فاطمة محمدي*
يكمن الدور الأكثر أهمية لجهاز السياسة الخارجية في إقامة علاقات على المستوى الدولي لتحقيق أقصى قدر من الأهداف والمصالح المرسومة. وهذا المبدأ يرتبط بشكل مباشر بالظروف الدولية وظهور جهات فاعلة جديدة وبروز عدة مستويات من التفاعلات الوطنية الداخلية والخارجية، والتي حدت بالدول إلى إيجاد تغيير في أساليبها الدبلوماسية وسياساتها وتنفيذ برامجها لتحقيق أقصى ما يمكن من الأهداف القصوى وضمان مصالحها الوطنية. ولهذا عمدت مختلف الدول، ومن بينها إيران، إلى الاستفادة من مكونات الدبلوماسية العامة إلى جانب الدبلوماسية الرسمية على المستوى الدولي. ويمكن أن تتضاعف أهمية الوسائل الدبلوماسية كلما كانت متناسبة مع التهديدات والفرص الجديدة.

ثورة المعلومات وهيكل السلطة

يعتقد المفكران روبرت كوهن وجوزيف ناي أن ثورة المعلومات والاتصالات قد تركت أثراً كبيراً وشاملاً على مدى قوة وقدرة السلطة وعلى نطاق واسع، وستكون هذه ظاهرة من أهم مصادر السلطة في القرن الحادي والعشرين على الأرجح. وقدرة البرمجيات لها أثر واضح في ترويج الثقافات عن طريق البرامج الإذاعية والتلفزيونية.
وبعبارة أخرى، ساهم تطور تقنية الاتصالات في تقليص المسافات الزمانية والمكانية في ظهور التفاعلات العالمية وبمعايير ومواصفات مختلفة قياساً للحقبة السابقة.

1. التغيير في التفاعلات والتهديدات

لا يقتصر تأثير الدول والحكومات على بعضها البعض في عالم اليوم، وإنما يلعب الرأي العام العالمي إلى جانب الحكومات والجهات الوطنية الداخلية والخارجية دوراً مؤثراً وفاعلاً في رسم العلاقات الدولية.
ولهذا، فإن العلاقات بين البلدان في الوقت الحاضر والمعادلات الدولية لا تحددها الحكومات فقط، بل هي تتأثر بالرأي العام وتقنية المعلومات والاتصالات بشكل عام.
وعالم اليوم يحظى بامتياز خاص للإقناع والانفتاح وإقامة التحالفات بدلاً من استخدام القوة وانعدام الأمن.
وعلى هذا الأساس، نرى البلدان القوية وصاحبة النفوذ في العالم تلجأ إلى الاستفادة من الوسائل غير المباشرة في إجراء سياساتها لتحقيق أهدافها وغاياتها بدلاً من الدبلوماسية التقليدية والأساليب الرسمية.
وفي الواقع، تشهد العلاقات الدولية في الوقت الحاضر نوعاً جديداً من التهديدات، ولهذا تتطلب العلاقات بين الدول الاستفادة من الأساليب الحديثة للتعاون في ما بينها.
ولهذا، عمدت هذه الدول إلى تغيير سلوكها وتعاملها السابق وأعادت النظر في أولوياتها من خلال تغيير فهمها وإدراكها لما يجري من أحداث وتطورات، وبما يتناسب مع هذه التطورات ويلبي طموحاتها وتطلعاتها في مختلف المجالات.

أ- عناصر وطنية فاعلة

على الرغم من أن النظام العالمي أُسس منذ البداية وحتى الآن على أساس كون الحكومات هي الجهات الفاعلة الرسمية والرئيسية في رسم العلاقات الدولية، إلا أن ظهور ثورة المعلومات والتغيير في مفهوم القدرة وبروز مفاهيم جديدة كالاعتماد المتقابل والمنافع المشتركة والترابط غير المتكافئ ساهم في ظهور لاعبين جدد وهويات متنوعة وفعالة جديدة على المستوى الدولي بفعل تلاشي أو اضمحلال تأثير الخصوصيات الذاتية للدول على طبيعة العلاقات في ما بينها.
وفي هذا الصدد، برز لاعبون جدد لتمثيل هويات الدول ومصالحها الوطنية بطرق وأساليب لا تشبه ما درجت عليه العادة في السابق، كالشركات المتعددة الجنسيات التي تبحث عن مزيد من الربح الاقتصادي، والجماعات ذات الهوية الإثنية والدينية التي تبحث عن مصالح خاصة خارج النطاق الرسمي للدولة والأطر المحددة والمعروفة في الماضي، وهي تسعى الى تحقيق مجموعة متنوعة من الأهداف ولعب دور في الساحة الدولية والتي تتعارض أحياناً مع السياسة الرسمية لتلك الدولة.
وفي هذا السياق، تحظى ظاهرة العولمة بأهمية كبيرة كونها السبب في بروز شبكات التواصل التي سهلت كثيراً في شد العلاقات في مختلف الشؤون وتحويلها إلى أن تكون عالمية _ محلية في الوقت نفسه على حد تعبير كاستلز.
وقد ساهمت هذه الظاهرة في انتقال التهديدات البيئية والأزمات المالية ومظاهر الإرهاب والتطرف وبسرعة إلى مختلف أرجاء العالم، بعدما كانت مقتصرة على مناطق محددة في بادئ الأمر.

