نضال عبد العال*
نعيش وسط معمعة وقرقعة تجعلنا في حالة من الهذيان لا شبيه له في تاريخ قضيتنا المعاصر. لم تمر القضية الفلسطينية من قبل في مثل هذا الوضع، ولست هنا أكرر جزافاً تلك المقولة الصماء التي نرددها دوماً: «منعطف خطر ومرحلة صعبة»، بل هي اليوم تحمل دلالاتها ومضامينها عن جدارة.

هناك أربعة مشاهد تبدو أنها منفصل بعضها عن بعض، وطيب للبعض عدم الربط بينها، بل وحتى اتهام المجمعين لها على أنهم مسكونون بذهنية المؤامرة وأسرى الفهم الخشبي والنمطي... إلخ.
ولكن، قبل أن يقوم أي كان بجمع هذه المشاهد، فإن من يجمعهم قسراً ودون اذن أحد هو الواقع بكل ابعاده، المكان والزمان والموضوع، كذلك النتائج التي تصفعنا كل يوم بجديدها فنصحو من غيبوبتنا عاجزين عن التأثير في ما أصبح واقعاً عنيداً.
في المشهد الأول: نرى حالة التفكك العام في المؤسسة الرسمية العربية وفي ضع غير مسبوق لدرجة أن يجري تنسيقاً بين بعض الدول العربية والعدو الصهيوني ضد دول عربية أخرى، وبالتالي تراجع مكانة القضية الفلسطينية كأولوية في الاهتمام وفي الحسابات وفي مقاربات العدو والصديق.
في المشهد الثاني: مفاوضات فلسطينية إسرائيلية برعاية وضغط أميركي تريد أن تحسم جملة من الأمور المصيرية، التي لم تحسم في وقت وظروف سابقة كان فيها الوضع العربي والفلسطيني أقل سوءاً.
في المشهد الثالث: انقسام فلسطيني يترسخ ويتعمق ويصبح واقعاً عنيداً وتصير الهوة بين الإخوة وادياً سحيقاً بين جبلين.
المشهد الرابع: الحرب السياسية الإعلامية المذهبية التي تشن على المقاومة في لبنان للنيل من دورها في مواجهة العدو الصهيوني في أي حرب مقبلة، وتغير وجهة المواجهة لتصبح هي العدو وتجري محاولات استقطاب الفلسطينيين في التجييش المذهبي لإغراقهم في أتون هذه الفتنة وانتزاعهم من هويتهم الوطنية إلى هوية مذهبية ستكون ضد حقوقهم ومصالحهم وضد لبنان ومصلحة أهله وسلمه وأمنه واستقراره.
في المشهد الخامس: الحرب التي تشن على سوريا وتأتي على تدمير الحجر والبشر، الدولة ومؤسساتها وهيبتها وقدراتها ودورها الاستراتيجي المهم في المنطقة وفي القضية الفلسطينية. وإحدى نتائجه تراجع الدور السوري في ملف القضية الفلسطينية، وتحديداً ما رست عليه في بداية التسعينيات حين تمسكت سوريا بورقة اللاجئين في أراضيها ولبنان، باعتبار أنّ مليون فلسطيني في لبنان وسوريا هم حقيقة العقدة الكأداء في هذه القضية الجوهرية، فلن يكون البحث في قضية اللاجئين في الأردن، في أوروبا واللاجئين في أميركا وفي أي دولة عربية صعباً أو معقداً، ما يشكله هذا المليون فلسطيني في لبنان وسوريا هو بيت القصيد في قضية حق العودة.
حين أصاب سوريا ما أصابها وتراجع دورها عموماً، وضعفت قبضتها في الإمساك بهذه الورقة، صار فلسطينيو سوريا ولبنان في مهب الريح.
إن الدور الذي تقوم به منظمة التحرير الفلسطينية وباقي الفصائل هو دور إنساني وليس دوراً سياسياً يريد أن يمسك بها.
فلسطينيو سوريا ولبنان اليوم هم في قبضة المجهول والبحث عن الحلول الفردية التي تصبح حكماً ودون أن يدروا على حساب المصلحة الوطنية الكبيرة وسيتسربون كما الماء من شقوق الحائط إلى المهاجر البعيدة بحثاً عن ملاذ آمن وكرامة غائبة في بلاد العرب... أوطاني.
* كاتب فلسطيني