدعي كلّ الوسائل وأعنفها. كلّ مغربيٍّ تراه في فرنسا وكلّ تجمّعٍ للأتراك في ألمانيا ينظر إليه العنصري، من هنا، على أنّه تحقّقٌ للنبوءة، كلّ طفلٍ أسمر في الغرب هو دليلٌ على هذا «الغزو الديموغرافي»، وأيّ رمزٍ لثقافةٍ غريبة هو من علائم «الاحتلال» ــــ لحظة «التحوّل» الشخصية في حياة القاتل، بزعمه، كانت حين زار متجراً في بلدةٍ فرنسيّة، فوجد عدد المهاجرين فيه أكبر من عدد الفرنسيين البيض، ليفرّ من المكان ساخطاً، ثمّ ينهار بعد ذلك باكياً أمام مقبرةٍ للجنود الذين قضوا خلال الحرب العالمية، لأن «تضحياتهم» لم تمنع «الغزو الإسلامي» الذي تعرّضت له القارّة بعد الحرب.
حتّى هجوم تارَنت على النخب الرأسماليّة الغربيّة، كونها سهّلت تسرّب المهاجرين ليكونوا عمالة رخيصة في السوق، لا يبعد الّا خطوةً عن تنظيرات ستيف بانون وعقيدة «اليمين الجديد» الداعم لترامب في أميركا (الفارق هو أنّ تارَنت يدعو الى قتل الزعماء الغربيين «الخونة»، فيما بانون يريد الانقلاب عليهم وإزاحتهم عبر الانتخابات). أفكار تارَنت عن الإسلام والمسيحية و«القومية الإثنية»، وتعريفه لـ«الحضارة الأوروبية»، هي آراء عليها توافقٌ واسع في صفوف اليمين الغربي الصاعد، وليست «متطرّفة ومعزولة» (مثلاً، عدم التركيز على المسيحية بالمعنى الديني هو نقطةٌ تكتيكيّة تتشارك فيها أغلب حركات اليمين العنصري؛ فالعقيدة المسيحيّة تضمّ أكثريةٍ من «غير البيض»، كما أن الغربيين البيض مقسمون الى مذاهب وكنائس مختلفة، فالخطاب العام لدى «اليمين الجديد» يعتمد المسيحية كرمزٍ تاريخي و«قومي» للأوروبيين، ولكن من خارج إطار العقيدة الروحية). لا تختلف منطلقات المجرم الأوسترالي إذاً، في الكثير من جوانبها، عن منطلقات ستيف بانون أو مارين لوبان ــــ وجمهورهما الواسع ــــ الاختلاف هو أنّ تارَنت (وأمثاله) يؤمن باستحالة «الطريق الديموقراطي» حلّاً لـ«المسألة العرقيّة»، ويبني على هذه الخلاصة (يكتب القاتل في بيانه أنّ انتخاب ماكرون رئيساً لفرنسا كان الحدث الذي أقنعه بذلك).

تاريخ العنصرية وتاريخ «التسامح»
الأساس في تفسير أحداثٍ من هذا النوع هو أن دوافع الفاعلين، ورؤيتهم الى العالم، لا تهمّ إلا ضمن حدودٍ معيّنة (قد يكون القاتل استحال عنصرياً مجرماً بسبب حدثٍ ما أو مظلومية حقيقية أو متخيلة، أو بدافع أيديولوجي بحت، أو لأنه لا يحبّ مظهرنا، كلّ هذا لا يهمّ، ولا رابط بينه وبين أن تقتل الأبرياء وتدعو الى المذابح ــــ وهذا ينطبق في بلادنا كما في الغرب). لكلّ إنسان رؤية الى العالم وتبريرات ودوافع لما يفعله، وفي كلّ الثقافات جوانب استعلائية أو عنصرية، وفي كلّ مكان متعصّبون دينيون وأناس عنيفون. إن كنت لا تملك منهجية ما في النظر الى التاريخ، فإنّ من السهل أن يصبح العالم «مسطّحاً»: عندنا عنصرية وعندهم عنصرية، هنا إرهاب وهناك إرهاب، وطالما أنّ هناك مشتركات بين خطاب اليمين و«داعش» فهما إذاً الشيء نفسه. هذه الرؤية لا يمكن أن تقود إلا الى نظرةٍ عدميّة أو إلى مثاليّة تبسيطية، تعتبر أنّه يكفي أن نحارب «آفات» التعصّب والعنصرية (الخ)، وأن نزيلها من رؤوس الناس عبر «تنويرهم»، حتى يختفي العنف والإرهاب عن البسيطة. المقابلة بين «الشرق» و«الغرب» لها معنى مختلف في كلّ زمن، ومفهومٌ مثل «الحروب الصليبية» أو «صدام الحضارات» موجودٌ منذ ألف عام، ولكنّ سياقه ومفاعيله في القرن الحادي عشر تختلف تماماً عنها في عصر الإمبريالية.