ب - ساحات عمل اللعب خارج الحدود

أتاح انتقال التهديدات المحلية إلى مستوى التفاعلات الدولية الفرصة للهيئات والمنظمات غير الحكومية المؤثرة في داخل بلدانها للعب دور أكبر في خارج حدود هذه البلدان، إلى درجة أصبحت معها بعض الحكومات مضطرّة للانسياق مع مطالب هذه الجماعات والمنظمات وأهدافها، بما في ذلك منظمات حقوق الإنسان التي استطاعت أن تحد من دور الحكومات ونشاطها، والتكتلات الفئوية التي تلعب دوراً في تشكيل هيكلية الحكومات ورسمها، والشركات المتعددة الجنسيات المؤثرة في سن القوانين التجارية والاقتصادية على المستوى الدولي.
وبعبارة أخرى، أدى توسيع نطاق أنشطة هذه الجماعات غير الحكومية إلى توسيع نطاق عملها وتسربها إلى خارج الحدود، إلى الحد الذي باتت معه قادرة على اتخاذ قرارات مستقلة عن الأطر الرسمية المتعارفة، وبالتالي إحداث تغييرات واسعة في هيكلة النظام الدولي.

ج - التطور في مفهوم الأمن

اعتُبرت مفاهيم الأمن وحب البقاء منذ القديم من أهم المفاهيم المطروحة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، إلى درجة أن الكثير من المفكرين والباحثين في العلوم السياسية يعتقدون بأن توفير الأمن يعدّ من أهم الأهداف التي تسعى الحكومة إلى تحقيقها على الصعيدين الوطني والدولي، على الرغم من أن مصاديق الأمن هي في تغيّر وتحوّل دائم على المستويين الداخلي والخارجي. وفي الواقع، كلما واجه النظام الدولي تغييراً في هيكلته، فمن الطبيعي أن يطال هذا التغيير الأسس الأمنية للسياسة الدولية.
وبعدما كانت القوة العسكرية هي الوسيلة الرئيسية لإقرار الأمن خلال فترة الحرب الباردة، باتت هذه الوسيلة في الوقت الحاضر أقل تأثيراً عما مضى لحفظ الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي بسبب استحداث مجموعة متنوعة من العوامل الجديدة لتحقيق هذا الغرض.
فعلى الرغم من القدرة العسكرية الهائلة التي تملكها الولايات المتحدة الأميركية، إلا أنها فشلت في تحقيق الأمن والاستقرار في العراق بعد احتلاله من قبلها بسبب التحديات الأمنية التي واجهتها في هذا البلد أكثر من أي وقت مضى.
ولا يزال هذا الموضوع يحظى باهتمام المحافل السياسية في مختلف البلدان. ولكن جميع الشواهد والأدلة تثبت أن القوى الكبرى والأطراف الإقليمية الفاعلة لا يمكنها تسوية المشاكل الأمنية الراهنة من خلال اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية.
ولذلك، فإن القوة العسكرية فقدت إلى حد ما تأثيرها المباشر والحاسم كأداة لإدارة الأمن على الصعيدين الدولي والإقليمي، ويعتقد العديد من المراقبين والمحللين السياسيين بأن مثل هذا التغيير في مفهوم الأمن ومصاديقه يعود بالحقيقة إلى وجود عناصر جديدة ولاعبين جدد قادرين على لعب دور مؤثر وفعال في هذا المجال.
وكما حصل في حربي العراق وأفغانستان غير المتكافئتين اللتين شنتهما الولايات المتحدة الأميركية على هذين البلدين بالتحالف مع القوى الداخلية والخارجية الموالية لها، تسببت هاتان الحربان في ما بعد بسيل من التهديدات الأمنية للولايات المتحدة. وهناك أمثلة أخرى على هذا التغيير؛ من بينها الصراعات الطائفية والقومية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط في الوقت الحاضر.

