التظاهرات الشعبية المطالبة بتحسين ظروف المعيشة في الأردن مستمرة من دون توقف، لكن هذا ليس بالجديد. الجديد هو تدخّل أخي الملك، غير الشقيق، حمزة بن الحسين من زوجته الأميركية، سورية الأصل، نور. حمزة هذا، المعروف في الأردن باسم غمزة، بسبب ما يحكى عن صولاته وجولاته الغرامية سائراً على خطى أبيه، وبأنه لا يهتم بالشأن السياسي مدركاً أن ليس بمقدوره ممارسة أي نشاط في هذا المجال من دون تسلمه أمراً بذلك من شعبة الشرق الأدنى في دائرة الشرق الأوسط التابعة لقسم غربي آسيا في وزارة الخارجية البريطانية. حمزة هذا، ظهر أخيراً وهو يلقي خطاباً في القوات المسلحة لكن بلباس مدني، ينتقد سياسات الحكومة الاقتصادية، وبالتالي فإنه ينتقد المليك المعظّم ومولاه سيد البلاد وولي نعمته عبد الله بن الحسين.
المسألة هنا ليست إبداء حمزة، ولي العهد المطرود من منصبه، اهتماماً بالرعية أو أنه صار يفهم بالاقتصاد، وإنما في حقيقة تجرئه على انتقاد المليك سيد البلاد، ما دفع بعض المحللين إلى القول إنه يطمح الى الحلول محل شقيقه أو أخيه، وأن محمد بن زايد ومحمد بن سلمان يخططان لإطاحة الملك الحالي وتنصيبه مكانه مقابل الموافقة على ما يسمى «صفقة القرن».
هنا لا بد من التذكير بأن الأردن ساحة بريطانية، أو أنغلو/ أميركية، بامتياز ومن غير المسموح لأي طرف داخلي، أو حتى خارجي، اللعب فيها، لا ابن سلمان ولا ابن زايد. فبقاء كل منهما رهن برضا «10 داوننغ ستريت» والبيت الأبيض، عنهما. نعم ربما تخيّل كل منهما أنه يقود دولة عظمى، لكن صفعة خفيفة أنغلو/ أميركية كافية لإعادتهما من أحلام اليقظة إلى الواقع وتذكيرهما بموقع كل منهما في نظام المنطقة وبأنه يمكن الاستغناء عنهما من دون أي جهد يذكر؛ فكلاهما تمكن من كسب عداء عشيرته، ما جعلهما أضعف من أن يقدرا على الاستغناء عن السيد «الأم الحنون» الأنغلو/ أميركية! ولكل منهما في شخبوط وفي ابن نايف درسان بليغان. لا العدو الصهيوني ولا أي قوة محلية بقادرين على تغيير رأس الحكم من دون الأمر الأنغلو/ أميركي. ربما الشعب في الأردن وقواه الوطنية والقومية القوة الوحيدة القادرة على إسقاط ذلك النظام المتصهين، رغم أنف لندن وواشنطن.
نعم النظام في الأردن فاسد، ولأنه فاسد يحظى بدعم لندن وواشنطن والغرب عموماً. فليس ثمة من نظام وطني قومي ترضى عنه قوى الغرب الاستعمارية، حتى لو كان الطهارة بعينها. حمزة هذا، الذي انتقد سياسة نظام أخيه، لم يقدم أي رؤية اقتصادية سياسية بديلة، بل كرّر الكلام نفسه الذي يقوله كل من تحدث في الموضوع. المقصود هنا محاولة امتطاء الحراك الشعبي، سواء كان عشائرياً أو حزبياً، مع أنه لا يشهد لحمزة بأنه تطرق إلى هموم الشعب من قبل. ورب قائل: منذ متى يكترث الحكام من صناعة استعمارية بهموم الشعوب! الغرب الاستعماري نصّبهم حكاماً لخدمة المستعمِر وليس لأي أمر آخر. على أي حال، وكما هو متوقع، لم يطل الأمر حتى بلع حمزة كلامه واعتذر معلناً ولاءه لسيده وولي نعمته مليك البلاد، طبعاً بعد صدور الأمر من لندن.
أما ما يخص الأزمة الاقتصادية في الأردن، فالأمر متوقع. فمصاعب البلاد ناتجة من مناح مختلفة: الأردن لا يمتلك موارد طبيعية غير الفوسفات، وكان المصدر الأساس لدخل الخزينة وحكام البلاد اللصوص، وتحويلات الفلسطينيين المغتربين (من حملة جواز السفر الأردني، لكن المجردين من الحقوق المدنية الرئيسة مثل حق الانتخاب على سبيل المثال)، إضافة إلى استثمارات الفلسطينيين المطرودين من الكويت وكذلك مساعدات غربية لا تحيي ولا تميت. يضاف إلى ذلك أضرار السياسات النيوليبرالية والفساد غير المسبوق في مختلف أجهزة الدولة وفي المستويات كافة، كما تبيّن من قضيتي مصنع الدخان وبيع شركة الفوسفات وغيرها من الفضائح التي «عالَجَتْها» مؤسسات النظام الفاسد بالصمت المدوي، أي بمنع وسائل الإعلام/ التضليل من النشر!
