يعلن معظم السياسيين في لبنان أن اتفاق الطائف هو المرجعية التي يستمد منها اللبنانيون وفاقهم الوطني بعد الحرب الأهلية، خصوصاً بعد أن تحول إلى دستور الدولة اللبنانية. نجح اتفاق الطائف بإخراج لبنان من الحرب لكن الظروف التي مرّ فيها لبنان والمنطقة المحيطة أدّت إلى تنفيذه بطريقة انتقائية أحياناً ومجتزأة أحياناً أخرى. واليوم وبعد ربع قرن على إعلانه يؤكد اللبنانيون – كلّ على طريقته – أن اتفاق الطائف في مأزق وقد وصل إلى طريق مسدود: • البعض يعلن تمسكه باتفاق الطائف ويدعو إلى استكمال تنفيذه بطريقة شاملة وعملية ومتوازنة.
• فريق آخر يُطالب بإجراء بعض التعديلات والتوضيحات، خصوصاً في ما يتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية، حتى يتمكن من لعب دور فاعل ووازن. وكان رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان قد أكد في بداية عهده إصراره على إطلاق ورشة إصلاحية من أجل استكمال تنفيذ اتفاق الطائف وتحقيق مبدأ التوازن بين مسؤوليات وصلاحيات رئيس الجمهورية. لكن هذه المحاولة لم تُبصر النور.
وهناك جهات تطالب بتجاوزه وتغييره واستبداله بعقد جديد عبر مؤتمر تأسيسي لم تأت ساعته بعد ولم تنضج ظروف إنجاحه .
غالباً، يتمّ الحوار حول اتفاق الطائف بالجملة والعموميات من دون تحديد الفقرات المختلف عليها. للفائدة نعيد التذكير هنا بالبنود التي لم تنفّذ بعد بالكامل وهي التالية وفق التسلسل كما وردت في النص الأصلي:
• الإنماء المتوازن للمناطق ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً ركن أساسي من أركان وحدة الدولة واستقرار النظام.
• العمل على تحقيق عدالة اجتماعية شاملة من خلال الإصلاح المالي والاقتصادي والاجتماعي.
• الدائرة الانتخابية هي المحافظة.
• مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي يستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية.
- إلغاء الطائفية السياسية:
إلغاء الطائفية السياسية هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية، وعلى مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق هذا الهدف وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية. مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية.
ويتم في المرحلة الانتقالية ما يلي:
1- إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الكفاءة والاختصاص في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة والمصالح المستقلة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها وفي ما يعادل الفئة الأولى فيها وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين من دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة.
• اللامركزية الإدارية:
- توسيع صلاحيات المحافظين والقائمقامين وتمثيل جميع إدارات الدولة في المناطق الإدارية على أعلى مستوى ممكن تسهيلاً لخدمة المواطنين وتلبية لحاجاتهم محلياً.
- اعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة على مستوى الوحدات الإدارية الصغرى (القضاء وما دون) عن طريق انتخاب مجلس لكل قضاء يرئسه القائمقام، تأميناً للمشاركة المحلية.
- اعتماد خطة إنمائية موحدة شاملة للبلاد قادرة على تطوير المناطق اللبنانية وتنميتها اقتصادياً واجتماعياً، وتعزيز موارد البلديات والبلديات الموحدة والاتحادات البلدية بالإمكانات المالية اللازمة.
بعض البنود لم ينفّذ وبعضها الآخر تجاوزه الزمن ولم يعد صالحاً مع ما نشهده من تحولات جذرية في المنطقة


• قانون الانتخابات النيابية:
تجري الانتخابات النيابية وفقاً لقانون انتخاب جديد على أساس المحافظة، يراعي القواعد التي تضمن العيش المشترك بين اللبنانيين وتؤمن صحة التمثيل السياسي لشتى فئات الشعب وأجياله وفعالية ذلك التمثيل، بعد إعادة النظر في التقسيم الإداري في إطار وحدة الأرض والشعب والمؤسسات.
- إصلاح التعليم الرسمي والمهني والتقني وتعزيزه وتطويره بما يلبي ويلائم حاجات البلاد الإنمائية والإعمارية. وإصلاح أوضاع الجامعة اللبنانية وتقديم الدعم لها وبخاصة في كلياتها التطبيقية.
- إعادة النظر في المناهج وتطويرها بما يعزز الانتماء والانصهار الوطنيين، والانفتاح الروحي والثقافي وتوحيد الكتاب في مادتي التاريخ والتربية الوطنية.
العلاقات اللبنانية - السورية:
إن لبنان، الذي هو عربي الانتماء والهوية، تربطه علاقات أخوية صادقة بجميع الدول العربية، وتقوم بينه وبين سوريا علاقات مميزة تستمد قوتها من جذور القربى والتاريخ والمصالح الأخوية المشتركة، وهو مفهوم يرتكز عليه التنسيق والتعاون بين البلدين وسوف تجسده اتفاقات بينهما، في شتى المجالات، بما يحقق مصلحة البلدين الشقيقين في إطار سيادة واستقلال كل منهما. استناداً إلى ذلك، ولأن تثبيت قواعد الأمن يوفر المناخ المطلوب لتنمية هذه الروابط المتميزة، فإنه يقتضي عدم جعل لبنان مصدر تهديد لأمن سوريا وسوريا لأمن لبنان في أي حال من الأحوال. وعليه فإن لبنان لا يسمح بأن يكون ممراً أو مستقراً لأي قوة أو دولة أو تنظيم يستهدف المساس بأمنه أو أمن سوريا. وأن سوريا الحريصة على أمن لبنان واستقلاله ووحدته ووفاق أبنائه لا تسمح بأي عمل يهدد أمنه واستقلاله وسيادته.
الطائف بعد ربع قرن
مراجعة سريعة لهذه البنود تبيّن لنا أن بعضها لم ينفّذ وبعضها الآخر تجاوزه الزمن ولم يعد صالحاً خصوصاً بعد خروج الجيش السوري من لبنان، وما نشهده من تحولات جذرية في المنطقة.
من أجل مواجهة التحديات الوجودية التي تهدد لبنان وإعادة صياغة مستقبله، هل يتم التوافق اللبناني العربي الدولي مجدداً على تطبيق اتفاق الطائف بكامل بنوده من دون انتقائية أو مقايضة؟ أم يتم الاتفاق على خريطة طريق لتجاوزه؟ ومن هي الجهة أو الجهات التي سوف تتولى رعايته؟ والمدخل في كل الحالات توافق الطبقة السياسية الملتزمة باتفاق الطائف على عقد مؤتمر وطني جدي يكون برنامج عمله المرحلي على الأقل ما يلي:
- توحيد قراءة اتفاق الطائف بين مختلف الاجتهادات المتباينة.
- شرح بنوده منعاً للتفسيرات المتناقضة وما أكثرها.
- وضع آلية لتنفيذه مع روزنامة زمنية لتطبيقه بالكامل.
- وضع التعديلات اللازمة استناداً للتجربة وضرورات التحديث والتطوير.
ختاماً يبقى السؤال هل ما زال اتفاق الطائف هو الحلّ أم هو المشكلة في زمن يصعب فيه إنتاج تسوية جديدة واتفاق جديد لأن الظروف اللبنانية والإقليمية غير مؤاتية بعد للتغيير؟
* كاتب لبناني