د - الطائفية تهدد الأمن والاستقرار

على الرغم من الدور الذي يمكن أن تلعبه القوة العسكرية في إدارة الأزمات الدولية في الوقت الحاضر، إلا أنه لا يمكن اعتبار هذه القوة العنصر الوحيد والأساسي في إقرار الأمن والسلم في العالم. ولهذا نرى حصول تغيير في الرؤية لهذا الأمر في الدراسات الأمنية في مثل هذه الظروف.
ويرى المنظرون أمثال «تدكار» ضرورة دراسة دور العوامل النفسية في ظهور الأزمات الداخلية والدولية واضمحلالها. وبعبارة أخرى، يمكن القول إن مجريات الأمن الدولي يمكن التحكم بها من خلال السيطرة نفسياً على العناصر الفاعلة محلياً وإقليمياً ودولياً في هذا المجال، فيما يرى منظّرون آخرون في الشؤون الدولية أمثال «جيسي ماثيوز» أن القضايا العرقية والبيئية والثقافية يمكن أن تلعب دوراً مؤثراً في هذا الإطار جنباً إلى جنب مع التغيّرات الديموغرافية والتطورات الجيوسياسية المؤثرة في هذا المجال.
وحتى «صموئيل هانتنغتون» توصل في دراساته إلى نتيجة مفادها أن معظم التحولات الإقليمية والدولية حدثت غالباً في المناطق التي طرأت عليها تغيرات اجتماعية وثقافية وديموغرافية كبيرة.
ويرى «صموئيل هانتنغتون» أيضاً أن هناك ارتباطاً مباشراً بين الأمن الإقليمي والدولي ومدى القدرة على التحكم بطبيعة الثقافة السائدة.
وعلى هذا الأساس، يمكن القول إن الفسيفساء الإثني والديني والطائفي المتنوع في عموم الشرق الأوسط، يعدّ من العوامل الأساسية لظهور عناصر جديدة قادرة على لعب دور مؤثر وفعال على المستويين الإقليمي والدولي، وقد تشكل خطراً على الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
وبإلقاء نظرة على ما يحدث الآن في سوريا، نجد أن الطائفية أدت إلى خلق أزمات كثيرة في هذا البلد؛ من بينها قضية اللاجئين والمشردين، إضافة إلى تسببها بزعزعة الأمن والاستقرار في مختلف أنحاء البلاد، وانتشار الجماعات الإرهابية في سوريا والعديد من دول المنطقة كتنظيم داعش أو ما يسمى (الدولة الإسلامية في العراق والشام) وهو ما أدى إلى ظهور أزمة جديدة وخطيرة تهدد السلم والأمن في الشرق الأوسط برمته.
وفي مثل هذه الظروف، تبرز جلياً أهمية الاستفادة من الأساليب الدبلوماسية الواعية والذكية لحل الاختلافات والصراعات في المنطقة وتسوية أزماتها بطرق سلمية.
وعلى الرغم من ضرورة التناسب والانسجام في معرفة مفاهيم الأمن ومصاديقه والعوامل المؤثرة في إقرار الأمن أو زعزعته، تبرز الحاجة إلى وجود نوع جديد من الأساليب الدبلوماسية لمواجهة هذه المخاطر.

2. ضرورة إعادة النظر في الوسائل الدبلوماسية

كما أشرنا في بداية الكلام إلى أن العلاقات الدبلوماسية بين الدول والحكومات كانت تخضع للأعراف والتقاليد المتداولة في السابق، ولم يكن للمواطنين والأشخاص العاديين دور يذكر في رسم هذه العلاقات، إلا أنه بعد حصول الكثير من التغييرات في العلاقات الدولية أصبح للمواطنين والأفكار العامة للشعوب في مختلف الدول دور مؤثر في السياسات الخارجية لهذه الدول والمنظمات الدولية والرأي العام العالمي.
وبعبارة أخرى، ساعدت وفرة المعلومات وزيادة المعرفة لدى الشعوب في مختلف الدول على إيجاد جو مناسب ساهم إلى حد كبير في النهوض بالسياسة الخارجية والدبلوماسية لتلك الدول وزاد من قدراتها على المضيّ قدماً في هذا الإطار.
وفي هذا الصدد، عمدت البلدان المختلفة إلى الاستفادة من الوسائل الجديدة للاتصال وتكنولوجيا المعلومات لرفع مستوى تأثيرها في العلاقات العامة بين الدول ومواجهة الآثار السلبية التي نجمت عن استخدام هذه الوسائل.
وبالنتيجة، فإن مثل هذه التحولات في المجال الدبلوماسي والسياسة الخارجية أفرزت ظاهرة حديثة نسبياً في العلاقات بين البلدان تعرف في الوقت الحاضر باسم «الدبلوماسية العامة».