ثمة قول مأثور: ليس ثمة من بلد فقير وبلد غني، ثمة سوء توزيع للثروة الوطنية. وهذا حال الأردن الذي جعله حكامه مطية للاستعمار وقاعدة متقدمة للعدو الصهيوني ينطلق عبرها إلى مختلف أنحاء وطننا الكبير/ الحزين.
مسألة المساعدات الخارجية تقودنا إلى جانب آخر من أزمات الأردن الاقتصادية/ السياسية/ الثقافية/ الأخلاقية وغيرها مسألة جانبية، لكنها ذات مغزى، متعلقة بالمساعدات المقدمة. نشر البعض نقداً واضحاً لخطة ابن سلمان وابن زايد لدعم الاقتصاد في الأردن مع تطبيل غير مسبوق لخطة طويل العمر تميم. طبعاً لندن وواشنطن لن تسمحا لأي قوة بالتدخّل في ما يعدّونه ساحتهما ولهما فقط الحق الحصري في التدخّل، لذا فإن خطة وليي العهد لم تتعدّ ما هو مسموح به.
أما ما يخص خطة طويل العمر فتحتاج إلى توضيح. لنتذكر أن طويل العمر أقر صفقة لدعم الاقتصاد التركي بعد انهيار سعر الليرة. هو لم يعلن دعمه للنظام في تركيا الذي واجه عقوبات أميركية لمحاولته الخروج على «بيت الطاعة»، حيث تأخر إعلان خطة الدعم بضعة أيام، ما جعل الصحافة التركية الحكومية تستنكر تأخّر الدعم، ولو كان لفظياً، وذكَّرت حاكمها بأنه نال دعم تركيا الفوري عقب إجراءات دول الحصار. دعم قطر اللفظي لم يأت حتى يومنا، ولن يأتي، لكن الدعم المادي جاء بعد أيام. لنكن صريحين: لقد تأخر دعم الدوحة المادي بسبب انتظار وصول موافقة السيد الآمر الناهي، حامي حماها، في البيت الأبيض. ومن هذا المنظور وآخذين في الاعتبار طبيعة نظام تلك البلاد وجوهره، علينا النظر إلى الخطة القَطَرية لدعم الاقتصاد الأردني. المضحك المبكي أن المشروع يقضي بخلق مئة وخمسين ألف وظيفة لحاملي جواز السفر الأردني في قطر لا في الأردن. وهنا لا بد من التذكير بأن سياسة نظام عمان الدائمة هي تشجيع الهجرة والفخر بهذه السياسة الحمقاء المدمرة (انعكاس لسياسات النظام القائمة على معاداة الفلسطينيين والرغبة في إفراغ البلاد منهم) كما وردت مراراً علانية على ألسنة ممثلي النظام الفاسد. أي أن المساعدة القطرية هذه تأتي دعماً لاقتصاد قطر ولنظام عمان المتصهين (كلاهما متصهين)، وليس لحملة جوازات السفر الأردنية؛ ومن دون معرفة إن كانت مخصصة لأي حامل جواز سفر أردني أم هي فقط لحاملي البطاقة العائلية، وثمة فرق كبير بين الاثنين.
لو كانت قطر صادقة في مساعدة السكان في الأردن لخلقت مئة وخمسين ألف وظيفة في الأردن، حيث تعم الفائدة، من منظور اقتصادي محض، نحو مليون ونصف مليون نسمة. لكن السيد الأنغلو/ أميركي الحاكم في الدوحة وفي عمان لا يسمح بذلك. المطلوب تهجير السكان وجعل حيواتهم ومعيشتهم ورفاههم، مهما كان نسبياً، مرتبطة بالسيد المستعمر. لم يطل الأمر طويلاً حتى جاءت فضيحة نظام قطر المدوية وسياساته المصنوعة في لندن وواشنطن عندما أعلن إقرار استثمار عشرة آلاف مليون دولار في الاقتصاد الألماني (قبل العمولة أم بعدها؟).
الحديث في هذا يطول، لكننا نكرر القول: ليس ذهباً كل ما يلمع. ومن ينتظر خيراً من هذه الأنظمة المتصهينة والمتخلفة والتابعة، سيموت منتظراً على قارعة الطريق .
المطلوب البحث في بدائل وطنية وليس تجريب المجرب. المطلوب وحدة بين سكان الأردن ومنح كل حاملي جواز السفر الأردني الحقوق المدنية كافة، وعندها تنشأ حركة وطنية حقيقية تقلب موازين القوى في البلاد وتطيح التجمعات والتحالفات العشائرية، ما يفسح في المجال أمام نشوء نظام وطني قومي في البلاد، رغم لندن وواشنطن.