مسألة المهاجرين، ووجود أعدادٍ كبيرةٍ من «أبناء الجنوب» في المتروبول الأوروبي، لم تولَد بالصدفة واقتفاء أثر ما جرى يبدأ من هنا. يجب أن نتذكّر دوماً أنّ المهاجرين في أوروبا لم يأتوا إليها لأنّ الأوروبيين سمحون ويحبّون تقاسم خيراتهم (كما يصوّر بعضنا الأمر). بعض المهاجرين وصلوا الى أوروبا بسبب علاقات تاريخية استعمارية (مثل الهنود وأبناء جزر الكاريبي في بريطانيا، أو الأفارقة في البرتغال والجزائريين في فرنسا)، والقسم الأكبر هاجر خلال «الانتقال العظيم» للعمالة إثر الحرب العالمية الثانية. هذه العملية مرّت بمراحل مختلفة، لكنها كلّها جرت تحت الضّغط والاضطرار والحاجة الى يدٍ عاملة ودماء شابّة. بعد الحرب مباشرةً، كان الخيار واضحاً أمام المخططين في أوروبا (هل تريد أن تجرى إعادة الإعمار في عشر سنواتٍ أو ثلاثين سنة؟ وبأي كلفة؟). وفي العقود الأخيرة، وجدت النخب الأوروبية نفسها أيضاً أمام معادلةٍ مشابهة: شعوبنا تشيخ، فإمّا أن نستورد عدداً معيناً من العمّال والشباب كلّ عام، أو يصبح أسلوب الحياة في أوروبا مستحيلاً (وتفلس صناديق الضمان، ويتوقّف النموّ، وتصبح العمالة في أوروبا نادرة وغالية وغير تنافسية، الخ). يجب أن نفهم إذاً أنّ هذا المجتمع «المتنوّع» كان نتاج هذا الشكل من الرأسمالية، في سياقٍ تاريخيّ محدّد. ومنظومة «التعددية الثقافية» وأيديولوجيا «التنوّع» التي تسود في أوروبا الغربيّة قد جاءت لتسيّر هذا المجتمع («التعددية الثقافية»، التي يعاديها اليمين العنصري، لم تأتِ نتيجة نضالٍ شعبي أو مطالبات أبناء المستعمرات، مثلاً، بل مثّلت «توافقاً» بين النّخب الحاكمة).
يجب أن نتذكّر أيضاً أنّ هجرة العمالة الى الغرب كانت الوجه الآخر لسياسات الغزو والحرب والهيمنة في الجنوب العالمي خلال الفترة ذاتها. كما يقول علي القادري، هناك قانونٌ واحد للتراكم الرأسمالي حول العالم، والعرب الذين هاجروا الى أوروبا يؤدّون، ببساطة، دوراً مختلفاً عن دورهم في «المستعمرات»؛ والرّخاء في أوروبا ــــ مثل الفقر والخراب في بلاد الجنوب ــــ هو نتاج العمليتين معاً (والكثير من العرب، الذين جاء حظّهم أن يصلوا الى الغرب، يفضّلون بالطبع موقعهم هذا على البديل في أوطانهم، وقد يشعرون بالامتنان والشكر للنظام الذي استقبلهم، ويصبحون مخلصين له أكثر من مواطنيه الأصليين).