أ - مكونات الدبلوماسية العامة

الدبلوماسية العامة تعني كيفية الاستفادة من الإمكانيات الثقافية ووسائل الاتصال الدولي في السياسة الخارجية والتي أصبحت منتشرة ومتاحة في الوقت الراهن، وهي تشمل الدبلوماسية الثقافية ووسائل الإعلام. هذه الدبلوماسية تتميز عن بقية الوسائل السياسة الخارجية بأنها الأكثر تأثيراً في تشكيل الهوية الوطنية للدول.
وقد عُرِّفت الدبلوماسية العامة في قاموس المصطلحات الخاصة بالعلاقات الدولية والذي أصدرته وزارة الخارجية الأميركية عام 1985، بأنها مجموعة البرامج التي تتبعها الدولة لترويج أهدافها ومتبنّياتها عن طريق وسائل الإعلام للتأثير على الرأي العام في البلدان الأخرى.
والأدوات الرئيسية للدبلوماسية العامة يمكن تلخيصها بأنها عبارة عن سبل ترويج النصوص والصور المتحركة وكيفية التعاطي ثقافياً معها، وكيفية الاستفادة من وسائل الإعلام المختلفة كالتلفزيون والراديو والإنترنت لهذا الغرض.
ب - الهدف الأساس من الدبلوماسية العامة
تهدف الدبلوماسية العامة في الأساس إلى تهيئة الرأي العام في الدول الأخرى لتقبل الأفكار المطروحة من قبل حكومة ما، والتفاعل بين القطاعات الخاصة وأصحاب المصالح لبلد ما مع نظرائهم في البلد الآخر، وتهيئة التقارير عن الشؤون الخارجية وأثرها على السياسة ورسم العلاقات بين الدبلوماسيين والصحافيين الأجانب وتنظيم عملية الاتصال في المجال الثقافي.
ووفقاً لهذا الرأي، فإن الدبلوماسية العامة لبلد ما يجب أن تتماشى مع ما يضخّ من معلومات وعقائد إلى الشعوب والأطراف الأخرى خارج حدود هذا البلد.

ج - مواجهة الطائفية

الأمر الأساسي والمهم في نجاح الدبلوماسية العامة يعتمد بالدرجة الأولى على مدى القدرة في إقناع أصحاب القرار السياسي بالأهمية الاستراتيجية لهذا النوع من الدبلوماسية.
ويجب أن تترسخ لدى النخبة السياسية بأن ما يجري في البلد والمنظومة المعرفية والثقافية لشعبه وحكومته يؤثر إيجاباً أو سلباً على الرأي العام العالمي، وبالتالي فإنه سيؤثر بالدرجة نفسها على الأمن والمصالح الوطنية للبلد.
ولذلك ينبغي التأكيد على أهمية الهيبة الوطنية وضرورة انتهاج دبلوماسية ثقافية وإعلامية واعتمادها استراتيجياً من قبل النخبة السياسية الحاكمة في البلد.
والشيء المهم الآخر في هذا المجال هو ضرورة الالتفات إلى أن الدبلوماسية العامة والثقافية تقاس قوتها بمدى قدرتها على التلاؤم والانسجام مع القيم المتباينة في البيئات الثقافية المختلفة. ومن غير الممكن الترويج لثقافة وقيم معينة في بلد آخر ما لم تحترم ثقافة ذلك البلد وقيمه.
وبعبارة أخرى، يجب الانتباه إلى أن الدبلوماسية العامة والإعلامية لا بد من أن تتعاطى مع الآخر بإيصال ما لديها من أفكار، والاستماع إلى ما يطرحه كي تكون مؤثرة وفعالة.
فجميع الأفكار والمعلومات المطروحة لا بد من أن تكون قادرة في البداية على عبور المُرشِحات الثقافية للطرف الآخر كي يكتب لها النجاح والتأثير والقبول لديه. ولهذا لا بد من فهم الأهداف التي يتوخاها الطرف المقابل وإدراك القيم المشتركة بين الجانبين.
ومع الأخذ بالاعتبار هذه المسائل، يمكن التعويل على قدرة الدبلوماسية العامة في التأثير على بلدان منطقة الشرق الأوسط وتعزيز الأمن والاستقرار فيها، رغم المساعي الخفية والعلنية التي يبذلها اللاعبون الآخرون للحدّ من هذا التأثير من خلال إثارة الاضطرابات والنعرات القومية والطائفية.
وفي الواقع، فإن الدبلوماسية العامة وما يتفرع عنها أو يرتبط بها كالدبلوماسية الثقافية ووسائل الإعلام يمكن توظيفها لإزالة الغموض عن الأفكار المطروحة وتكوين صورة إيجابية عن هذه الأفكار لدى الأطراف الأخرى وتعزيز التعاون معها على أساس الهوية الإثنية والدينية بهدف تحقيق المصالح المشتركة وتعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.