لهذا السبب، نجد التناقض الظاهر بين أيديولوجيا غربيّة حاكمة تدعو الى «التسامح» في بلادها، وتنبذ العنصرية وترفض الهجمات على المسلمين ضمن أراضيها، لكنّها تلعب بحياتهم القمار ــــ جماعياً ــــ في مواطنهم الأصليّة، ويتمّ تدمير دولٍ وحصار أخرى وتجويعها من قبل أنظمة «ليبرالية» تؤمن بـ«التعددية الثقافية». بالمعنى ذاته، فإنّ رفض «الإرهاب الأبيض» في الغرب ليس مردّه حبّ المسلمين والخوف عليهم، بل إنّ هذا النمط من العنف يوجّه الى الدّاخل، وهو كفيلٌ بأن يشعل الحرب الأهلية عندهم وأن يهدّد نظامهم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي على كلّ المستويات (لا يدعو تارَنت في بيانه الى قتل المهاجرين فحسب، بل أيضاً الى قتل أنجيلا ميركل وصادق خان ــــ عمدة لندن المسلم ــــ و«الخونة»، وهو يعرض خطّةً ساذجة لإشعال حربٍ أهلية في أميركا عبر جريمته). هذا العنف تجاه الشعوب الأخرى، والكراهية والخوف من «السّمر»، والعنصرية والأحقاد التاريخية، يجب أن تصرّف كلّها في الخارج، على أرض هؤلاء «الآخرين». بمعنى آخر، فإنّ الشعار الضمني للجيش الأميركي اليوم هو «إن أردت أن تقتل عربيّاً، فلا تهاجم منزل جارك، بل انضمّ ببساطة الى الجيش». وهذا الهدف ــــ أن تقتل مسلمين ــــ يتكرّر بشكلٍ رهيب في شهادات الجنود الأميركيين الذين تطوّعوا في السنوات الماضية وقاتلوا في العراق وأفغانستان. هل علينا أن نفترض أنّ هؤلاء يستحيلون فجأة، حين يعبرون الحدود عودةً الى أميركا، مواطنين صالحين يحبّون جيرانهم المسلمين، بعدما قضوا سنواتٍ يقتلونهم بحبورٍ في أفغانستان، أو يصطادونهم بطائراتٍ مسيّرة من خلف شاشة حاسوب؟

خاتمة
«الإرهاب الأبيض» ليس أوّل أو آخر الأهوال التي تتعرّض لها الأقليات المهاجرة في الغرب، ولكنّ هذا الشكل من العنف ــــ تحديداً ــــ لن يتحوّل الى ظاهرةٍ أو الى سياسة دولة هناك، فالنّخب الغربيّة، إن أردنا التبسيط، قد اختارت، وهم يفضّلون الهيمنة العالمية على فكرة الصّفاء العرقيّ؛ وهذا لا علاقة له بنظرتهم الى الإسلام أو الى الديموقراطيّة والمواطنة. المشكلة هي أنّ هذه الأفكار العنصريّة التي أصبحت «تيّاراً عريضاً» مع اليمين الصاعد، تتسرّب الى السياسة والحكام والقوانين في الغرب وتؤدّي الى المزيد من التمييز والإقصاء والعدائية ضد المهاجرين هناك ــــ والى عنفٍ أكبر بما لا يُقاس ضدّ العرب والمسلمين في بلادهم الأصليّة. نحن لا نحتاج هنا لأن نذكّر بأن لا «إرهاب أبيض» في الغرب يمكن أن يُقارن، كمّاً أو نوعاً، بـ«إرهاب الحكومات» ضدّ شعوب الجنوب ــــ كم في العالم وصله أنّ عدداً لا يقلّ عن ضحايا مجزرة نيوزيلندا، كلّهم نساء وأطفال، قتلوا في غارة سعودية/ أميركية واحدة في اليمن الأسبوع الماضي؟ ولا العنصري «المتطرّف» مثل تارًنت يمكنه أن يؤذينا كالعنصريّات «المحليّة» الوحشيّة، التي تخرج في بلادنا لتنهش شعوبها (الخطاب الذي سمعناه على أرضنا في سنوات الجنون الطائفي التي مرّت، تبدو كلمات السفّاح الأوسترالي ــــ وأفعاله ــــ أمامها «معتدلة»، وتفتقر الى الخيال. والكثير من النخب العربيّة، مفكّرين وإعلاميين ونشطاء، قد سايروا هذا الخطاب القتّال القبيح، وأصحابه الذين يحلمون بالإبادة، حتى هزيمتهم النهائية؛ لكنّهم اليوم يشعرون بالصّدمة أمام مجزرة كرايستشيرش).
قد تكون المجزرة بداية شيءٍ جديد، أو تمثّل بالفعل (كما أراد مرتكبها) حدثاً يحرف التاريخ في اتّجاه معيّن. ولكنّ ما شاهدناه في كرايستشيرش، المدينة المحافظة العنصرية في بلدٍ قام على الاستيطان الإحلالي، لم يكن إلّا وجهاً واحداً من أوجه الكراهيّة. وأيّ من المصلّين الذين هاجمهم الفاشيّ ــــ اللاجئ الأفغاني الذي انقضّ على السفّاح وأجبره على الفرار، أو الأب العراقي الذي حمى ابنيه من الطلقات بجسده ــــ فيه كرامةٌ وحضارة وإنسانيّة أكثر بمراحل من برنتون تارَنت، ومن كلّ التاريخ الذي أنتجه.