3. الدبلوماسية الإيرانية

في عصر ثورة المعلومات، تعدّ القوة الناعمة أكثر إقناعاً وجاذبية من القوة العسكرية، ولهذا يمكن الاستفادة من تدفق المعلومات لنقل القيم والثقافة لأي طرف سياسي وتوظيف قدرات الجهات المؤثرة في داخل البلاد وخارجها لتحقيق الأمن والاستقرار لمختلف الأطراف الفاعلة في المنطقة والعالم.
والجمهورية الإسلامية الإيرانية من الدول المؤهلة في الشرق الأوسط للاستفادة من قدراتها الجيوستراتيجية والجيوبولوتيكية وقابلياتها الدبلوماسية العامة في هذا المجال. كما تستطيع الجمهورية الإسلامية الإيرانية لعب دور هام ومؤثر في الحد من أعمال العنف في المنطقة بفضل ما تمتلكه من قوى بشرية كفوءة وماهرة في الاستفادة من تقنية المعلومات والاتصالات لعكس صورة إيجابية عنها لدى الرأي العام من خلال التركيز على الهوية الدينية المشتركة مع الأطراف المختلفة والمتصارعة في هذه المنطقة.
وفي الواقع، يمكن أن تقدم الجمهورية الإسلامية الإيرانية نموذجاً للتعاون السلمي بين مختلف المجموعات في المنطقة من جانب، وتنير الطريق إزاء العواقب الوخيمة للتطرف والتحركات المثيرة للجدل من بعض المجموعات من جانب آخر، وإظهار قدرتها على الحد من ميل الناس، ولا سيما الشباب، للانضمام إلى الجماعات المسلحة والعنيفة، لتعزيز الأمن والسلام في الشرق الأوسط. ومن البديهي ولأهمية السلوك الفكري لدى الرأي العام في تقليص أو زيادة الأنشطة الطائفية، تبرز بشكل واضح الضرورة القصوى للاستفادة من وسائط الإعلام المختلفة وعلى نطاق واسع، بما فيها وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة، والاشتراك الفعال في شبكات التواصل الاجتماعي والتحلي بالمعرفة الدقيقة للفئات المعنية والمستهدفة في هذه العملية.
وتحظى إمكانية الاستفادة من أدوات الاتصال الثقافية في الإطار النظري للدبلوماسية العامة وتوظيف الدور المهم الذي يمكن أن تلعبه وسائل الإعلام في عصر المعلومات والتواصل الاجتماعي بأهمية قصوى في هذا المجال وذلك من خلال تعزيز العلاقات مع الدول المختلفة والتفاعل البنّاء بين الأطراف الرسمية وغير الرسمية وتعاطي الجهات غير الرسمية مع بعضها البعض.
والجمهورية الإسلامية الإيرانية قادرة على لعب هذا الدور لما تتمتع به من إمكانيات هائلة لتفعيل الدبلوماسية العامة وقدرتها على التحكم بالمخاطر الأمنية التي تحيط بها، من دون الاستعانة بالوسائل العسكرية لبسط الأمن والسلم والاستقرار، ومكافحة الطائفية باعتبارها أحد أهم التهديدات التي تعانيها منطقة الشرق الأوسط في هذه الأيام.
* كاتبة إيرانية